كواليس عامين ونصف من عمر البنك المركزى
آخر تحديث: الأحد 25 أكتوبر 2015 - 10:09 ص بتوقيت القاهرة
كتب ــ محمد مكى:
قل ما شئت عن محافظ المركزى هشام رامز اتفقنا أو اختلفنا مع القرارات، التى اتخذها فى 34 شهرا، هى فترة ولايته المركزى، لكن لابد قبل أن تضع تقييما للرجل، وأن تدرك عدة حقائق لا تُساق على تلك الصفحة للدفاع عنه بل شهادة على تاريخ ذلك الرجل فى أمرين لا ثالث لهما هما:
الأمر الأول: ماذا يعنى أن يترك شخص منصبا يتقاضى من خلاله راتبا يصل إلى نحو مليون جنيه فى مكان مثالى للعمل، ويأتى برغبته ليتقاضى 42 ألف جنيه مثله مثل الأقل بكثير منه فى المخاطر والمنصب، وتحت ضغوط يومية كبيرة.
الأمر الثانى: ماذا يعنى أنك تتحمل وزر كل المشكلات الاقتصادية التى تعرض حلول لها ولا يُستجاب لك فى معظمها، إما لظروف تتعلق بالشارع ورضاه أو تداخل مع وزارات أخرى.
ماذا يعنى أن تطرح اقتراحات على قطاعات اقتصادية، وتنقل تلك الأفكار، والتى تتحول إلى قرارات للعدد من رجال الأعمال ممن يحاربون الرجل منذ تولى منصبه ليس لشخصه، وإنما لوقوفه ضد مصالحهم، ماذا يعنى تلقى تهديدات شخصية وعائلية وتتعرض للاغتيال، وبعد ذلك تتحمل كل الخطايا.
حتى لو كانت جريمة رامز سعر صرف الورقة الخضراء «الدولار»، التى يحاول الجميع التحدث عنها دون علم، فهل الرجل يطبعه أم يديره؟ وشهادة حق يعرفها جميع من له علاقة بالعمل المصرفى أو الاقتصادى، فإن رامز هو أفضل من يدير السياسية النقدية فى مصر، وهو نفس ما قاله طارق عامر المحافظ الجديد قبل نحو عامين ونصف العام لمن لا يعلم.
من حق الجميع أن يقيم عمل الرجل، خاصة أن العمل العام فى مصر أصبح من أصعب المهام والقليل يقبله، ونُصح رامز من أقرب الأشخاص إليه فى العائلة بضرورة رفض المنصب، ولكن الرجل أصر على القبول خدمة للوطن وتضحية بالراتب الكبير، ومن يعرف مكسبا شخصيا حصل عليه رامز فعليه الإخبار به.
شهادة العقدة عن رامز.. وهزيمة الدولار
جميع من يتابع ويهتم بالشأن المصرفى يعرف أن فاروق العقدة يشهد بكفاءة رامز حتى وإن كانت طبيعة كل منهما الشخصية مختلفة ويوجد خلاف فى وجهات النظر، حيث جمعت طاولة واحدة بينهما ومعهم هشام عزب العرب رئيس التجارى الدولى وحسن عبدالله، رئيس العربى الأفريقى، إبان فترة العقدة الأولى فى 2003 لوضع خريطة إصلاح للسياسة النقدية فى مصر، وهو ما كان شديد الأثر فى خطة الإصلاح، والثلاثة «رامزـ عز العرب ـ وعبدالله» كانوا يعملون بشكل تطوعى، واستمر العمل لفترة طويلة حتى استقر الوضع، وتولى رامز منصب نائب المحافظ، وحقق الهدف الأكبر للجهاز المصرفى، ومن قبله الاقتصاد المصرى من هزيمة «السوق السوداء»، التى انتهت تماما حتى رجعت بعد 25 يناير. ويجب ملاحظة أن الأشخاص ما زالوا أحياء، وهو داخل الجهاز المصرفى، لكن السلاح المستخدم فى القضاء على السوق السوداء كان قويا، حيث معدلات نمو متصاعدة وموارد دولارية متاحة، ومعرفة تامة بكل فنون التهرب، ونؤكد أن خطة الإصلاح المصرفى، كان يقابله إصلاح اقتصادى ومالى كبير رفع معدل النمو إلى 8%، ووصل بالاحتياطى النقدى إلى 36 مليار دولار قبل ثورة يناير.
العقدة عن تقديمه رامز إبان تولى الأخير المركزى، قال: «رامز أخى بل يمكن القول إنه ابنى، وأفضل من قام بأعمال لخدمة البلد فى السياسية النقدية»، الكلام كان معلنا على الهواء لمن يريد، أما داخل الغرف المغلقة، فقد دخل العقدة على رامز إبان تولى الأخير منصب النائب وعند حصول العقدة على جائزة، وكانت متعددة فى تلك الحقبة فقد قال العقدة إنك تعلم أن الجائزة تمنح للمركزى، ولكنها تمنح بفضل أعمال تقوم أنت بها، والسياسية النقدية وفى قلبها سعر الصرف كانت محور عمل رامز، وقد تم القضاء على السوق الموازية لسنوات طويلة لمن ينكر ولا يقرأ التاريخ.
نزاع مستمر بين السياسة النقدية والمالية
الخلاف بين السياسة النقدية والمالية مستمر ولا يتغير بتغير الأشخاص، ومن حسن حظ العقدة المحافظ الأسبق أن الخلاف مع وزير المالية بطرس غالى أو من قبله كان لا يعلن، وكان فى كل شىء، لكن كانت هناك مظلة كبيرة لا تصل بالخلاف إلى ما حدث بين رامز وهانى قدرى وزير المالية، رامز كان متحمسا لقدرى فى الشهور الثلاثة الأولى من عمله، ولكن بعدها تغير الموقف تماما، وأصبح الخلاف معلنا، وسوف أروى واقعة واحدة من الخلاف دون سرد كامل للتفاصيل، وكانت تؤدى إلى فشل المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ لو تدخل رئيس الوزراء وقتها إبراهيم محلب، وهى إخطار قدرى مصلحة الضرائب بالتحرك ضد بنك كبير، ويحظى بسمعة عالمية بسبب ضريبة اختلف عليها وقت حكم الإخوان، ومن شأن تلك الإجراءات فى حالة استمرارها حبس رئيس البنك الكبير، وقد تم الأمر بدون مراجعة المركزى حسب المعمول به، وأبلغ رامز محلب وتدخل لوقف تلك المهزلة، واشتد الصراع من وقتها بين الطرفين، ووصولاً إلى خلاف كبير فى كثير من الإجراءات، وتردد أخيرا أن رئيس الوزراء الجديد شريف إسماعيل وقف إلى جانب وزير المالية عندما طلب رامز ضرورة زيادة فى بعض رسوم الجمارك، وللعلم رامز قبل طرح الأمر قبل نحو 4 أشهر على المجموعة الاقتصادية، وفى حضور محلب، وكانت الحكومة تدرسه، ولكن الأمر تجمد تماما.
من داخل المجموعة الاقتصادية
قبل نحو شهرين من شهر رمضان الماضى، طالب رامز بوقف بعض السلع المستوردة توفيرا للنقد الأجنبى وحماية للمنتج المحلى، وخوف وزراء من داخل المجموعة الاقتصادية رئيس الوزراء إبراهيم محلب من نقص سلعى يثير الرأى العام ضد حكومته، لكن رامز أكد ضرورة الخطوة بناء على دراسات قادمة من فتح الاعتمادات فى البنوك، والتى ترصد حركة التجارة وتوفر السلع بشكل دقيق، وهو ما انحاز له محلب، من بعدها تم الهجوم المنظم على رامز من داخل الشعب التجارية وبدعم كامل من وزير، للأسف كان ينقل اقتراحات رامز إلى عدد من رجال الأعمال منهم قريبون له، ومن حسن الحظ أنه خرج فى التغيير الوزارى الأخير، ولمن لا يعلم أن عددا من الوزراء كان يرفض اقتراحات رامز لخوفهم من ردة فعل رجال الأعمال مما يعملون مع وزاراتهم بشكل مباشر، وكان الحل أو الرفض أو السكون التمام، وهو ما يظهر فى أعمال تلك الوزارات.
محلب ورامز والحد الأقصى
تجمع رامز برئيس الوزارء السابق إبراهيم محلب علاقة طيبة، وتعود إلى عمل محلب فى «المقاولون العرب»، وهى شركة كبرى تتصل أعماله بشكل مباشر بالقطاع المصرفى، لكن خلافا كبيرا حدث بين الطرفين، عندما تم تطبيق قرار الحد الأقصى للأجور، فقد كان يرغب رامز فى مساندة محلب له فى عدم سريان القرار على الجهاز المصرفى حماية للبنوك العامة، وانخفاض قيمة التى لا توفر للدولة سوى 72 مليون جنيه فقط، لكنه شديد الضرر، وهو ما حدث بعد هجرة كفاءات من البنوك العامة بعد التطبيق، وقد أبلغ رامز القيادة السياسية بمخاطر القرار مع عدم ممانعته فى تطبيقه عليه شخصيا دون باقى قيادات البنوك حفاظا على قوة الجهاز المصرفى.
رجال الأعمال وتهديد محافظ المركزى
ينتمى رامز إلى مدرسة «الاقتصاد الحر» من هنا فهو لا يختلف مع توجهات الفكرية للرجال الأعمال، لكنه يؤكد ضرورة أن يكون الاقتصاد منضبطا، ويراعى مصلحة الدولة لا يهدر موارد الدولة، ويقضى على الصناعة الوطنية، ويحول مصر إلى سوق كبيرة فقط للاستيراد، وربحية فقط للمستورد وقضاء تمام على الصناعة، وهو ما رفضه رجال الأعمال، فالرجل وضع من أول يوم قواعد لتوفير النقد، لكن عددا من رجال الأعمال الكبار كانوا يعملون فى السوق السوداء رفضوا الأمر وساعدوا فى السوق السوداء، مستخدمين وضعية الاقتصاد الصعبة واستخدموه منصة للهجوم على رامز، واستمرت قرارات رامز الفنية لتزيد من سوء العلاقة، والتى جعلته يتلقى تهديدات مستمرة، وحادثة الاعتداء، والتى استشهد فيها حارسه خير شاهد على ذلك.
ولما لرجال الأعمال من قوة يعرفها الجميع، تم تحريض القيادات والأجهزة الكبيرة فى الدولة ضد الرجل، ولكن ما أنصفه هو عدم وجود مصلحة شخصية له، وصحة الإجراءات الفنية وثقة المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد، والتى قالت مديرته، كرستين لاجارد: «إنها تثق فى رامز ومهارته، وهو نفس الأمر المنقول من الدول العربية المساعدة لمصر».
محافظ المركزى الجديد ورامز
يحلو للبعض أن يردد أن خلافا كبيرا يعود إلى أكثر من 10سنوات بين رامز وطارق عامر محافظ المركزى الجديد، إبان تولى العقدة المركزى وعملهما نائبين له، لكن التجربة تقول العكس، فقد كان طارق عامر أول من أثنى على رامز بعد إعلان توليه، فى رسالة أرسلها عامر إلى كل وسائل الإعلام، رامز فعل نفس الشىء قبل أيام وقت الإعلان عن تولى عامر، قد تظن أنه نوع من المجاملة بين الطرفين، أقول لك التالى: «العلاقة بين عامر ورامز تعود إلى سنوات طويلة»، وأيضا رامز هو من طلب ورشح طارق عامر للعمل المصرفى بعد أن اختار عامر الراحة بنفسه بعد عشر سنوات من العمل العام، ورشح رامز، طارق عامر ليتولى رئاسة البنك الأهلى فى لندن، وجمعت بينهما فى لندن خلال تلك الفترة جلسات ودية تنفى الخلاف المزعوم.
وفى الختام شكرا لرامز على ما قدم.. وأعان الله طارق عامر على ما هو قادم.