الدكتور محمد محيي الدين: الشعور بالوحدة يؤثر على حالتنا النفسية والجسدية معا ويقلل من إفراز هرمون السعادة

آخر تحديث: الخميس 24 أكتوبر 2024 - 3:48 م بتوقيت القاهرة


الصحة النفسية والجسدية تبدأ بالعلاقات الاجتماعية القوية والصحية.

كشفت دراسة أعدها خبراء صحة متخصصون أن الشخص الذي يعاني من الوحدة يكون أكثر عرضة لتفاقم أمراض مثل باركنسون والزهايمر والخرف، مع ارتفاع نسب أمراض القلب والأوعية الدموية، وزيادة خطر الإصابة بالنوبة القلبية الحادة والسكتة الدماغية. وأكدت الدراسة أن الصحة النفسية والجسدية تبدأ بالعلاقات الاجتماعية القوية والصحية أيضًا.

من جانبه، أكد الدكتور محمد محيي الدين، رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بكلية الطب جامعة القاهرة، أن "الوحدة تأكل صاحبها من الداخل"، هكذا وصفها أحد الشعراء.

وقد يبدو الأمر مبالغًا فيه، لكن الأبحاث العلمية تؤكد ذلك. ففي عالمٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، يجد الكثيرون أنفسهم غارقين في زحام من الانشغالات والمسؤوليات. ورغم ذلك، قد يشعر البعض بالوحدة والعزلة، حتى وإن كانوا محاطين بالناس. هذه المشكلة ليست حديثة العهد، لكنها باتت أكثر وضوحًا في عصرنا الحالي، حيث تتلاشى العلاقات الإنسانية الحقيقية وما تحتويه من انتماء وتواصل، وهما جزء لا يتجزأ من طبيعتنا الإنسانية.

وأضاف أن بعض الأشخاص يعتقدون أن الوحدة أفضل من العيش في علاقات مليئة بالمشاكل والتوترات، لكن الثابت أن الشعور بالوحدة لا يؤثر فقط على حالتنا النفسية بل على الجسدية أيضًا، فقد أكدت الدراسات أن الشخص الذي يعاني من الوحدة يكون أكثر عرضة لتفاقم أمراض مثل باركنسون والزهايمر والخرف، مع ارتفاع نسب أمراض القلب والأوعية الدموية، وزيادة خطر الإصابة بالنوبة القلبية الحادة والسكتة الدماغية.

كما أن الشعور بالوحدة يضعف جهاز المناعة، مما يجعله أقل قدرة على مقاومة الأمراض. كما ترتبط الوحدة بالعديد من الآليات البيولوجية والنفسية التي تؤثر على الصحة. فالشعور بالوحدة يزيد من مستويات هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر، مما يؤدي إلى اضطراب مزمن في الجسم.

كما أنه يؤثر على عمل الجهاز العصبي، ويقلل من إفراز هرمون السيروتونين، وهو هرمون السعادة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوحدة تدفع الأفراد إلى اتباع سلوكيات غير صحية، مثل التدخين والإفراط في تناول الطعام، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة. ويظهر ذلك واضحًا عند الأشخاص الذين لا يحظون بعلاقات اجتماعية ويعيشون في وحدة تامة، مقارنة بالأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية، بغض النظر عن كونها علاقات جيدة أم سيئة. هذه النتيجة ليست مجرد كلام على الورق، بل هي حقيقة تؤثر على حياة الملايين من البشر. فتأثير العزلة الاجتماعية على الصحة يضاهي تأثير أخطار معروفة مثل التدخين والسمنة.

وتابع الدكتور محيي الدين: إن العلاقات الاجتماعية تعمل كشبكة أمان تحمينا من آثار الوحدة. فهي توفر لنا الدعم العاطفي، والشعور بالانتماء، والحافز لتحقيق أهدافنا. وعندما نشعر بأننا جزء من مجتمع، فإننا نشعر بالسعادة والرضا عن الحياة. وقد يتبادر إلى الذهن أن الوحدة مشكلة تصيب كبار السن بشكل خاص، لكن الحقيقة مخالفة تمامًا. فالشباب والمراهقون يعانون أيضًا من الوحدة، خاصة في عصر التكنولوجيا الذي يوفر التواصل المستمر، ولكن غالبًا ما يكون تواصلًا سطحيًا يفتقر إلى العمق الحقيقي. وهي تحديات جديدة تواجه الأجيال الشابة في عصر التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي الرقمي. فرغم الاتصال الدائم عبر الإنترنت، يبدو أن الكثير من الشباب يفتقدون الترابط الحقيقي والعميق مع محيطهم القريب.

وأوضح الدكتور محمد محيي الدين أنه لمواجهة هذه المشكلة، يدعو الأطباء إلى تثقيف المجتمع بصفة عامة والمرضى بصفة خاصة حول أهمية الترابط الاجتماعي للصحة، وتقييم مستوى الترابط الاجتماعي لدى المرضى، ودمج هذه المعلومات في خطة العلاج أو الإحالة إلى جهات الدعم المناسبة لدمج "النصائح الاجتماعية" في الممارسة الطبية، وتشجيع المرضى على التواصل مع أصدقائهم القدامى كجزء من خطة العلاج.

وأختتم رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بكلية الطب جامعة القاهرة حديثه قائلاً: الوحدة ليست مجرد شعور مؤقت، بل هي حالة صحية خطيرة تؤثر على كل جوانب حياتنا. ولذلك، يجب علينا جميعًا أن نسعى لبناء علاقات قوية ومتينة مع الآخرين. علينا أن نخرج من عزلتنا، وأن نشارك في الأنشطة الاجتماعية، وأن نتعلم فن التواصل والتعبير عن مشاعرنا. فالصحة النفسية والجسدية تبدأ بالعلاقات الاجتماعية القوية والصحية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved