في مديح الرواية.. كتاب يتناول مؤلفات أحبها بهاء طاهر

آخر تحديث: الإثنين 24 يوليه 2023 - 4:39 م بتوقيت القاهرة

شيماء شناوى

إذا كان «خير جليس في الزمان كتاب، فإن خير جليس معي يتمثل فى رواية جميلة»، بهذه العبارة يطل الأديب بهاء طاهر عاشق الرواية القديم وصانعها، على قرائه بكتابه الأحدث «في مديح الرواية.. قراءة لروايات وروائيين»، الصادر منذ أيام في طبعة جديدة عن دار الشروق، ليؤكد عبر صفحاته الـ150 أنه لا متعه لديه تفوق متعة قراءته لرواية.

ويطالب صاحب «الحب في المنفى» بضرورة إقرار الأعمال الأدبية الجيدة على طلاب المدارس لما تلعبه من دور كبير في التكوين الفكري للأجيال الصاعدة، وهي القراءة الحرة التي لا يُمتحن فيها الطالب بل يقرؤها فحسب لتشجعه على القراءة والتفكير، وتدرب ذائقته الفنية، مستشهدا بجيله وكيف تأثر بالأعمال الأدبية لكبار الكُتاب أمثال «طه حسين، وتوفيق الحكيم، محمد فريد أبو حديد، ومحمود تيمور فيقول: «قرأنا في المدرسة الثانوية ضمن منهج القراءة الحرة، السيرة الذاتية لطة حسين؛ «الأيام»، وتعلمنا الكثير مما تضمنته من صراحة في الحديث عن النفس، وعن الفقر الذي عاناه الروائي وعن فساد التقاليد الاجتماعية وموروث الخرافة الذي أفقده بصره، ومشيرا إلى أن رواية «عودة الروح» للأديب توفيق الحكيم أثرت في رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر، حتى قال عنها «أنها من عناصر تكوينه الفكري الثوري».

يخبر طاهر قارئ كتابه، كيف يطرق باب كل رواية جديدة، قائلا: «في العادة أبدأ قراءة الرواية بنوع من البطء، أقرأ صفحات قليلة فى أول يوم ثم أتركها. فى اليوم التالى يتسلل سحر الرواية إلى نفسي فأقرأ أكثر، ثم بعد ذلك أكاد أصل النهار بالليل منغمسا تماما في القراءة إن كانت الرواية طويلة الحجم، تصبح أحداث الرواية وأشخاصها عالمى الحقيقى، ويمسي العالم الخارجي مجرد شبح وتطفل مزعج على دنيا الرواية، لا أبذل جهدا لكي أنساه لأنني أنساه بالفعل»، بهذا الهدوء الساحر يترك صاحب «نقطة النور»، الفرصة لكل عمل روائي جديد الدخول إلى عالمه قبل أن يلج هو بكل كيانه إلى عالمها وشخصيتها.

ولكن يبقى السؤال المشروع والذي يشغل بال أغلب القراء بمجرد توقفه عند عنوان رواية جديدة؛ هل تستحق هذه الرواية أن تدخل عالمه، وأن يعيش هو بداخل عوالمها؟، ليعترف «طاهر» أن الرواية التي تستحق ذلك؛ هي التي تأسر القارئ من الصفحات الأولى، والقادرة على منحه المتعة، وإثارة شغفه، وجذبه إلى عالمها وتجعله مشاركا فيها وفي تأمل قضاياها المطروحة، وأنها تلك الرواية التي تفكك للقارئ العالم المألوف لديه وتعيد تركيبته مرة أخرى، فيراه بنظرة جديدة أعمق وبفهم أفضل، مؤكدا أن الرواية الجيدة هي تلك التي تغوص في النفس البشرية، وتطرح أسئلة جادة عن «ماهية الحياة والوجود»، على نحو يستفز القارئ، فإن لم يكن لتقديم أجوبته الخاصة فعلى الأقل أن يفكر في تلك الأسئلة، وهي تلك التي تعيش في القارئ بعد أن يفرغ من قرأتها، وإلا فقد يكون مقضي عليها بالفشل مهما تمتعت به من معايير أخرى كـ«العمق وجودة الصياغة ونية الكاتب الحسنة».

ولا يغفل صاحب « قالت ضحى»، مصارحة قارئه بأن هناك مسبب آخر للسعادة في قراءة الرواية، يشعره بالمتعة، وهي قراءة الروايات على حلقات مسلسة أسبوعيا، وهى العادة التى رافقته منذ صغره عندما كان ينتظر حلقات رواية «شهيرة» للكاتب سعد مكاوى، في صحيفة «المصري»، ثم الأجزاء الجديدة من روايات نجيب محفوظ، التى تنشر مسلسلة على صفحات الأهرام، وغيرها من حلقات رواية «البيضاء» ليوسف إدريس، مؤكدا أنه لا زال يستمتع بقراءة الحلقات المسلسلة التي تنشرها الصحف والمجلات الأسبوعية، وبأن هذه الطريقة تضاعف من متعته في القراءة لأنها تجعله يعيش مع أبطالها فترة أطول.

ووفق ما يؤمن به بهاء طاهر، فإن الرواية فن له مكانته وخطره في المجتمعات، لا سيما المتحضر منها؛ تلك المجتمعات التي تحترم أدباءها وتصغى إلى الرسائل التى يبثونها عبر أعمالهم، مستشهدا بما فعلته رواية «الطريق المالكي» لأندرية مالرو، والتي استفزت الزعيم الماركسي الشهير«تروتسكي» ليقدم نقدا للرواية على أساس أنها لا تلتزم بدقة التفسير الماركسي للتاريخ وتحليل الواقع، ليرد عليه «مالرو»: «إن روايتي للحياة روائية»، وكذلك رواية «يوم في حياة إيفان دينيزوفتش» لـ«سولجنستين»، وهي التي تسجل يوم فى حياة معتقل روسي في سيبريا، أيام حكم ستالين، وهي الرواية التي صادرها الاتحاد السوفيتي باعتبارها إدانة للنظام على الرغم من صدورها بعد وفاة «ستالين» نفسه، حتى تطلب الأمر تدخلا من رئيس الدولة حينها، ليصرح بنشرها، وبالفعل أحدثت الرواية دويا هائلا بعد نشرها، مشيرا إلى أن مصر كان لها تاريخ مشابه إلى حدٍّ ما لذلك حتى وقت قريب، وكيف كان ظهور رواية جديدة لنجيب محفوظ، أو يوسف إدريس، وغيرهم حدثا مهما يترقبه الجمهور، ويحتفى به النقاد، ويعلق عليه كبار الكتاب الصحفيين فى أعمدتهم، فتصبح رواية مثل «ميرامار» أو «السائرون نياما» موضع نقاش طويل، كثيرا ما كان يجر على مؤلفها متاعب مع السلطة، ولكنها في نهاية تحقق هدفها وتصل إلى الجمهور، أليس ذلك ما حدث لنجيب محفوظ مع روايته الأشهر «أولاد حارتنا»؟

وقبل أن يتركنا الروائي والقاص والمترجم بهاء طاهر، مع فصول الكتاب الذى يتطرق من خلاله على روايات نجيب محفوط، وفتحى غانم، ولطيفة الزيات، وعلاء الأسواني، وصالح مرسى، وروايات مثل: «هليوبوليس»، لمى التلمسانى، و«مصرية»، لفوزية أسعد، و«محاولة عيش» لمحمد زفزاف، و«عمارة يعقوبيان»، و«مسك الغزال» لحنان الشيخ، و«خميل المضاجع» للمغربى الميلودى شغموم، و«دكة خشبية تسع اثنين بالكاد»، لشحاتة العريان، وغيرها من الروايات الذى يسجل فيه بهاء طاهر، قراءة مادحة لهذه الروايات التى أحبها، والتي لعبت الصدفة وحدها دورا فى تجميعها داخل هذا الكتاب الذى يستعيد القارئ معه حضور كاتب كبير اقترن اسمه بـ«البهاء» و«التطهر».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved