طارق إمام: مشغول بفكرة خلخلة الزمن في أعمالي المختلفة

آخر تحديث: السبت 24 ديسمبر 2022 - 6:42 ص بتوقيت القاهرة

أسماء سعد

ــ أتناول التاريخ من زاوية «الشك» وأريد القارئ كـ«شريك» فى العمل
ــ ماركيز وكامو وسارتر وكازانتزاكيس أعتبرهم من أسرتى.. ونجيب محفوظ معلمى الأول
ــ تعاونى مع الشروق «أعاد إحياء» أعمالى وسعيد بالتفاعل حولها
ــ هناك مشروعات مرتقبة لتحويل رواياتى لأعمال فنية

«عقلية متفردة، وروح وثابة نحو التجريب فى عوالم الأدب المغايرة»، هكذا يمكن وصف الكاتب والروائى طارق إمام، الذى ترك بصمة واضحة فى مجموعة من الأعمال شديدة التميز، والتى يحرص خلالها على استيفاء كافة شروط الإبداع.

يظهر طارق إمام رغبة جامحة نحو التجريب، والخروج عن المألوف، حيث سياقات متعددة، وحكايات متفجرة، وتداخل للأزمان وتلاعب بالمألوف، وفق ما تخبرنا أعماله المختلفة، وفى هذا الحوار مع الشروق يكشف إمام عن كثير من التفاصيل حول أعماله المختلفة، وتعاونه مع دار الشروق لإعادة طبع مجموعة من أهم مؤلفاته.

> كيف بدأ حبك لعوالم الفانتازيا والواقعية السحرية؟
ــ علاقتى بالأدب بدأت منذ طفولتى، كنت مغرما بالكتابة والرسم معا، وبدأت حياتى مع الأدب والفن حينها، حيث علاقة مبكرة تراوحت بين الأدب والفن التشكيلى، إلا أن الأدب حسم فيما بعد هذه المعركة لصالحه. وعلاقة الإنسان بالآداب والفنون يدخل فيها أكثر من عنصر وعامل، منهما عنصر الفطرة، فطرتى قبل أن أعى التيارات الأدبية، وقبل أن أصير مثقفا، حيث كنت أميل للخيال، حتى فى الفن التشكيلى، كنت أحب بيكاسو ودالى أكثر من الفنانين الذين يرسمون الطبيعة الصامتة أو الواقعية.
وأيضا عنصر قراءات الطفولة، التى تعزز وتزرع داخلنا الميل للخيال، فهذا العنصر لم يغادرنى بعد الطفولة، حيث صحبنى إلى النضج صرت مغرما بالأعمال التى توظف الخيال والفانتزيا.

> فى روايتك «ضريح أبى»، هل تملكتك رغبة فى تفكيك الموروث الشعبى والدينى ونسف الخرافة؟
ــ أشكرك على هذا السؤال، هذا السؤال يلخص توجهى فى كتابة ضريح أبى على وجه الخصوص، لا أنطلق من الواقع قدر ما أنطلق من الثقافة، لأن الثقافة هى خلاصة الواقع، «ضريح أبى» صدرت فى فترة صعبة، وقت حكم الإخوان، لذلك كانت رواية مهددة لأنها توجه نقدا عنيفا لخطاب الإسلام السياسى والسلفية.
«ضريح أبى» فى حقيقتها صراع بين الخطاب الإسلامى الشعبى وبين الخطاب الرجعى، نحن نتباهى بقداسة كل شىء ولكن نحن فى الوقت ذاته أبناء خيبة الأمل، وأردت أن أتساءل، أين نحن من العالم، من التطور من صناعة الثقافة، فنحن نشبه بطل هذه الرواية المذكورة، وسط تساؤلات عدة، هل ورثنا الدناسة والقداسة أم ماذا، كلها أسئلة جوهرية حتى لا تغدو مقولات جافة، لذا أردت أن ألبسها ثوب الحكاية.

> فى الرواية نفسها «ضريح أبى» أجمع الكثيرون بأن لك تجربة مركبة فى السرد، وأن طريقة بناء الرواية وضبط مفرادتها، شابها تجديد حقيقى، حدثنا عن ذلك؟
ــ أن تكتب يعنى أن تجرب، بالنسبة لى الكتابة هى التجريب، الكتابة صرخة فى وجه كل سائد، ليس دور الكتابة الفنية أن تؤكد على السائد أو تسايره، انطلق دائما من سؤال التجريب، فى رواية ضريح أبى هناك وضوح لمنطق «الرواية المولدة»، أو الإطارية التى تخرج منها حكايات تخرج من حكايات، هذا التجريب فى رواية حديثة، أحاول فيها اختبار عناصر أصيلة فى رواية مثل ألف ليلة وليلة، ولكن فى إطار نص حديث وعصرى وما بعد حداثى وتجريبى، هذه هى لعبتى مع التراث، كيف تستطيع أن تقرأ التراث، لتكتل نصك الخاص بخيالك الخاص، لا تستعير التراث ولا لغته ولا خرافاته.
لا أحب الكتابة الخطية أو الكلاسيكية، أحب الدخول لعوالم من أبواب تخلق نوعا من الإيقاع الجديد، وتجعل القارئ فى حالة تأهب، فى كثير من الأعمال، الإيقاع الهادئ يجعل من القارئ «خاملا»، ولكنى أريد له أن يصبح شريكا فى العمل.

> فى رواية الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس.. قمت بإبداع حياة كاملة متخيلة للشاعر كفافيس، كيف أمكنك أن تمزج بين وقائع تاريخية، أو خيوط واقعية مع أخرى متخيلة بامتياز؟
ــ دور الأدب حينما يتصدى للتاريخ هى مسألة شديدة الأهمية، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالتاريخ العربى، والدخول فى التاريخ أشبه بالمرور فوق حقل ألغام، كنت أريد أن أختبر مدى كون كفافيس شاعر الإسكندرية من عدمه، رغم أنه كان شاعرا يونانيا، يملك نظرة متعالية وانعزالية تجاه المصريين، وكلما كانت تتعرض الإسكندرية للتهديد كان يسافر، فبأى معنى نطلق عليه شاعر الإسكندرية، من هنا أردت الانطلاق والتنقل بين العوالم المختلفة.
فى تلك الرواية كنت أمر عبر منطقة «الشك»، وإعادة الحكى والتأويل، أنا لا أكتب الحكاية التى يعرفها الجميع، دور الأدب أن يكون له رؤية تعيد قراءة اللحظة التاريخية وفق منظور جديد، وهو منظور الفرد، لأن المؤرخ يخاطب الجماعة لكى يتبنوا تلك الواقعة أو الحادثة، ولكن الفنان والأديب يخاطب الفرد بما يملك من تصور مختلف.
أنا لا أكتب الحكاية التى يعرفها الجميع، فإن لم يكن لدى حكايتى الخاصة فلماذا أكتب رواية عن شخصية تاريخية يمكن أن تقرأ سيرتها فى كتب السيرة، ولكن أرى على الدوام أن دور الأدب هو إعادة قراءة الشخصية التاريخية وفق منظور جديد، لذلك أنا أعدت حكاية كفافيس وترميم الكثير من الفجوات التى شابهتها مستعينا بالمزج بين الواقع والمتخيل.

> فى الرواية ذاتها، برعت فى استخدام اللغة، فى رأيك كيف يمكن أن يقوم الكاتب بحالة التحسن التدريجى والتطور من عمل لآخر؟
ــ أفضل كلمة التطور على التحول، فليس شرطا أن تكون آخر رواية لكل كاتب هى الأكثر تطورا وأفضلها، ربما يكون العكس، ويكون التوهج فى البداية أو المنتصف، ولكن إذا لم يصغَ الكاتب لهذه التحولات طوال الوقت سوف يصيبه «التيبس» خاصة فى اللغة، فالعالم الأدبى يخلق لغته فى كل مرة.
وعلى مستوى اللغة، أصغى شخصيا لمتطلبات كل عمل أدبى، فلكل عالم وشخصيات وأبطال مختلفة، وهنا يجب الالتفات إلى أنه جزء من دور ومهارة الروائى إدارة مجموع اللغات داخل النص الأدبى، ما يجعلنا أمام ما يسمى «الكرنفالية» فى الرواية.

> لماذا اخترت شخصية كفافيس على وجه الخصوص؟
ــ لأنها شخصية إشكالية للغاية، فسؤال الهوية سؤال مسيطر على بشدة، وكانت هناك الكثير من الأسئلة التى تحوم حوله، هل هو مصرى أم أجنبى، جنسيته، هويته، ومع تعمقى فى قراءة سيرته أدركت أنه لا يمكن تناوله دون إعادة قراءة الجانب المراوح فى هويته الجنسية المثلية، لذا فقد أردت على الدوام أن أتعرف على سؤال الهوية حول شخصية تحوم حولها الأسئلة بهذا القدر.
كما أن تناول شخصية كفافيس، جاء ارتباطا بأسئلة عدة حول «المكان»، الإسكندرية وهويتها أيضا، خصوصا فى الفترة التى عاش فيها كفافيس، حيث كانت مدينة عاش بها الكثير من الأوروبيين، ولكن أيضا بها المصريون، فهى بتعبير جمال حمدان: المدينة الأوروبية التى ألصقت بالشاطئ المصرى، لذا فإن تلك المدينة الممزقة بين مصريتها وطابعها الكونى ولغاتها المختلفة، دفعتنى إلى فرصة مثالية لأطرح تساؤلا عن الهوية، سواء المتعلق بالذات الإنسانية أو المكان فى حد ذاته.

> فى رواية «هدوء القتلة».. لماذ استغرق كتابتها سنوات طويلة؟
ــ رغم كونها رواية قصيرة لكنها كانت رواية مجهدة للغاية، ولكن ربما أنها تمت كتابتها بطريقة «التحام» المرويات الصغيرة، كنت من البداية ضد أن تكون رواية خطية، ومن أسباب استغراقى وقتا طويلا أنها كانت بداية مرحلة جديدة تماما ككاتب بالنسبة لى، عقب مجموعتين قصصيتين ورواية أولى، كنت أسأل نفسى هل أريد أن تجمع بين الإثارة البوليسية وتشويق، وكونها رواية تأمل واستبطان، والمزج بين العنصرين لم يكن سهلا.

> فى الرواية ذاتها، نشعر بأنك أردت للقارئ أن يبحث عن زوايا خفية لمدينة القاهرة، ما الذى يمثله لك المكان فى أدبك؟
ــ المكان بالنسبة لى عنصر جوهرى وهام، لا أراه خلفية للرواية أو مجرد مسرح للأحداث، لكن بالنسبة لى هو فاعل وبطل، ويخلق ساكنيه وأبطاله، فى هدوء القتلة لو لم تكن تدور فى القاهرة لما ظهر البطل كهذا، فلا يمكن له أن يعيش فى مدينة صغيرة مثلا، وعلاقة الفرد بالمكان فى كل رواياتى أمر هام جدا، والتأثيرات المتبادلة بينهما.

> شهدت رواية «الأرملة تكتب الخطابات سرا» دمجا سلسا بين العربية الفصحى والعامية، هل تميل لأى منهما على حساب الآخر؟
ــ يتحدد الأمر وفقا لكل عمل، العمل هو من يختار لغته، واللغة الأنسب هى اللغة الأفضل للنص نفسه، الرواية فن لا يوجد به طبقية لغوية، الرواية لا تتعالى على لغة لحساب أخرى، هناك أطياف من الدمج بين اللغات أو الاعتماد على إحداها، وفى تلك الرواية الحوار يحتل مساحة ليست بالقليلة، وهو محرك أساسى، وكان لابد أن يكون هناك مساحة للعامية تعبيرا عن شخصيات لها سمت واقعى فى تلك الرواية.
لغة السرد فى «الأرملة تكتب الخطابات سرا»، كانت أقرب للغة الأمثولة، كأن تحكى حدوتة، لذا جاءت اللغة أقرب للبساطة، ومضمن بها الحوار العامية، حيث اشتملت تلك الرواية على مستويات مختلفة من اللغة، كلها تدور فى سياق من البساطة، مع شىء كنت حريصا عليه وهو وجود «الدفعات الشعرية».

> هل تعتبر رواية «الأرملة تكتب الخطابات سرا» رواية نسوية؟
ــ تلك الرواية تحديدا وأخرى باسم «طعم النوم»، أعتبرهما روايتين «نسويتين»، وفى تعريفى للروايات النسوية، هى التى لا تقتصر كتابتها على المرأة كمؤلفة، وإنما هى رواية تنتصر للمرأة بشكل عام، تتقمصها كبطل ومحرك لأحداثها، وتحتشد بأسئلة المرأة فى كل زمان ومكان.
رواية «الأرملة» رواية خاصة فى مسيرتى الأدبية لأننى لم أكن أكتب عن المرأة ولكنى تقمصت هذه المرأة.

> يضفى ربط الماضى بالحاضر لمسة سحرية على السرد، لمسنا ذلك فى «ماكيت القاهرة»، حدثنا عن ذلك؟
ــ فى تلك الرواية كان هناك جملة مركزية، أن كل الأزمنة هى الحاضر، وهذا ما يتيحه الفن ولا يتيحه الواقع، فى الواقع الزمن خطى وقهرى وإجبارى محدد الاتجاه سلفا، ولكن من مميزات الفن أن تتلاعب بالزمن، أو ما يعرف بـ«الفلاش باك»، وأنا مشغول بفكرة «خلخلة الزمن»، لا أحبه فى خطيته المتهادية المعتادة.
اختبرت فى راوية ماكيت القاهرة، ما الذى يمكن أن يحدث لو كان الزمن دائريا، أو يتحرك من الأمام للخلف، وأيضا فى رواية «الأرملة» نبدأ فيها من الحاضر لنعود إلى الخلف، فهى رواية تسير باتجاه الماضى، عكس المألوف، وهو دور أصيل للأدب أن يتلاعب بالأزمنة. رواية ماكيت القاهرة أشبه بالمتاهة، فهى أصعب رواياتى لوجود الأزمنة المتداخلة ومتوازية، وهنا يمكن التحدى ألا أجعل القارئ فى حالة حيرة أثناء اللعب بالزمن، وألا يضيع بين النصوص.

> هل يمكن أن نرى مشروعا لتحويل إحدى رواياتك إلى عمل فنى؟
ــ هناك أكثر من عرض بالفعل فى هذا السياق، «هدوء القتلة» قريبا جدا ستدخل ضمن مشروع تحويلها إلى عمل فنى، أيضا «ماكيت القاهرة»، سيكون هناك مشروع ضخم من شركة إقليمية لحساب منصة كبيرة بشأنه، ونتناقش حاليا فى التعامل معه لتحويله إلى عمل فنى.

> من الكتاب المفضلين لطارق إمام؟
ــ لدى كتاب أعتبرهم أسرتى، جابريل جارسيا ماركيز، ألبير كامو، سارتر، كازانتزاكيس، ونجيب محفوظ الذى اعتبره معلمى الأول، يوسف إدريس، وأحببت كتابات جيل الستينيات، أمثال محمد حافظ رجب، وأيضا خيرى شلبى، وجمال الغيطانى، وأستطيع أن أقول أن محمد المخزنجى أطلعنى مبكرا كيف يمكن أن يكون القاص شاعرا، وتعلمت من المنسى قنديل كيف يمكن أن تكون الرواية قصيدة، وأرى أن تجربة نورا ناجى تعيد لمصر وجود أيقونة نسائية فى الكتابة.

> كيف تستقبل ملاحظات القراء على كتاباتك؟
ــ دائما يكون فيها ما يساعدنى على التصويب، أعتبر نفسى من أكثر الكتاب احتفاءً بما يكتبه القراء سواء إيجابا أو سلبا، دوما ما أشارك المراجعات والتقييمات، فى كثير من الأحيان يلفت القراء انتباهى لتفاصيل أضعها فى اعتبارى ككاتب، لأن الكتابة هى «فعل التفاعل».
نجاح أعمالى الصادرة عن الشروق حديثا، بدأت أتلمسها فى حالة التفاعل مع القراء، وحرصهم على مناقشتى فى الأعمال ورغبتهم فى توقيعها، ومن هنا أود أن ألفت الانتباه إلى أن ما جرى من تعاون مع دار الشروق هو إعادة إحياء لأعمالى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved