المجالس المحفوظية (6).. ما هي طقوس نجيب محفوظ في الكتابة؟

آخر تحديث: السبت 26 أغسطس 2023 - 2:48 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

في 30 أغسطس 2006، غيّب الموت الأديب الكبير نجيب محفوظ، عن عمر يناهز 94 عامًا، إثر هبوط مفاجئ في ضغط الدم وفشل كلوي تعرض له بغرفة العناية المركزة في مستشفى الشرطة بالعجوزة.

وامتدت رحلة محفوظ الأدبية إلى ما يزيد على 70 عاما، كتب خلالها أكثر من 50 رواية ومجموعة قصصية، فضلا عن مقالات فكرية وفلسفية.

وتنوعت الأعمال الأدبية لمحفوظ بين الرواية التاريخية بمستهل مشواره، ثم توجهه للواقعية والرمزية، إلى جانب أعمال ملحمية يأتي على رأسها "الحرافيش".

ومع شهر وفاة أديب نوبل، نستعرض في 10 حلقات مسلسلة ملامح من سيرة وحياة نجيب محفوظ بالأيام الأخيرة لشهر أغسطس، وذلك تحت عنوان "المجالس المحفوظية"، وهو المسمى الذي اختاره الكاتب جمال الغيطاني عنوانًا لكتابه الذي لخّص سنوات مع العمر رافق فيها محفوظ، تلميذا وصديقا من أقرب أصدقائه.

الحلقة السادسة:
نواصل حديثنا عن سيرة نجيب محفوظ، بعرض بعد وجانب متعلق بأعماله الأدبية، ليس من زاوية مضمون تلك الأعمال الفكرية، ولكن مع الأجواء الطقوس التي صاحبت كتابة تلك الأعمال، كما رواها محفوظ في سلسلة حواراته مع رجاء النقاش.

- روتين الوظيفة
يقول محفوظ: "اختلف النظام الذي اتبعه في الكتابة باختلاف المراحل التي مررت بها في حياتي، وهي ثلاث: مرحلة الوظيفة، ومرحلة ما بعد المعاش، ومرحلة ما بعد جائزة نوبل، في مرحلة الوظيفة كنت أفرغ من عملي في الثانية ظهرًا وأعود إلى البيت لتناول الغداء، ثم أستريح لبعض الوقت، ثم أجلس على مكتبي عندما تدق الساعة الرابعة، وأبدأ بالكتابة لمدة 3 ساعات، ثم تليها 3 ساعات أخرى للقراءات المتنوعة، وكنت أبدأ بالكتابة أولاً، لأنني إذا جعلتها بعد القراءة، فلن أنام الليل، لأن الكتابة تصيبني بصداع يتلوه الأرق، وكان عليَّ أن أستيقظ مبكرًا لألحق بمواعيد العمل، وكان الموظف في تلك الأيام ملتزمًا إلى أقصى درجات الالتزام، لأنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك".

- الحياة اليومية.. رحلة البحث عن الموضوع
ويكمل محفوظ: "لم يكن جلوسي اليومي للكتابة بالأمر السهل، لأنه يقتضي أولاً أن يكون موضوع الكتابة قد تخمّر في ذهني، وكان هذا الأمر يجعلني في حالة تفكير مستمر، أثناء وجودي في الوظيفة، وفي أوقات العمل، وفي أثناء المشي، وحتى في وقت تناول الطعام، وفي كل مرة تأتيني تفصيلة من جسم الرواية، وما الرواية إلا مجموعة تفاصيل صغيرة تتجمع وتكوّن العمل الروائي في النهاية".‏

ويشير محفوظ إلى أحد المقومات الأساسية للكتابة، بقوله: "الجلوس للكتابة يقتضي كذلك أن يكون لديك الاستعداد النفسى لها، وفي البداية كنت أجد صعوبة في تهيئة نفسي للكتابة، وأظل ممسكًا بالقلم لمدة ساعة كاملة بدون أن أكتب كلمة واحدة، ومن خلال التعود، وممارسة هذا النظام الصارم، أصبح الاستعداد للكتابة يأتيني بمجرد الجلوس على المكتب، خاصة عندما يكون الموضوع قد اختمر في ذهني واستوى ولم يبق إلا تفريغه على الورق.

في بعض الأحيان كنت أدون بعض الملاحظات والأفكار العابرة التي تأتيني أثناء وجودي خارج المنزل في ورقة صغيرة حتى لا أنساها، وكنت أهتم بتسجيل هذه الملاحظات خلال فترة اهتمامي بالكتابة الواقعية أجلس على المقهى مثلاً، فتجذب اهتمامي ملاحظات وتفاصيل صغيرة كانت تفيدني أثناء الكتابة، وفي مرحلة لاحقة لم يعد لتلك التفاصيل نفس الأهمية، حيث انصب اهتمامي الأكبر على الفكر.

- الشيشة
وعن طقوسه، يواصل: "‏ترتبط الكتابة عندي بعادتين، الأولى: هي التدخين الذي مارسته منذ أن كنت طالبًا في المرحلة الثانوية واستمر معي حتى الآن، كنت في البداية أدخن الشيشـة، ثم وجدت أنها غير عملية، ففي أثناء الكتابة كنت اضطر إلى التوقف، وأضع "الروب دي شامبر" فوق البيجامة التي أرتديها، وأنزل إلى المقهى لتدخين الشيشة فلم يكن في إمكاني تدخينها في البيت، حيث لا أحد يساعدني في تجهيزها فاستبدلت الشيشة "بالبايب"، واكتشفت بعد فترة أن "البايب" يحتاج إلى خدمة مثل "الشيشة" ولم يكن أمامي سوى السجائر، فللأسف لا يوجد هناك ما هو أسهل منها".

- خلفية موسيقية
وأتم حديثه، وإلى جانب السجائر أحب أن تكون هناك خلفية موسيقية أثناء الكتابة، أجعلها في هامش الشعور ولا ألتفت إليها، ثم إنني لا أتناول أي مشروبات بما فيها الشاي والقهوة ويدهشني ما أسمعه عن بعض الكتّاب الذين يحرصون على تناول الخمر أو الحشيش، حتى يهيئوا أنفسهم للكتابة، فعندما أمسك بالقلم لابد أن أكون في أقصى درجات الوعي والتركيز والانتباه ثم إننى لا أستطيع الكتابة إلا على مكتبي في البيت، أما خارجه فلا يمكنني الإمساك بالقلم، وكل أعمالي الروائية كتبتها في البيت.

اقرا أيضا:

المجالس المحفوظية 5.. لماذا دخل نجيب محفوظ بيت الأمة بفردة حذاء واحدة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved