الإرث الوراثي ومتلازمة داون

آخر تحديث: الجمعة 23 أغسطس 2024 - 5:53 م بتوقيت القاهرة

إعداد: ليلى إبراهيم شلبي

من القضايا الهامة التى يتبناها المجتمع المدنى فى العالم قضايا ذوى الاحتياجات الخاصة وقد كان أول رد فعل غاضب تجاه الرئيس الأمريكى أوباما والذى احتفل به العالم كله هو ذلك الشعور بالاستياء والغضب حينما عبر عن نفسه باستخدام عبارة راجعه فيها الرأى العام الأمريكى حينما وصف نفسه بلاعب معوق فى أولمبياد ذوى الاحتياجات الخاصة فى أحد البرامج التليفزيونية فبادر بالاعتذار. لا أحد يشك فى أن الرئيس الأمريكى قصد سوءا لكنها زلة لسان لا يجب أن يتفوه بها رجل له عقله خاصة إنها حدثت فى أسبوع كان يحتفل فيه العالم ومنظمة الصحة العالمية بيوم متلازمة داون أو Downs Syndrome ربما أثار انتباهنا يوما تلك الملامح الودودة والابتسامة الدائمة التى تملأ وجه طفل أو طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة. ملامح متشابهة دائما حتى تخالهم أسرة واحدة. إنهم أطفال متلازمة داون ويفسر العلم كلمة متلازمة بأنها وصف بمجموعة من الصفات والأعراض بمجموعة من البشر يشتركون أو يتشابهون فى صفات جسدية قد تظهر كاملة أو بعض منها مما يجعل لهم مظهرا خاصا وسلوكا يخصهم.
قد تفاجأ الأم الحامل عند ولادة طفلها بأنه أحد أطفال متلازمة داون إذا لم تكن قد اتبعت فحوصات طبية متكررة تتيح لها معرفة ذلك قبل الولادة فيروعها أنها غير مؤهلة لرعايته أو مستعدة نفسيا لفهم الأمر لذا فدور الطبيب فى شرح الأمر يبدو هاما للغاية ومؤثرا.

< كيف تلعب الوراثة دورا فى طفل متلازمة داون؟

متلازمة داون هى أشهر الأمراض الوراثية وأكثرها حدوثا ويعزو العلم اسمها لمكتشفها الطبيب الإنجليزى جون داون الذى كان أول من وصفها. وقد عرفت أيضا بالطفل المنغولى نظرا لأن عيون أطفالها تشابه عيون سكان منجوليا الضيقة المسحوبة لكن منجوليا الدولة تقدمت بشكوى رسمية للأمم المتحدة تطلب حذف التسمية من أى أوراق علمية واستجابت لها الأمم المتحدة وألغت التسمية وأوصت بعدم استخدامها.
الإرث الوراثى للإنسان هو حاصل جمع نصفين الأول من أبيه والثانى من أمه. والأمراض الوراثية تنجم عن خلل فى موروثة يحملها جين الأب أو الأم أو كليهما وفى متلازمة داون يرث الطفل كروموسوما إضافيا من الكروموسوم رقم (٢١). فكل خلية تحتوى على ٤٦ كروموسوما نصفها من الأب والآخر من الأم لكل منها رقم يميزها. لكن الطفل المصاب بمتلازمة داون يحمل كروموسما زائدا فيصبح عدد كروموسماته ٤٧ بدلا من ٤٦.
يولد الطفل بملامح مألوفة: فيها رأس صغير نسبيا ووجه مسطح وأنف صغير ولسان كبير وعينان ضيقتان وأطراف قصيرة وتتميز أيديهم بخط واحد هلالى الشكل عوضا عن الاثنين فى الأحوال العادية.
يعانى الطفل من رخاوة عامة فى الجسم ومن تأخر عقلى يتراوح من طفل لآخر فيبدو خفيفا فى بعضهم أو شديدا فى البعض الآخر. ويتميز الطفل بتلك الملامح الوديعة والابتسامة الدائمة وميله للموسيقى خاصة. ويمكن لبعضهم وفقا لمقدراتهم العقلية العزف على الآلات الموسيقية المختلفة وأداء بعض الأعمال الخفيفة. لكن هناك أيضا بعضا من المضاعفات التى تجعل الأمر أكثر تعقيدا كمصاحبة بعض التشوهات التى تصيب القلب خاصة وأجهزة السمع والجهاز الهضمى والبصر.
أما تشخيص الحالة قبل الولادة فيعتمد على تحليل عينة من السائل الأمينوسى (الأغشية التى تغلف الجنين فى رحم أمه) فى فترة ما بين الأسبوع السادس عشر والعشرين من الحمل هو تحليل يكاد يكون صادقا مائة بالمائة.
يلقى النبأ ظلا ثقيلا على الأم والعائلة لكن ذلك النبع الذى يتدفق فى شرايين الأم حبا وحنانا لطفلها يجعلها تضمه إلى صدرها وأول ما يتبادر إلى ذهنها مجموعة متلاحقة من الأسئلة التى تعبر عن قلقها على مصيره. هل يمكن لطفلى أن يتعلم ككل الأطفال؟
نعم يمكن لطفل متلازمة داون أن يتعلم فخلايا المخ غالبا لا يصبها عطب عضوى لكن مقدرات الطفل تختلف وفقا لحالته ونوع الرعاية التى سيلقاها واستمرارها ووسائل تدريبه كما أن للأسرة دورا أساسيا وفاعلا فى تعليم الطفل فمعظم أطفال متلازمة داون قابلون للتعلم ربما بالطبع بصورة بطيئة لكنها مجدية ويفيد فيها التكرار باستمرار واختبار قدرات الطفل على تقبل المعلومة والاحتفاظ بها بالتدريج وربط الأشياء ببعضها والكلمات بمسمياتها.
وألا يجبر الطفل على التدريب لأوقات طويلة بل أوقات قصيرة تتنوع الاهتمامات فيها وتختلف الأساليب وتستخدم الألوان لجذب الانتباه فى جو من المرح والمتعة ومشاركة الآخرين من الأطفال العاديين إذ إن اندماج طفل متلازمة داون فى المجتمع أولى بدايات حياة قد تكون طبيعية له فيقل اعتماده الكامل على الأم وتتعدد اهتماماته لتملأ يومه.
اهتمام المجتمع بطفل متلازمة داون يعكس بعدا حضاريا وإنسانيا ملزما وقد كان لى أن أتعرف على بعض المراكز التى تعنى بهم وتعد حقا محطات هامة فى حياة الطفل منها عيادة الوراثة فى مستشفى قصر العينى والتى أرحب بأن أنقل عنها بعضا من تجربتها فى علاج الأطفال والاهتمام بهم.

< ما الذى يجب أن تقدمه الأسرة من عون لطفلها ذى الاحتياجات الخاصة؟

- أن تتقبل طفلها وترضى ذلك لأن رفض الطفل وعدم تقبله يعد عائقا كبيرا فى سبيل تنمية لغته وقدراته المختلفة.
- أن يكون التعاون كاملا بين الأسرة والمركز الذى يتولى رعاية الطفل.
- ألا يعتمد تدريب الطفل على الأم وحدها لأن اختلاف الشخصيات يعنى ثراء فى حصيلة الطفل النفسية واللغوية.
- عدم الإفراط فى تدليل الطفل واستخدام سياسة الثواب والعقاب فإن ذلك أقرب للطبيعة.
- التعليق على كل نشاط يفعله الطفل أو نفعله معه أو بمعنى آخر ترجمة كل نشاطاته اليومية إلى حوار فى كلمات واضحة وجمل بسيطة بطيئة تعاد وتتكرر بدون أن يطالب الطفل بتكرارها أو الرد عليها.
- رصد ومراقبة ردود أفعال الطفل تجاه الأحداث اليومية ففى ذلك تقييم لدرجة ذكائه ومقدراته وعليها تبنى برامج التأهل التى ينضم إليها.
- عدم استخدام لغة الإشارة حتى لا يتعود الطفل عليها فلا تظهر له مهارات فى اللغة والتعبير بالكلمات.
- تنبيه الطفل لأهمية الحوار واللغة يبدأ بتعريفه بالأشياء المحيطة به أجزاء جسمه، الأثاث، الطيور، الحيوانات.
- تخصيص وقت محدد للطفل يوميا يحادثه فيه أهله: الأم والأخوة تستخدم فيه الألعاب المختلفة بغرض تنمية قدرته على التفكير والتعبير بالكلمات. وهى طرق تساهم مراكز التأهيل المختلفة فى تعليمها للأسرة.
- مواجهة الطفل أمر هام للغاية لتنبيهه، الجلوس إلى منضدة على كرسيين متقابلين تهيئه نفسيا لاستقبال الأمر بجدية وتقلل كثيرا من شروده وتساعده على الاستماع الجيد وبالتالى الاستقبال الجيد.
- التركيز على بناء لغة داخلية للطفل سليمة بمعنى أن يدرك الطفل المعنى قبل أن ينطق به أى يفهم ويعى ما يقوله ولا يردد الكلمات كالبغبغاء بلا فهم أو ربط بين الكلمة وما تدل عليه.
- تشجيع الأسرة للطفل على الكلام هو أهم ما تمنحه من دعم له. فلا يسارعوا بتلبية طلبه بالإشارة حتى يتعمق لديه الإحساس بأهمية الكلام عليه إذن أن يطلب مستخدما لغته وكلماته لا إشاراته ولكن علينا أن نمارس ذلك بود أكثر وضغط أقل. فالضغط المستمر قد يأتى بنتائج عكسية.
- يجب مكافأة الطفل بما يحب حينما ينجح فى الكلام لتشجيعه فيستمر فى المحاولة بلا كلل أما إذا أخطأ فى النطق فعلينا أن نعيد تكرار الكلمة الصحيحة مرات حتى يلتقطها إدراكه.
- يجب على الأسرة أن تتحاشى الحوار مع الطفل بلغته الطفولية حتى تزيد مفرداته الصحيحة وينسى الكلمات التى قد يلجأ إليها للتعبير عن نفسه بصورة ذاتية.
- تشجيع الطفل بمزيد من الحب والحنان وعدم الضحك على تعليقاته التى تبدو أحيانا غريبة واحتواء انفعالاته البسيطة وتسجيل أى ملاحظات أو أسئلة للطبيب أمر يسهل على الأم مهمة صعبة.
قد يكون ميلاد طفل متلازمة داون هدية من الله سبحانه فيختبر بها رضا الأم وصبرها وحنان الأخوة وحكمة الأب فى عائلة اجتمع لها من أسباب السعادة أكثرها إنسانية. وقد يكون واجبنا جميعا أن نسهم بقدر استطاعتنا فى معاونة الطفل على الاندماج فى تفاصيل حياتنا اليومية بتشجيع أولادنا على اللعب معه والاقتراب منه بود ومحبة خالصة ودعوته دائما للمشاركة فى مناسباتهم بعد شرح مختصر لأسباب اختلافه عنهم.

هل لديك طفل متلازمة داون وتحتاج لمن يعاونك على فهمه والتعامل معه؟ هناك العديد من المراكز التى تتيح لك معلومات كافية ومساعدة فعالة.
١‫-‬ عيادة الوراثة بمستشفى الأطفال الجامعى - أبوالريش - المنيرة، يوم الخميس من كل أسبوع.
٢‫-‬ منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمى لشرق المتوسط مدينة نصر.
تليفون: ٢٠٢٢٢٦٧٠٢٥٣٥
فاكس: ٢٠٢٢٢٦٧٠٢٤٩٢٩٤
٣‫-‬ شبكة متلازمة داون
www.werathah.com/down/info.htm
٤‫-‬ الجمعية البحرينية لمتلازمة داون
www.bdss.org

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved