خاص - الشروق تبحث بالرصد والإحصاء: كيف ينقل الإعلام الغربي ما يحدث في غزة؟
آخر تحديث: الخميس 26 أكتوبر 2023 - 3:23 م بتوقيت القاهرة
دراسة وإعداد- الشيماء أحمد فاروق:
بحث إحصائي من الشروق يرصد الأوصاف التي استخدمتها المنصات الغربية عن عملية طوفان الأقصى
الرصد والإحصاء لوسائل الإعلام المبحوثة يؤكد تحيز الإعلام الغربي بنسبة 64%
إسرائيل في معظم الروايات الإعلامية الغربية "مجني عليها"
هل كان الإعلام الغربي غير محايد في تغطية ما يحدث في غزة؟، سؤال يُطرح بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي، بعد انتشار كثير من الملاحظات حول الشائعات التي روج لها الإعلام، -بل والإدارات الرسمية- على سبيل المثال "ذبح حماس للأطفال"، وهو التصريح الذي أدلى به جو بايدن ثم تراجع عنه فيما بعد، ولكن ظلت بعض الوسائل تردده دون دلائل.
وانطلاقاً من هذا السؤال أجرت "الشروق" البحث التالي تحت عنوان "رصد وتحليل الخطاب الصحفي للتقارير المنشورة في 3 منصات إعلامية غربية"، والذي كانت من نتائجه أن نسبة التحيز ضد المقاومة الفلسطينية في 3 منصات إعلامية عالمية بلغت 64%، فماذا يمكن أن نكتشف أكثر؟
منذ 7 أكتوبر الجاري وانقلبت الأوضاع، حيث بدأت حركة المقاومة الفلسطينية حماس معركة طوفان الأقصى، واستطاعت من خلالها أسر عدد من الجنود والمواطنين الإسرائيليين وتدمير واختراق عدد من المستوطنات على حدود غزة، وكان رد إسرائيل صارخاً من خلال قصفها المستمر على المدينة المحاصرة دون ماء أو دواء أو كهرباء أو وقود.
وتركيزاً على التغطية الإعلامية لما جَرى في فلسطين الأسابيع الماضية، أجرينا هذا البحث وفق إطار منهجي يقوم على رصد وتحليل المصطلحات/ الكلمات التي وُصفت بها "حماس" ومعركة "طوفان الأقصى" في 3 منصات إعلامية إلكترونية صادرة باللغة الإنجليزية، وهم :BBC البريطانية وCnbc news الأمريكية وFrance 24 الفرنسية.
وكانت محددات البحث هي: رصد وتحليل المصطلحات/ الكلمات التي وصفت بها "حماس" ومعركة "طوفان الأقصى" في التقارير الصحفية المكتوبة باللغة الإنجليزية، في المنصات الثلاث المذكورة سابقاً، في إطار زمني محدد من "7 وحتى 13 أكتوبر" أي الأسبوع الأول من الحرب.
اُختير معيار إدراج العينات الثلاث "BBC ،Cnbc news ،France 24" من حيث سهولة الوصول لها عبر الإنترنت، فجميع المنصات الثلاث متاحين دون اشتراك للجمهور، بالإضافة إلى أنها ناطقة باللغة من اللغات الأكثر انتشاراً في العالم، وتعبر عن 3 دول مختلفة، الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وهم من أكبر وأهم الدول الداعمة لإسرائيل عامة ومنذ بداية الاشتباك، وكان آخرهم البيان الصادر في 23 أكتوبر بدعمهم الكامل لجيش الاحتلال في هجماتهم على غزة.
أما عن سبب اختيار التقارير كنوع صحفي فقط، لأنها تحتوي على أصوات مختلفة، سواء صوت المنصة الإعلامية نفسها ووصفها للحدث أو أصوات المصادر الواردة في المحتوى المكتوب.
أما عن معيار وحدة العد "اختيار المصطلحات/ الكلمات"، فقد وقع الاختيار على أي وصف توصف به حماس وعملية طوفان الأقصى سواء من المنصة الإعلامية أو المصدر في المنصة داخل محتوى التقرير المنشور في الإطار الزمني المحدد.
- الأرقام تتحدث.. كيف ترى منصات غربية ما يحدث في غزة
نعود مرة أخرى إلى البحث محل الطرح الحالي، والذي نتج عن رصد المنصات الإعلامية الثلاث السابق ذكرهم، 75 تقريرا مكتوبا نشر خلال 7 أيام الأولى، بفحص وتدقيق هذه التقارير تم رصد أكثر من مصطلح/كلمة اُستخدم لوصف "حماس" و"الوضع الراهن" و"معركة طوفان الأقصى"، ومن خلال هذه الكلمات نستطيع فهم بعض التوجهات الإعلامية لهذه المنصات.
وُصفت حماس في التقارير بلفظ "حركة"، والذي تكرر بنسبة 35%، وحركة إسلامية مسلحة بنسبة 9%، حركة إسلامية 4%، مسلحون 15، مقاتلون 8%، منظمة إرهابية 3%، إرهابيون 3%، منظمة مسلحة 3%، أما كلمات أبطال، حركة إرهابية، قوات معادية، نشطاء، فقد استخدم كل منها بنسبة 1%، وحركة المقاومة الإسلامية تكررت بنسبة 9%، ونلاحظ من خلال هذه الأرقام أن الأكثرية من الألفاظ تميل إلى إدانة المقاومة، وذلك يتضح من خلال المخططات القادمة التي تشير إلى نسبة التحيز في كل منصة.
أما بالنسبة للوضع الراهن في غزة، وما يجري من أحداث، فقد اعتمدت كل منصة استخدام كلمات أو مصطلحات دلالية معينة داخل الموقع الإلكتروني الخاص بها يعبر عن الأحداث، وتنوعت التوصيفات شكلاً ولكنها جميعاً ذات دلالة واحدة وهو "تصوير ما يحدث أنه حرب بين إسرائيل وحماس" مع الابتعاد تماماً عن الإشارة إلى كلمة "احتلال" أو "جيش احتلال" خلال التقارير المرصودة.
وانقسمت التوصيفات حيث توصل البحث إلى أن استخدام المصطلح "الحرب بين إسرائيل وغزة" قد تكرر بنسبة 44%، وهو تصنيف مرتبط بشبكة BBC، ومصطلح "حرب إسرائيل وحماس" بلغت نسبة تكراره 24%، وهو تصنيف مرتبط بشبكة France 24، يليه "الحرب بين إسرائيل وحماس" بنسبة 23% لـcnbc news، ثم "الصراع بين إسرائيل وحماس" بنسبة 3% لـcnbc news، كما تم رصد نسبة 7% وهناك 7% من التقارير لم يوضع بها توصيف لـcnbc news.
- نسبة التحيز في وصف الفعل لكل منصة:
وتنوعت التصنيفات التي وضعتها المنصات الإعلامية سواء على لسانها أو لسان المصادر الواردة في التقارير المرصودة لمعركة طوفان الأقصى، أو الفعل الذي قامت به حماس يوم 7 أكتوبر، وبدأ التوصيف بكلمة هجوم ثم تدرج واقترن بتوصيفات أخرى، وهي: هجوم بنسبة 31، هجوم إرهابي 13%، هجوم مفاجئ 21%، مذبحة 4%، هجمات قاتلة 4%، هجوم دموي 5%، عمل إرهابي 3%، عملية إرهابية 3%، اعتداء 2.6%، وذكرت التوصيفات التالية في تقارير مختلفة بنسبة 1%: هجوم وحشي، هجوم مميت، هجوم منظم، أعمال عنف، تسلل، هجوم وحشي، طوفان الأقصى.
كانت كلمة "هجوم" الأكثر استخداماً في تقارير شبكة BBC بنسبة تكرار 56%، وتليها كلمات هجوم مفاجئ 12%، وبنفس النسبة 6% كلً من كلمات اعتداء وهجوم إرهابي، وكلمات مذبحة، وهجوم دموي، مرة واحدة لكل كلمة.
بينما استخدمت شبكة cnbc news كلمات هجوم إرهابي بنسبة تكرار 33%، وهجوم مفاجئ 33%، وكلمات هجوم دموي، وهجوم، ومذبحة بنفس النسبة 8%، ولم ترد كلمة طوفان الأقصى في أي من التقارير نطاق البحث.
أما شبكة france 24 كانت أكثر الكلمات الواردة في تقاريرها هجوم مفاجئ بنسبة 22%، تليها كلمة هجوم صادم 17%، ومذبحة وهجمات قاتلة بنفس النسبة 11%، أما كلمات عملية إرهابية، وهجوم مميت، وهجوم منظم، وهجوم إرهابي ظهرت في التقارير مرة واحدة لكل كلمة.
نلاحظ من خلال الكلمات السابقة عدم وجود ذكر لكلمة طوفان الأقصى إلا مرة واحدة، من خلال شبكة bbc ولم يكن ذلك على لسانها، وإنما على لسان مصدر فلسطيني، وندر وجود مصادر فلسطينية رسمية عموماً في تقارير المنصات الثلاث خلال فترة الرصد، حيث إنها تستهدف المصادر الغربية الرسمية في الغالب للتعليق على الأحداث، دعما للرواية الغربية المتحيزة للكيان المحتل، ولا يوجد تنوع في الأصوات جميعهم يدينون المقاومة، بل وتستخدم المنصات عبارات صريحة متحيزة دون تحري الدقة مثل "تكشف هذه الدردشة بالتفصيل الذي لم نشهده من قبل كيف قامت حماس بمطاردة وقتل وحرق الناس في منازلهم"، وهي جملة مذكورة في تقرير لـbbc في يوم 13 أكتوبر.
وبتتبع الأوصاف التي صٌبغ بها الفعل أو الكلمة المقترنة بوصف حماس، سوف نجد أنه مع مرور الأيام قل استخدام دلالات متحيزة للمقاومة -وهي نادرة في الأساس- وظهرت أكثر دلالات ضدها.
- إسرائيل لا توصف أنها احتلال
من الملاحظات التي دُونت على هامش الرصد المخصص الذي وضع للحصول على النتائج السابقة، أنه لا يوجد وصف لإسرائيل بكلمة احتلال في كل التقارير الصحفية المكتوبة التي كانت في إطار العينة والاكتفاء بالكلمة مجردة "إسرائيل" أو الجيش الإسرائيلي.
كما تكتفي جميع المنصات التي في إطار الرصد بوصف قصف إسرائيل على غزة بكلمة "قصف أو غارة" دون إرفاق الكلمة بتوصيفات مثل "دموي" أو "وحشي"، كما حدث في توصيف أفعال المقاومة، والتركيز في بعض التقارير على تصوير ما يحدث أنه حرب بين "إسرائيل وحماس" يدفع ثمنها المدنيون من الجانبين.
وفي إطار الرصد أيضاً لوحظ تقديم ذكر الأرقام والمعلومات الخاصة بقتلى إسرائيل في بداية التقارير، أما ما يحدث في غزة يذكر في نهاية التقرير عادة وأحياناً أخرى لا يذكر.
- المأزق بين فعل "الإرهاب" و"المقاومة"
تعرف "المقاومة المسلحة" أنها "مجموعة من المواطنين من سكان الأراضي المحتلة والمهاجمة من قبل العدو الذين حملوا السلاح وتقدموا لقتال العدو سواء كان ذلك بأمر من حكومتهم، أو بدافع من وطنيتهم وواجبهم" وفق ما ورد في كتاب العدوان الصهيوني والقانون الدولي، أو "لجوء أو قيام السكان بالقوة للإطاحة بالسلطة المحتلة لتحرير أراضيهم وتحقيق الحرية والاستقلال الوطني" بحسب البحث القانوني "موقف القانون الدولي المعاصر من مشروعية استخدام القوة المسلحة في إطار المقاومة التحريرية".
أضحى مُعترفا بالصفة الدولية لحركات المقاومة الشعبية المسلحة ويضفي عليها شرعية دولية في القانون الدولي المعاصر، من خلال القانون الدولي الاتفاقي كما تجسد في اتفاقيات جنيف الـ4 لعام 1949 وبروتوكوليها لعام 1977، ومن خلال القرارات العديدة التي أصدرتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
كما أن مشروعية لجوء حركات المقاومة الشعبية إلى استخدام القوة المسلحة ضد الدولة المحتلة أو القائمة بممارسة التفرقة العنصرية الصارخة، على حق الدفاع الشرعي، حيث إن هذا الحق كما أقرته المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يتسع ليشمل بالإضافة إلى الدول، الشعوب والأفراد وحركات المقاومة الشعبية، وفي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1969 أكد أحقية الشعوب في استعمال القوة من أجل الاستقلال.
أما مصطلح "الإرهاب" أو العملية الإرهابية فهو يعرف أنه "كل عمل يكون غرضه بحكم طبيعته أو سياقه هو ترويع الجمهور أو حكومة أو منظمة دولية من خلال الإتيان بأي فعل أو الامتناع عنه بقص الوفاة أو الإصابة البدنية الخطيرة لشخص مدني أوي حالة الصراع المسلح، أو يمثل خطر على صحة وسلامة الجمهور، وينشأ عنه تلف ممتلكات عامة أو خاصة" بحسب الدليل التشريعي للاتفاقيات والبروتوكولات العالمية لمكافحة الإرهاب" الصادر عن مكتب الأمم المتحدة.
و"القانون الدولي العام يعد الإرهاب عمل غير مشروع ويختلف عن المقاومة والكفاح المسلح باعتبارهما حقوق قانونية مشروعة، إلا أن بعض الدول الكبرى الاستعمارية تحاول الخلط بين الإرهاب والمفاهيم الأخرى وتطلق صفة الإرهاب على هذه الحركات وأنشطتها مستغلة بعض الثغرات الموجودة في القوانين الدولية.. وهذه الثغرات تأتي من كونها لأنها تنطلق من خلال التأكيد النتائج التي تنفذ بها العمليات مثل بث الرعب والعنف والضحايا، دون الالتفات إلى الأسباب المؤدية لها مثل الاحتلال الذي يعد مبرراً مقاومته في تعريفات القوانين الدولية، وعدم التمييز بين حروب الاستقلال والمقاومة في مواجهة الاحتلال والإرهاب"، وفق البحث المنشور في المجلة السياسية والدولية للدكتور محمد دحام الكردي.
وذلك ما نراه متجسداً بالفعل في توصيفات وتصريحات المسئولين الدوليين لدول مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، حيث حرص زعماء هذه الدول على زيارة إسرائيل "فلسطين المحتلة" وتقديم الدعم الكامل لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
وقال بايدن من تل أبيب "ما حدث في إسرائيل يشكل 15 ضعفا لما حدث في 11 سبتمبر"، وأشار إلى أنه سيطلب من الكونجرس الأمريكي تقديم مساعدة "غير مسبوقة" لإسرائيل.
أما إيمانويل ماكرون أكد، أن فرنسا ستدعم إسرائيل في حربها ضد "الإرهاب" وأن ما حدث "لن يُنسى أبداً".
بينما وصف ريتشي سوناك ما حدث أنه "عمل دموي مريع"، وأكد دعمه لإسرائيل.
ولم يتحدث أي من القادة الثلاث عن ضحايا غزة أو الأفعال التي يرتكبها الاحتلال من قصف عشوائي للمدنيين، أو الإشارة لحق الفلسطينيين في المقاومة.