أمريكا تبحث عن إجابة للسؤال الصعب: كيف يتحول الغش والنصب والاحتيال إلى ثقافة

آخر تحديث: الإثنين 24 أكتوبر 2011 - 11:55 ص بتوقيت القاهرة
نيويورك - أ ش أ

بعد أن تبين بجلاء أن ممارسات الغش والنصب والاحتيال كانت من بين أهم أسباب الأزمة المالية المستمرة بتداعياتها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، يبحث الأمريكيون الآن عن إجابة للسؤال الصعب والعصيب: "كيف يتحول الغش والنصب والاحتيال إلى ثقافة أو طريقة حياة"؟!

 

وفيما باتت الجامعات الأمريكية تعانى من ظاهرة لجوء بعض الطلاب للغش، فإن هذه الجامعات ذاتها تقف فى طليعة الباحثين عن إجابة لهذا السؤال العصيب، وتتعدد الدراسات حاليا حول "النصاب" ونفسية المخاتل وسيكولوجية الخداع والكذب والغش.

 

وفى كتابه الجديد "أعطاب الشخصية"- الذى يتناول ثقافة الغش والنصب والاحتيال والخداع والمخاتلة- يقول الدكتور ديفيد ديستينو أستاذ علم النفس بجامعة "نورث ايسترن" فى بوسطن إن القضية فى أحد أبعادها تعكس معركة بين المكاسب قصيرة الأمد والمكاسب طويلة الأمد، وبين خيارات صعبة وخيارات أسهل نسبيا.

 

ولم يستبعد ديفيد ديستينو تأثير العوامل الخارجية والبيئة فى تغليب هذا الاتجاه أو ذاك، كما أن الكثير من البشر لم يعد لديهم الصبر على الخضوع لأى سلطة، بما فى ذلك سلطة الضمير، بل إنهم يبغضون هذه السلطة الأخلاقية وهم يرون غيرهم وقد حصلوا على أكثر مما يستحقون فى اعتقادهم.

 

ومن الطريف- كما يقول دافيد دانينج أستاذ علم النفس بجامعة كورنيل- أنه بمجرد أن تبدأ عجلة الكذب والغش والنصب فى الانطلاق لدى شخص ما فإن هذا الشخص يميل دوما لإلصاق ما يفعله بأشخاص يكن لهم كراهية، حتى لو كانوا أبرياء من تلك الممارسات الاحتيالية.

 

ويقول الدكتور انجان شاتيرجيه أستاذ الدراسات النفسية والعصبية بجامعة بنسلفانيا إن الأمر يبدأ بمخالفات بسيطة، لكنه ينمو ويتطور عبر آليات نفسية ليتحول إلى "ثقافة" أو "طريقة حياة"، مضيفا أن النصاب- وهو يمارس الاحتيال والغش- يسعى لإيجاد المبررات الأخلاقية لأفعاله وممارساته المشينة، وقد يعمد لصنع مواقف ليثبت لنفسه أنه ضحية مجتمع ظالم وأناس يفتقرون للعدل والرحمة.

 

والهدف- كما يوضح البروفيسور شاتيرجيه- هو الوصول لنقطة توازن داخلى، بحيث يتمكن النصاب من مواصلة ممارساته الاحتيالية دون أن يؤرقه ضميره، بل إن هذه الممارسات حينئذ تكون من وجهة نظر النصاب مطلوبة أخلاقيا لاستعادة العدالة المفقودة فى هذا العالم، وقد يجنح أكثر نحو تحميل الضحايا مسؤولية أفعاله، كما هو حال برنارد مادوف الذى اعتبر أن ضحاياه كانوا فى الواقع يتسمون بالجشع ويبحثون عن الربح دون أى عناء. وبرنارد مادوف هو- فى الظاهر- رجل مال وأعمال أمريكى لامع، لكنه تحت جلده وفى جوهره نصاب عتيد، حتى أن اعتقاله فى نهاية عام 2008 من جانب المباحث الفيدرالية جاء بناء على بلاغ من ابنه يتهمه بالنصب والاحتيال.

 

وعندما أصدر قاضى التحقيقات الفيدرالى أمرا بتجميد أصول مادوف، وعين عليها حارسا قضائيا، تبين أن هذا المستثمر اللامع تمكن فى الباطن من القيام بواحدة من أكبر عمليات النصب فى التاريخ، والتى قام بها شخص واحد، حيث اقتنص ما يزيد على الـ50 مليار دولار فيما عرف بفضيحة "سلسلة بونزى". ولأنه نصاب عتيد، فقد كان برنارد مادوف أحد أبرز أهل الخير والاحسان للفقراء فى الولايات المتحدة، كما كان من الوجوه البارزة فى مركز نيويورك الثقافى، ولم يغفل عن تقديم الدعم المالى لأنشطة بحثية وأكاديمية فى اسرائيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved