اللي بنى مصر (3).. كيف ساهمت أمينة الصاوي في راوية التاريخ الإسلامي على شاشة الدراما؟
آخر تحديث: السبت 25 مارس 2023 - 7:10 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين:
بتاريخ حضارتها الممتد لآلاف السنين، واحتضانها وتفاعلها مع الثقافات المحيطة الأخرى، أصبحت مصر أشبه بلوحة فنية بديعة من مكونات عمرانية وعادات أصبحت تشكل تراثًا ثريًا وأصيلًا، وراء ذلك عقول بشرية صنعتها، ليكون من الجدير بها أن يطلق عليها لقب "اللي بنى مصر".
وتحت هذا العنوان، سنعرض في حلقات مسلسلة بعض ملامح سيرة من شكّلوا لمصر وجهها الحضاري العظيم وتراثها الملهم، وذلك على مدار أيام شهر رمضان المبارك، للعام الثاني على التوالي.
وإلى الحلقة الثالثة..
بعد سنوات من الغياب، عادت الأعمال الدرامية الدينية للشاشة لخريطة دراما رمضان لهذا العام، وذلك من خلال مسلسل «رسالة الإمام» للفنان خالد النبوي تأليف محمد هشام عبية، إخراج ليث حجو، وتتناول الأحداث سيرة الإمام الشافعي، وبالأخص فترة إقامته بمصر.
وعند الحديث عن الدراما التاريخية، ينبغي ذكر الكتابة أمينة الصاوي، كأبرز المساهمين في ثراء الأعمال الدرامية التاريخية والدينية، حيث كتبت مسلسلات، من بينها: على هامش السيرة، الكعبة المشرفة، والأزهر الشريف، ومنارة الإسلام، ولا إله إلا الله، بأجزائه الأربعة.
* أمينة الصاوي.. تهرب من ظل أبيها
وبدأت الصاوي تجربتها في الكتابة متأثرة بطاقة شكَّلها الاندماج في مكتبة والدها العالم الأزهري، والجلسات التي يحفِّظها فيها القصائد ويفسِّرها لها، والدروس التي كان يُفتن بها وبأسلوبه الساحر، رواد منزله من العلماء والتلاميذ، كتبت لكنها كانت تواجَه كل مرَّة اتهام بأنها تقلد والدها، ما جعلها تهجر الكتابة في أي منطقة تتماس مع علم ودروس وثقافة الوالد.
ولكي تهرب من هذا التصنيف المقيد، جربت الكتابة للأطفال وارتاحت لها، ثم جربت أن تكتب قصصًا عصرية. اختلط إعجاب المحيطين بها بما تكتبه بالتشجيع على الاستمرار، لكنها كانت في حاجة إلى شهادة يمكن الاعتماد عليها لمواصلة الطريق، شهادة تقوم على ما هو أهم من محبة الأقارب، بحسب كتاب "صنايعية مصر.. الكتاب الثاني" للكاتب عمر طاهر.
* عميد الأدب.. شهادة إجادة
ويضيف طاهر: اختارت قصة، وفكرت في قامة أدبية يمكن الاسترشاد بشهادتها فيما هو قادم، أرسلت قصتها إلى الدكتور طه حسين، وظلت تنتظر الرد أسابيع طويلة، حتى استلمت رد العميد الذي لم يخلُ من إعجاب، وأسعدها التقدير، لكن كان الأهم بالنسبة لها أنها وجدت ما يشبه علامات الطريق.
وعن تفصيلة هامة، ذكر طاهر أن في نهاية الرسالة، قال لها الدكتور طه حسين: «لكِ أسلوب متميز يذكرني بأسلوب توفيق الحكيم».
وفي السياق ذاته، يقول الباحث وسيم عفيفي، إن طه حسين، قد قال لها متنبئا، إنها ستبلغ شأنا عظيما إذا أقدمت على دراسة فن التمثيل الأدبي.
ولم تكن الرغبة وتحقيقها ممهدة الطريق، فلم يكن البيت الأزهري ليوافق بسهولة على الفكرة، ربما تحايلت أمينة الصاوي على الأمر بالتأكيد على أنها ستلتحق بقسم النقد، وكانت أول فتاة تتخرج من هذا القسم، لتبدأ بعدها في ممارسة كل ما له علاقة بالفن ما عدا النقد.
*العميد من جديد
وكانت انطلاقة الصاوي في عالم الدراما التاريخية من خلال عرض من التلفزيون لإنتاج مسلسل، وبدأت التخطيط للمشروع منفردة، ووقع الاختيار على كتاب «على هامش السيرة» لطه حسين الذي يحكي فيه السيرة النبوية بطريقته، وأسست على محتواه قصة وسيناريو العمل.
ويشير طاهر، إلى أن خطوتها الثانية مرتبطة بإيمانها بأن هذا العمل الفني الفريد من نوعه لا يصح أن يتم بمعزل عن بلدها، شعرت بالغيرة من أن يغيب اسم مصر عن ريادة نوع جديد من الأعمال التلفزيونية، فسعت حتى تمت الشراكة بين التلفزيون الأردني وشركة صوت القاهرة، ثم عرضت قصتها وقدَّمت ما أنجزته، فطُلب منها أن تنتظر موافقة الأزهر، قالوا إنهم سيرسلون إليهم السيناريو، لكن أمينة الصاوي طلبت أن تفعل ذلك بنفسها.
* دقة وتكريم من السادات
ومع مراحل التنفيذ، كان اختيار المخرج أحمد طنطاوي وفريق الممثلين، قررت أمينة الصاوي أن تكون حاضرة في بروفات الترابيزة التي يقرأ فيها فريق العمل النص، كانت تعرف أن وجودها سيكون ضروريًّا تفهم أن التمثيل في هذا الملعب لا يتحمل وجهات نظر شخصية للممثل أو اجتهادات في تطوير أو تغيير المكتوب كانت تشرح كل سطر، وتاريخ كل شخصية، ودوافعها، وما سجَّلته الكتب عنها بدقة تقود كل ممثل ليفهم ما الدافع وراء هذا التصرف، وما مبررات ردود الأفعال، ولماذا تتحدث الشخصية بهذه الطريقة تدقق في اللغة، ومخارج الحروف، وتفاصيل الملابس والإكسسوارات.
وتُرجم مجهود الصاوي إلى نجاح بشهادات الجمهور والنقاد وجائزة الدولة للإبداع الفني التي سلمها السادات بنفسه لأمينة الصاوي في عام 1978.