نساء من عصر التابعين (1).. خيرة أم الحسن البصري: مولاة أم المؤمنين التي روى لها كل الجماعة إلا البخاري

آخر تحديث: الثلاثاء 26 مارس 2024 - 4:16 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر التابعين برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة، كتاب "نساء في عصر التابعين" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

خيرة أم الحسن البصري.. مولاة أم المؤمنين التي روى لها الجماعة كلهم إلا البخاري

تصدت المرأة في عصر التابعين لفنون العلم ، وأمعنت في ذلك إمعاناً سابقت فيه الرجل، فكان لها الأثر المحمود في مجالات نافعة؛ منها الرواية، وكانت خيرة أم الحسن البصري إحدى هؤلاء النسوة ممن كتب لهن الخلود في دنيا المعرفة، لما كانت عليه من علم وزهد وفقه، وأنها ولدت رجلين كانا من أعظم رجال الدنيا علماً وفضلاً وزهداً وأدباً.

فأولهما وأشهرهما، الحسن بن أبي الحسن يسار التابعي البصري الأنصاري، شيخ أهل البصرة، وسيد أهل زمانه في العلم والعمل، والذي قال عنه محمد بن سعد - رحمه الله -: كان الحسن رحمه الله جامعاً، عالماً، رفيعاً، فقيهاً، ثقة، مأموناً، عابدا، ناسكاً، كبير العلم، فصيحاً، جميلاً، وسيماً.

وقال عنه الذهبي - رحمه الله -: كان رجلاً تام الشكل، مليح الصورة، بهياً، وكان من الشجعان الموصوفين.

وثانيهما سعيد بن أبي الحسن يسار البصري، من ثقات التابعين، حدث عن أمه، وتخرج في مدرستها، وثقه النسائي وغيره، وكان من خيرة الزهاد العباد، وكان يُسمّى راهباً لدينه، وحديثه في الدواوين كلها - رحمه الله تعالى -.

أما والدة هذين العلمين الخيرين، فهي خيرة أم الحسن البصري، وتعرف بأنها مولاة أم سلمة، أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها وعن أمهات المؤمنين.

كانت خيرة من فضليات نساء عصر التابعين، ومن ثقاتهن، وممن تلقين العلم عن أمهات المؤمنين، وممن رأينهن، وأخذن عنهن كثيراً من الأحكام النافعة.

بداية خيرة

كانت خيرة أم الحسن البصري مولاة لأم سلمة أم المؤمنين المخزومية - رضي الله عنها، أما زوجها يسار فكان من سبي میسان، سكن المدينة المنورة وأعتق، ثم ما لبث بعد ذلك أن تزوج من امرأة فاضلة هي خيرة مولاة أم سلمة - رضي الله عنها -، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

وكانت خيرة من خيرة الزوجات مع أزواجهن إذ كانت ترعى شؤونه، وتقوم على أموره دون أن تخل في خدمتها لأم سلمة - رضي الله عنها.

وقد منّ الله عز وجل على هذين الزوجين المخلصين بخيرة الذرية الصالحة التي حفظت حياتهما فيما بعد عن طريق العلم الذي يزين الإنسان ويحيي ذكره، فقد ولدت ابنها الحسن في أخر سنتين بقينا من خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ، أي في سنة 21 هـ.

وفي مدرسة أم المؤمنين أم سلمة تخرجت خيرة وروت عنها، كما أنها روت عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها-، وروى عن خيرة عدد من جلة التابعين رجالاً ونساء، فأما من روى عنها من الرجال: فابناها الحسن وسعيد، وعلي بن زيد بن جدعان، ومعاوية بن قرة المزني وهؤلاء من صفوة التابعين وأكابرهم وثقاتهم.

وأما من روى عنها من النساء، فسيّدة التابعيات حفصة بنت سيرين أم الهذيل الأنصارية البصرية، التي قال عنها إياس بن معاوية: ما أدركت أحداً أفضله عليها، وحفظت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة؛ وفضلها إياس على الحسن البصري، وعلى أخيها محمد بن سيرين في العلم والعبادة

وقد روت خيرة أنها رأت أم سلمة زوج النبي لا تصلي في درع وخمار، وقد روى لها الجماعة كلهم إلا الإمام البخاري - رحمه الله -.

خيرة وأم سلمة

كانت خيرة ملازمة لأم سلمة - رضي الله عنها -، فهي مولاة لها، وكانت تخدمها وتقوم على شؤونها من أعمال في البيت، أو عناية بأولادها، والقيام على أمورهم وما يصلحهم، فقد روى الحسن عن أمه خيرة أنها كانت ترضع لأم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها -.

ويبدو أن خيرة كانت تتفانى في خدمة أم سلمة - رضي الله عنها -، وكانت أم سلمة تحسن إلى خيرة أفضل إحسان إذا ما أرسلتها لحاجتها، فقد ورد أن أم سلمة كانت تبعث خيرة في الحاجة، فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع، فيبكي، فتشاغله أم سلمة بثديها فيدران عليه فيرتضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله.

ومما ورد أيضاً أن أم سلمة كانت تخرج الحسن وهو صغير إلى أصحاب النبي الله فكانوا يدعون له، فأخرجته مرة إلى عمر بن الخطاب فدعا له وقال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس.

وبهذا تالت خيرة في ابنها الحسن بركة دعاء عمر، فكان من خيار التابعين، وكان الرجل إذا نظر إلى الحسن انتفع به، وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه، وعنه قالوا: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء.

ولعل خيرة أم الحسن قد أفادت كثيراً من حفظ أم سلمة ومعارفها لانقطاعها إليها، فأم سلمة - رضي الله عنها - من الصحابيات المكثرات لرواية أحاديث النبي، وكانت زوجة رسول الله، ولعلها أكثر امرأة روت الحديث وحفظته بعد أم المؤمنين عائشة.

وروت أم سلمة 387 حديثاً، وهذا العدد جعلها في مقدمة الفقيهات العالمات، ومن هذا الباب انتفعت خيرة بالرواية عنها، والاستفادة من علومها - رضي الله عنها -.

مع ابنها الحسن:

أوتيت خيرة - رحمها الله - خيراً كثيراً، لملازمتها أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها -، وقد كانت هذه التابعية جيدة الفهم، كثيرة الحفظ والضبط، فقد ذكرها ابن حبان - رحمه الله - في الثقات.

وكانت خيرة - رحمها الله - تجلس إلى النساء وتعظهن، وترشدهن إلى الأحكام التي تلقتها عن أم المؤمنين عائشة، وأم سلمة رضي الله عنهما.

ويبدو أن خيرة كانت تعتد بنفسها ويحفظها بعض الشيء، وترى أنها فوق ابنها في العلم والمعرفة، فمن طريف ما يروى في هذا، ما أورده ابن خلكان في "الوقيات" وعن الحسن وأمه، قال: كانت أمه - خيرة - تقص على النساء، ودخل عليها - الحسن - يوماً وفي يدها كراثة يأكلها؛ فقال لها: يا أماه، ألقي هذه البقلة الخبيثة من يدك. فقالت: يا بني إنك شيخ قد كبرت وخرفت. فقال: يا أماه، أينا أكبر؟!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved