تراث مصري (24).. إبراهيم الورداني غزال البر
آخر تحديث: الإثنين 24 مارس 2025 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة
عبدالله قدري
تواصل جريدة الشروق خلال شهر رمضان نشر سلسلة "تراث مصري"، المستوحاة من كتاب "تراث مصري" للباحث أيمن عثمان، والتي تستعرض الشخصيات والمعالم التي تركت بصمتها في التاريخ المصري.
في عام 1909، خرجت مظاهرة حاشدة في القاهرة شارك فيها أكثر من عشرة آلاف مصري، منددة بالاحتلال البريطاني ومطالبة بالجلاء.
كانت المظاهرة بمثابة بعث جديد للحراك الشعبي بعد سنوات من الجمود عقب فشل ثورة عرابي. وقد قادها الشاب إبراهيم الورداني، خريج الصيدلة في إنجلترا وسويسرا، والذي تأثر بالحركات الثورية في أوروبا وآسيا، وانضم هناك لجمعيات سرية، تعلم من خلالها استخدام الأسلحة وصنع القنابل.
شارك في المظاهرة الفنان الشاب آنذاك محمود مختار، الذي اعتُقل وسُجن لشهر، ومنع بعد ذلك من استكمال دراسته أو الالتحاق بأي وظيفة، مما اضطره إلى السفر خارج البلاد.
أما الورداني، فأسس لاحقًا "جمعية التضامن الأخوي"، واتفق مع عدد من زملائه على اغتيال بطرس باشا غالي، رئيس الوزراء، وذلك بسبب مواقفه المؤيدة للاحتلال البريطاني، أبرزها توقيع اتفاقية 1899 التي ثبتت الحكم الثنائي المصري-البريطاني على السودان، ورئاسته لمحكمة دنشواي، ومحاولته مد امتياز قناة السويس لصالح الإنجليز، بالإضافة إلى إصداره قانون المطبوعات لتقييد حرية الصحافة.
في 20 فبراير 1910، نفذ الورداني عملية الاغتيال، مطلقًا ست رصاصات على بطرس باشا، الذي توفي في اليوم التالي. لم يحاول الورداني الهرب، وأوضح لاحقًا لمحاميه الشهير إبراهيم الهلباوي أن بقاءه كان رسالة مفادها أن اغتياله سياسي لا شخصي. تحولت محاكمته إلى محاكمة علنية لسياسات بطرس باشا، وحرصت السلطات البريطانية على استغلال الحدث لتأجيج الانقسام الطائفي، وهو ما رفضه الوطنيون الأقباط، مؤكدين أن الحراك وطني لا ديني.
ورغم دفاع الهلباوي العاطفي، الذي اتهم بطرس باشا بالثراء غير المشروع، حُكم على الورداني بالإعدام، ونُفذ الحكم في 28 يونيو 1910. كانت كلماته الأخيرة: "الله أكبر الذي يمنح الحرية والاستقلال... أشهد أن لا إله إلا الله، وأن الموت في سبيل الوطن آية من آيات الله". منعت السلطات ذكر اسمه أو تشييع جنازته، لكن الشعب أطلق عليه لقب "غزال البر"، وغنى له في يوم إعدامه: "قولوا لعين الشمس ما تحماش... أحسن حبيب القلب صابح ماشي".
اقرأ أيضا
تراث مصري (23).. كتيبة الإعدام وكفاحها ضد الاحتلال البريطاني في مصر