رواية أثر النبي لـ محمد أبو زيد.. تعبير أدبي مدهش عن عوالم شباب بداية الألفية

آخر تحديث: السبت 26 أكتوبر 2024 - 12:26 م بتوقيت القاهرة

أسماء سعد

رحلة مفعمة بالمشاعر المتضاربة للتعبير عن واقع ما بعد حرب الخليج الثانية

 

 

نصوص أدبية تسعى لفهم العالم، إطار فلسفى لفصول كتبت بلغة التكثيف، نجدها فى رواية «أثر النبى» الصادرة عن دار الشروق، للشاعر والروائى محمد أبو زيد، حيث يكون القارئ بصدد نص أدبى يمتاز بتدفق المشاعر وعمق المعانى، يسيطر عليه بشكل أساسى اكتناز وكثافة اللغة، لمناقشة قضية واقعية تماما.

تبدأ الرواية بمشهد عودة البطل إلى بيته ليجد زميله فى السكن جثة هامدة. تجتاحه مشاعر الصدمة والخوف ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل، ثم نجد أن أبو زيد ببراعته اللغوية وحنكته السردية، ينسج خيوط قصته ببراعة فائقة، وكأنه يبدأ رحلته من قلب الجرح ليكتب عن المعرفة كألم نابض بالحياة.

ترصد رواية «أثر النبى» بعمق تحولات جيل بأكمله، إذ تعكس بوضوح التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى شهدتها مصر فى فترة مشهودة، تتجاوز الرواية حدود الزمان والمكان لتكون شاهدة على حقبة تاريخية حافلة بالأحداث، والتى تركت أثرًا عميقًا ليس فقط على مصر بل على المنطقة العربية بأسرها.

فى هذه الرواية، يترك المؤلف بصمة مؤثرة على ذهن وعقل القارئ، حيث تتجسد رحلة داخلية بعمق، يمزج الكاتب فيها بين الواقع والتجريب بهدف نسج حكاياته بشكل مغاير، مما يضفى على النص سحرا خاصا، وجاءت واحدة من أهم نقاط التميز، أن الأحداث بدأت فى الرواية من قلب الصدمة، حيث يعود البطل إلى مسكنه ليجد صديقه ملقى بلا حراك، تسكنه الرعب والحيرة، وتتوالى الأسئلة فى ذهنه بلا إجابة. فكيف سيواجه هذه المأساة؟ وكيف سيستعيد توازنه بعد هذا الصدمة المفاجئة؟ أسئلة تشكل حجر الزاوية فى هذه الرواية المشحونة بالعواطف المتضاربة.

على مدار 128 صفحة، يتأكد القارئ على أن تلك الرواية تبدو أقرب لكونها شهادة على زمن وإن لم يعد موجودا، لكن يجب الاطلاع على معطياته وتطوراته التى تؤثر فى حاضرنا اليوم، نصوص تبرز أحداثا مفصلية بالنسبة للجيل الأحدث عمرا وسنا، حيث تؤرخ للحظة مفصلية فى تاريخ الأمة العربية، وهى الاحتلال الأمريكى للعراق 2003 والتى لم يعد ما بعدها يشبه ما كان قبلها.

جاءت عناوين الفصول بشكل مميز ودال على المحتوى الذى يتعاطى معه القارئ بسهولة، حيث نجد عناوين مثل «سورة القدر، سورة التوبة، وقص الأثر سورة الجن، أثر النبى، واقرار منى بذلك، وطالب علم».

كما حافظ الشاعر والروائى محمد أبو زيد على إيقاع سريع مدعوم بالكثير من التنويعات اللغوية العامية التى تحافظ على النسق المتصاعد فى فصول الرواية دون أى لحظة من لحظات الرتابة والملل، مع الكثير من الاقتباسات الذكية والتى جاءت فى موضعها تماما كالتى وضعها لجلال الدين الرومى أو ابن الفارض وتلك العبارات من مدائح الصوفية.

استطاع محمد أبو زيد التعبير ببراعة عن تفاصيل العالم المدهش لشباب بداية الألفية عن أحلامهم وآمالهم الكبيرة وخسائرهم الكبرى، فى زمن حساس وحرج شهد تناميًا للجماعات الدينية المتشددة، وتغير فيه العالم بعد حرب الخليج الثانية، وفى رواية «أثر النبى» لمحمد أبو زيد، نسافر عبر الزمن مع بطلنا منذ طفولته البريئة فى القرية، يترك دياره بحثًا عن المعرفة فى المدينة الصاخبة. هناك، يلتقى برفقاء درب يجمعهم الحلم ذاته، لكن القدر يجعلهم يعيشون على هامش المدينة التى حلموا بها، فى صراع بين الأمانى والواقع المرير.

تكتظ الرواية بومضات تشعر القارئ بتضارب مشاعر الوحدة والألم، الصداقة والانتماء، وقيام وانهيار الحب، يحاول من خلالها البطل تتبع علامات الذين سبقوه وترك أثر لمن يأتى بعده، وليس أفضل تعبيرا عن ذلك مما كتبه المؤلف فى بداية الرواية: أكتب لأنسى، لأفرغ ذاكرتى على الورق وأصير طليقا، لأتجاوز وحدتى فى هذا العالم.

يشار إلى أن محمد أبو زيد؛ شاعر وروائى وصحفى مصرى، مؤسس ورئيس تحرير موقع الكتابة الثقافى، صدر له ثمانية دواوين وروايتان: «أثر النبى»، عام 2010، و«عنكبوت فى القلب»، عام 2019 التى فازت بجائزة ساويرس الثقافية فى الرواية - فرع كبار الكتاب، وحاز جائزة سعاد الصباح فى الشعر عن ديوانه «أمطار مرت من هنا»، عام 2005، وجائزة الدولة التشجيعية فى الشعر، عن ديوانه «جحيم»، عام 2021، وترجمت قصائده إلى الفرنسية والإسبانية والبرتغالية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved