جمهورية «حلاوة المولد» فى «باب البحر»: الرزق يحب التغيير
آخر تحديث: الثلاثاء 23 ديسمبر 2014 - 11:32 ص بتوقيت القاهرة
كتبت ــ داليا العقاد
على باب الله فى ساعة العصرية، وقف حسن حسنى، أحد صغار التجار بمنطقة باب البحر فى رمسيس، يعرض حلوى المولد النبوى الشريف وسط اقبال متوسط على بضاعته، لارتفاع أسعار الخامات المستوردة هذا العام بنسبة 15%، مما أدى إلى زيادة الأسعار حيث ظل حسنى يردد: «خذ من بضاعتى وهترجع لى تانى تشترى أكتر».
الإضاءة الملونة وعرائس المولد وكافة الأجواء الاحتفالية بشارع (بين الحارات ــ كلوت بك) كانت كفيلة بجذب الزبائن، وحولت تلك المنطقة المتفرعة من شارع الفجالة، إلى كائن حى نابض، وسط عشرات الأزقة والدروب قليلة الاضاءة.
واعتمد حسنى فى عرض بضاعته على ما وصفه «بالسكينة» أو المنتجات الرخيصة والشهيرة من حلوى المولد، والتى يقبل عليها الفقراء ومتوسطى الحال، مثل «السمسمية» و«الحمصية» و«العجمية» و«الفولية» و«الشكلمة» وغيرها، والتى ارتفع سعر الكيلو منها إلى 30 جنيها هذا العام مقارنة بالعام الماضى، حيث كانت تتراوح الأسعار ما بين 20 و25 جينها، بينما بلغ سعر بعض أنواع المكسرات الفاخرة مثل «البندقية» و«اللوزية» و«الفستقية» إلى نحو 15 و16 و18 جنيها للقطعة الواحدة صغيرة الحجم.
مصانع بين الحارات
يضم شارع (بين الحارات) مصانع صغيرة، ومعارض لمصانع أكبر فى منطقة السادس من أكتوبر الصناعية، وتجار جملة وتجزئة لبيع الحلوى بأرخص الأسعار، يقول حسنى: «ورثت هذه المهنة عن والدى الله يرحمه، ونعمل هنا منذ نحو 50 عاما، ويقبل علينا الأجانب والعرب والمصريين من الصعيد لشراء الحلوى، ولنا جيران مسيحيون لا تفوتهم هذه المناسبة، ويقبلون على شراء كافة أنواع الحلوى بنفس بهجة المسلمين».
يواجه حسنى ارتفاع الأسعار قائلا: «مهارتنا تعتمد على تنويع منتجات الحلوى، وعمل الجديد منها لجذب المستهلكين مثل الفاكهة بالسكر، والجيلى، والقشطة بجوز الهند، وقمر الدين»، مضيفا: «منتجات حلوى المولد تشهد تقدما فى صناعتها بسبب تحسن الخامات وإضافة المكسرات فى بعض المنتجات المعروفة مثل جوز الهند».
يحكى حسنى أن شارع بين الحارات قديما كان مقتصرا على أقدم مصانع حلوى المولد فى مصر، وكان يخلو من السكان، يضيف: «مازال هذا الشارع يضم 4 مصانع تقريبا يعتمدون على اسطوانات الغاز فى صناعة منتجات الحلوى، والقليل من العمال، ويوردون المنتجات هنا أولا بأول، أما الآن وبعد أن امتلأ الشارع بالسكان، أصبح من الضرورى نقل بعض المصانع إلى المناطق الصناعية خارج الشارع».
90% من الخامات مستوردة
العديد من أصحاب المصانع الصغيرة بالشارع رفضوا التصوير، وأرجع البعض ذلك إلى أن موسم العمل، الذى كان متوقفا لفترة طويلة، لا يسمح بدخول الكاميرات، خاصة وأن آلية العمل فى الانتاج تعتمد على العسل، وكان خوفهم الأكبر يكمن فى اكتشاف عدم توافر بعض الاشتراطات الصحية أثناء الصناعة.
«الشروق» تحدثت مع حسن على عيسى، ابن أحد صاحب مصنع لحلوى المولد فى الشارع، يقول: «مفتشو التموين ينشطون أيضا هذه الفترة، ويأخذون عينات من بضاعتنا للتأكد من سلامتها ومطابقتها للمواصفات»، مشيرا إلى أنهم يحرصون فى توريد بضاعتهم لمحافظات مصر على جودة المنتج الألذ طعما، والأرخص سعرا.
يؤكد أن مصنعهم انتقل منذ فترة طويلة إلى المنطقة الصناعية بالسادس من أكتوبر، وأصبح يعتمد على الغاز الطبيعى بدلا من أنابيب البوتاجاز فى الإنتاج، وأنهم يواجهون مشكلة ارتفاع أسعار الغاز والخامات المستوردة، وتابع: «90% من خامات هذه الصناعة نستوردها من الخارج، مما يجعلها تتأثر ارتفاعا مع ارتفاع سعر الدولار».
ويضيف: «بالطبع ارتفاع الأسعار يؤثر على القوى الشرائية لمنتجاتنا، ويلاحظ أنها قلت كثيرا عن الأعوام السابقة، بل أن طلب توريد الحلوى خارج مصر قل أيضا»، ولكنه يأمل مع قرب موعد الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى 3 يناير المقبل أن يزيد الاقبال بدرجة أكبر.
كان بصحبة عيسى عدد من التجار فى أسوان والأقصر يتفقون على شراء البضاعة التى يحبها ويقبل على شرائها الأجانب والمصريون فى هذه الفترة من العام، حيث يعتمد المصنع على بيع الحلوى وبعد انتهاء الموسم يعملون على بيع الخامات مثل السكر والمسلى وغيرها من المنتجات.
عرائس صينى يدوى
كان الاقبال كبيرا داخل الشارع على شراء عرائس المولد المزينة بالتل والشرائط الملونة، حيث تزدهر أيضا تلك الصناعة وإن كانت تعتمد فى الأساس على العرائس الصينى المستوردة، واختفت تقريبا عرائس حلوى المولد التى كانت تصنع من السكر، حيث يلاحظ اقبال الصبية والسيدات على شراء عرائس المولد فى هذه الفترة من العام، يقول محمد، أحد تجار العرائس ــ كان يجلس فى درب متفرغ من بين الحارات يعرض بضاعته الملونة - إنه استعد لموسم المولد النبوى الشريف بعد عيد الفطر مباشرة، عبر جلب كافة الخامات واستيراد العرائس اللعب من الصين.
لا يتطلب هذا الاستعداد أيدى عاملة كثيرة، فقد تعلم هذه المهنة اليدوية من والده عن جده، والتى تعتمد على تزيين عرائس المولد وتنويع أشكالها ما بين الصغيرة والكبيرة الحجم، ولم يعد أحد يهتم بعرائس السكر، يقول: «تساعدنى زوجتى منذ نحو ثلاثة شهور، فى تجهيز قاعدة العروسة وتزيينها بواسطة مسدس الشمع، ثم تركيب العرائس الملونة على القواعد المزينة، ويتم هذا داخل حجرة صغيرة فى احدى الشقق السكنية المحيطة بالدرب، وتتراوح سعر العروسة الواحدة ما بين 28 جنيها بدون أى تزيين إلى 145 جنيها».
ومع دخول المساء، عند مغادرتنا لشارع بين الحارات، كانت الاضاءات الملونة لعرائس المولد تزداد بهجة، وانعكس ذلك على اقبال المواطنين، حيث ارتفع دبيب الحركة نسبيا فى الشارع، وظل حسنى متفائل بهذا الموسم رغم كل شىء، منتظرا مجىء الزبائن وهو يهتف: «كل سنة وأنتم طيبين، يا بركة رسول الله، صلوا عليه يا مسلمين».