مثقفون ومتصوفون علمانيون على باب الله.. كتاب لأيمن الحكيم عن العلاقة بين المثقف والدين

آخر تحديث: الخميس 23 مايو 2024 - 8:32 م بتوقيت القاهرة

محمود عماد

علاقة المثقف والدين علاقة ملتبسة لا أحد يعرف مداخلها ومخارجها، دائما يشعر الناس بأن تلك العلاقة عكسية، حيث يظنون أن كل مثقف بالتبعية لديه علاقة عداء مع الدين هي نظرية عجيبة بعض الشيء، وربما أسهمت فيها بشكل كبير جماعات الإسلام السياسي التي حاولت طوال تاريخها باختلاف نوعياتها تشويه صورة المثقف في الأوساط الشعبية، وجعل الثقافة والدين لا يجتمعان، وربما بطريقة أو بأخرى ساهم المثقف في ذلك أيضا بدون قصد منه، ولكن بإيقاع من جماعات الإسلام السياسي.

من هذه النقطة يأخذ الكاتب الصحفي الكبير أيمن الحكيم، نقطة انطلاق كتابه "مثقفون ومتصوفون علمانيون على باب الله" الصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع مطلع العام الجاري.

ونجد في هذا الكتاب حوارات تشبه الحوارات الصحفية يحاور فيها أيمن الحكيم، مثقفين مختلفين بين الكتاب والصحفيين والممثلين باختلاف خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والفكرية، نجد تسعة حوارات مع "جابر عصفور، محمد سلماوي، عادل حمودة، عزت العلايلي، لبنى عبد العزيز، محمد فاضل، عبد الرحيم كمال، بشير الديك، جمال بخيت، وتحليل وتتبع في نهاية الكتاب لتصوف الرئيس الراحل محمد أنور السادات".

الحوارات أجراها أيمن الحكيم قبل فترة من نشر الكتاب، لو أخذنا نظرة على بعضها، وخاصة الطويلة منها مثل "فصل جابر عصفور الفصل الافتتاحي لوزير الثقافة الأسبق الراحل عن عالمنا، وفصل أيضا محمد سلماوي، وفصل الكاتب الصحفي الكبير عادل حمودة، وفصل الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال، والفصل الأخير الخاص بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذي لم يكن على هيئة حوار بل على هيئة تتبع من أيمن الحكيم لعلاقة الصوفية بالرئيس السادات".

الشخصيات رغم اختلافاتها، لكن نرى ذلك الاتفاق الضمني بينهم على فكرة الإسلام المصري الذي يقبل الجميع باختلاف الأديان والأفكار والثقافات، فالمصريون يتعايشون معًا بلا اعتبارات عنصرية.

كما أنهم جميعا اتفقوا حيال عصر السبعينات تلك الحقبة التي على حد قولهم قد دمرت فكرة الإسلام المصري السمح عندما قدم الرئيس الراحل أنور السادات قبلة الحياة لجماعات الإسلام السياسي، وأهمها جماعة الإخوان المسلمين، ثم أيضا يشيرون جميعا للعائدين من الخليج الذين ذهبوا للعمل في البلاد الخليجية فعادوا بالأفكار الوهابية يملأون بها المجتمع أفكار حسب وصف كل شخصيات الكتاب لا تمت للمجتمع المصري ولت للمصريين بصلة تذكر.

كما أن الشخصيات قدمت رأيها في الاجتهاد الديني فنرى بعض الآراء في بعض المشايخ مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي الشيخ محمد الغزالي، فهنالك من أثني عليهما، وهنالك من حملهما مسئولية الكثير من التطرف والتشدد التي وصل لهما المجتمع.

وكان هنالك سؤال دائم من أيمن الحكيم لشخصيات التي حاورها وهو متعلق بمقرئي القرآن الكريم فاختار كل منهم مقرئي معين وانحازوا للمقرئين المصريين على حساب الخليجين، وكان لشيخ محمد رفعت نصيب الأسد من الاختيارات والذي وصفوه بصوت من الجنة.

وفي فصل الكاتب الكبير محمد السلماوي الذي كان يوصف بأنه منتمي لشيوعية نرى أنه روحانيا للغاية، ونتبين ذلك من مذكراته التي يقتطع منها أيمن الحكيم، ومن حديث السلماوي نفسه عليها كما نري حواره وكيف وصل لفكرة الله والصفاء النفسي.

وفصل الكاتب الصحفي الكبير عادل حمودة نرى كيف أن ذلك الكاتب والصحفي ذو الباع الكبير الذي تربى في حضن اليسار يمتلك من الروحانية والعلم والاجتهاد الكثير، ونرى محاولاته الدائمة لتفكيره في القرآن والسنة النبوية، ونرى في الحوار تفكيره العميق في حديث أضعف الإيمان وتحليله له لغويًا واقناعه بالحجة فتعجب كثيرا بروحية ذلك الرجل.

أما فصل الكاتب والسيناريست الكبير عبد الرحيم كمال فنرى كيف يمكنك أن تكون حر الفكر ومبدعًا حقيقيًا وفي نفس الوقت تكون روحانيا لأقصى قدر ممكن، بل وصوفيا كبيرا ولك شيخا معبم تكون أنت مريده، نرى كيف أنه يمكنك أن تكون كاتبا تتملك النزعة الصوفية في كتاباتك دون دروشة.

بل يبقى من الفصول الممتعة هو فصل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذي كان حاضرا في الفصول الأخرى على لسان بعض الشخصيات، والذين قاموا بذكره كثيرا على أساس كونه مؤثرا في التحول المجتمعي من الإسلام المصري إلى الإسلام الوهابي، والذي ما إن قام بتحريره وبعث الروح فيه من جديد حتي كان أول ضحاياه، هنا في الفصل حضر السادات بقلم أيمن الحكيم الذي تتبع علاقته بالصوفية وبمشايخها وأخذه العهد منهم، وكيف كان يتبرك بهم وخاصة قبل الانتصار في حرب السادس من أكتوبر، وكيف أن أناقته تأتي من أخذه الشيخ الأذلي قدوة له وهو الذي كان معروفا بأناقته، ونرى شخصية أخرى للسادات غير التي من الممكن أن نكون نعرفها.

في النهاية الكتاب هو تجربة ومغامرة خاضها أيمن الحكيم مع شخصيات مثقفة مختلفة ليكشف الجانب الروحي بهم، ويهدم الفكرة الشائعة التي روجها الإسلام السياسي حول المثقفين أنهم منحلين أو ملحدين دون أي دليل، بل لقد وضع أيمن الحكيم كما قال في مقدمة الكتاب يده على "حتة النور" التي بقلب كل واحد من شخصيات الكتاب الغنية بالثقافة والمعرفة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved