فيروس كورونا يفاقم 10 أعوام من الأزمات الصحية في سوريا
آخر تحديث: الخميس 25 فبراير 2021 - 1:07 م بتوقيت القاهرة
(د ب أ)
بحلول شهر مارس المقبل، يكون قد مر عام منذ تأكيد أول حالة إصابة بفيروس كورونا المسبب لمرض (كوفيد-19) في سوريا.
ومثلما هز الوباء العالم، كان له آثار مميتة في جميع أنحاء سوريا. في الشمال الغربي، تضاعفت الحالات أربع مرات بين شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين في مخيمات النازحين داخليا والتي تضررت من الفيضانات. وفي الشمال الشرقي، ارتفعت الحالات بنسبة قياسية بلغت 1000 % في شهر أغسطس الماضي.
وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، يقول الأطباء المحليون إن المستشفيات المكتظة تضطر إلى رفض دخول المرضى. ويؤدي الوباء إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي. ولا يمكن تحليل تأثيره بشكل منعزل، بل يجب أن ينظر إليه في سياق عقد من الأزمات الصحية ونظام صحي مدمر وسكان ضعفاء للغاية.
وذكرت أماني قدور، وهي المديرة الإقليمية لمنظمة سوريا للإغاثة والتنمية في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن العنف ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية كان في قلب الصراع في سوريا، ما أدى إلى تشتت النظام الصحي وتدمير مجتمعات بأكملها.
ومنذ بداية الصراع في عام 2011، وقع ما لا يقل عن 595 هجوما موثقا على المرافق الصحية في سوريا، وهو نمط من جرائم الحرب يستمر مع الإفلات من العقاب. ووفقًا لمنظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، فإن أكثر من 90 % من الهجمات ارتكبتها الحكومة السورية وحلفاؤها. وفر أكثر من 70 % من العاملين الصحيين من سوريا، ما أضاف عبئا إضافيا على من ظلوا في البلاد.
كما أن نظام الرعاية الصحية مفتت: فقد أصبح لامركزيا، وتلعب مديريات الصحة المحلية دور وزارة الصحة في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة ولكن بدون الموارد أو الحماية اللازمة للقيام بذلك. وتسببت هذه اللامركزية، على الرغم من أنها جاءت بدافع الضرورة، في حدوث فجوات في التنسيق وتبادل المعلومات، بما في ذلك مع الأنظمة الموازية لمراقبة الأمراض التي تقدم تنبيهات إنذار مبكر حيوية لتفشي الأمراض مثل كوفيد-19.
وأضافت قدور أنه حتى قبل جائحة كوفيد -19، لم تكن البنية التحتية الصحية المدمرة في سوريا قادرة على التعامل مع حجم حالات الطوارئ الصحية. فقد تسببت الأمراض المعدية مثل شلل الأطفال والكوليرا، إلى جانب الأمراض المزمنة مثل السكري، في إحداث فوضى في المجتمعات.
ويكافح مقدمو الخدمات الصحية من أجل توفير الخدمات المناسبة (مثل اللقاحات) ومعالجة المحددات الاجتماعية الأساسية، مثل الظروف المعيشية المزدحمة والفقدان العام لهياكل الدعم الاجتماعي، خاصة للنساء والأطفال. وأشارت تقارير تتناول العنف ضد المرأة خلال تفشي وباء كوفيد-19 إلى معدلات غير مسبوقة لسوء التغذية بين الأطفال السوريين ما يبرهن على الهشاشة المتفاقمة للمجتمعات التي ترزح تحت وطأة الأزمات .
ولا يعرف النطاق الحقيقي لتفشي كوفيد-19 في سوريا بسبب القدرة المحدودة لإجراء الاختبارات ونقص عمليات تسجيل الحالات وعدم القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية فضلا عن الوصمة المرتبطة بالفيروس. وسجلت وزارة الصحة 14048 حالة إصابة بفيروس كورونا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، و8447 حالة إصابة في الشمال الشرقي و21032 إصابة في الشمال الغربي. ومع ذلك، من المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الأرقام الحقيقية.
وتقول قدور إنه في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، أبلغت المستشفيات المحلية عن نفاد أكياس الجثث، ويعتقد مسؤولو الصحة أن حالات كوفيد المسجلة ليست سوى جزء بسيط من العدد الحقيقي. وفي شمال سوريا، أعاق تدمير أنظمة المياه والصرف الصحي اتخاذ التدابير الوقائية ضد كوفيد-19، ولم يكن من الممكن تطبيق التباعد الاجتماعي في المخيمات المكتظة بالنازحين.
وبالنسبة إلى 4 ملايين شخص في شمال غرب سوريا، نصفهم من النازحين، لا يوجد سوى 212 سريرا بوحدة العناية المركزة لمرضى كوفيد-19.
وفي جميع أنحاء البلاد، هناك نقص حاد في معدات الحماية الشخصية والأكسجين وأجهزة التنفس. وعلى الرغم من تدخل منظمات غير حكومية لسد هذه الثغرات، مثل إجراءات مكافحة العدوى والوقاية والسيطرة التي تقوم بها منظمة سوريا للإغاثة والتنمية في إطار فريق عمل الطوارئ كوفيد-19 ومبادرة منظمة "ميدجلوبال" لبناء محطات توليد الأكسجين، فإنها لا تستطيع تلبية احتياجات السكان وحدها.
وتؤدي الاستجابة الصحية اللامركزية إلى أن تكون هناك تحديات خطيرة لحملة التطعيم ضد فيروس كورونا. ومن المتوقع أن تتلقى وزارة الصحة السورية اللقاح مجانًا من خلال مبادرة "كوفاكس" في أبريل، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن الدفعة الأولى من اللقاحات لسوريا قد تغطي 3% فقط من السكان. ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة بدون إجابة حول المناطق التي سيتم تضمينها في خطة التطعيم الوطنية، ولا سيما في الشمال الشرقي. وفي الشمال الغربي، طلب "فريق لقاح سوريا" بشكل منفصل الحصول على اللقاح من خلال مبادرة كوفاكس، ووضع خطط لتنفيذ عملية التلقيح عبر الحدود.
ولكن حتى لو تم تأمين اللقاحات والوصول إليها، فإن سوريا تفتقر إلى المعدات اللازمة والكهرباء الموثوقة للتعامل بشكل صحيح مع بعض لقاحات فيروس كورونا وتخزينها. وبعيدا عن العوائق اللوجستية، من المهم أن تتم معالجة المعلومات المضللة المتزايدة والوصمة المرتبطة بـكوفيد-19 لتنفيذ حملة تطعيم فعالة.
وذكرت قدور أنه مع تأكيد الإدارة الأمريكية الجديدة على إعادة ضبط السياسة الخارجية، من المهم ضمان تطبيق سياسة صحية عالمية تتمحور حول مبدأ العدالة الصحية. وهناك حاجة إلى تنسيق وثيق مع منظمة الصحة العالمية لزيادة فرص الحصول على اللقاحات من خلال كوفاكس للفئات السكانية المحتاجة في مناطق الصراع مثل سوريا. ويجب على الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة ضمان مراقبة إمدادات اللقاحات المقدمة من خلال منظمة الصحة العالمية بشكل مستقل وتوزيعها بشكل عادل.
وقد تعرض السوريون للحرمان من المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية باعتبارها أداة حرب، من خلال عدم الوصول ومنع توصيل المساعدات عبر الحدود، وإزالة الإمدادات الطبية- بما في ذلك اللقاحات- من قوافل المساعدات. ومن المقرر أن يتم في شهر يوليو المقبل، تجديد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يضمن وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، والتي تم تقليصها بالفعل إلى معبر حدودي واحد في عام 2020.
ومن المهم أن يجدد مجلس الأمن الوصول عبر الحدود لمدة لا تقل عن 12 شهرًا. ويتعين على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العمل مع الأمم المتحدة والحكومات المانحة لضمان وجود آلية مساعدة مستمرة عبر الحدود لتقديم المساعدة المنقذة للحياة، بما في ذلك لقاحات فيروس كورونا، للملايين من المحتاجين.
وقالت قدور في ختام تقريرها إنه على مدى الأعوام العشرة الماضية، كانت المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني السورية هي التي تقود الاستجابة الإنسانية، حيث تحملت مخاطر شخصية هائلة لخدمة المجتمعات. ويمكن لهذه المنظمات قيادة الحملات على الأرض لكنها تحتاج إلى مساعدة الحكومات للتفاوض بشأن سلامة عناصرها وتقديم الدعم.