خبراء: الطاقة النووية نهضة حضارية وتنمية مستدامة
آخر تحديث: الخميس 27 فبراير 2025 - 11:54 ص بتوقيت القاهرة
أكد خبراء متخصصون فى مجال الطاقة النووية أنه في رحاب التطور العلمي الذي يشهده عالمنا المعاصر تبرز الطاقة النووية كشمسٍ ساطعة تنير دروب التقدم والازدهار، وتفتح آفاقاً رحبة نحو مستقبلٍ أكثر إشراقاً وأماناً. فلم تعد الطاقة النووية مجرد مصدرٍ للكهرباء، بل أضحت رمزاً للنهضة الحضارية ومحركاً رئيسياً لعجلة التنمية المستدامة في شتى مجالات الحياة ، ويأتي هذا العام ليحمل أهمية خاصة حيث نحتفل بالذكرى الثمانين لانطلاق الصناعة النووية الروسية والتي شكلت منذ نشأتها أحد أعمدة التطور العلمي والصناعي في العالم.
وأضاف الخبراء أن صروح الطاقة النووية هاهى تنتصب شامخةً في ربوع الأرض تروي ظمأ المدن المتعطشة للطاقة، وتغذي المصانع بنبض الحياة على مدار الساعة. وكأنها قلب نابض يضخ شريان الكهرباء في عروق الاقتصاد الوطني، محققةً معجزةً تنموية تتجلى في خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتوفير طاقة مستقرة بتكلفة تنافسية تعزز القدرة الإنتاجية للصناعات المحلية وتدفع عجلة الاقتصاد نحو آفاق أرحب. إن تأثير مشروع الضبعة يتجاوز بكثير توليد الطاقة. فهو يعد حالياً أكبر مشروع نووي في العالم قيد الانشاء، حيث يعمل به أكثر من 20 ألف عامل، أكثر من 70% منهم مصريون بالإضافة إلى آلاف الوظائف الدائمة بعد تشغيلها. ولا تعمل هذه المبادرة على خلق فرص عمل مباشرة فحسب، بل تعمل أيضاً على تحفيز تطوير البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك الإسكان والمرافق وخدمات الرعاية الصحية وأنظمة الأمن والخدمات اللوجستية للنقل بما يسم بدوره في تحفيز الاقتصاد المحلي وفتح فرص عمل غير مباشرة عبر قطاعات متعددة، مثل خدمات التجزئة والخدمات المهنية.
واستطرد الخبراء: أنه علاوة على ذلك، فإن الصناعة النووية ليست حكرًا على العلماء والمهندسين فقط. فمحطة الطاقة النووية تعمل كنظام بيئي متكامل ومستدام، يتطلب وجود محترفين من مختلف المجالات، بما في ذلك الموارد البشرية، الشؤون القانونية، إدارة سلاسل التوريد، العلاقات العامة، تكنولوجيا المعلومات، الشؤون المالية، والاستدامة البيئية. هذا التنوع في الخبرات يعكس الفوائد الاجتماعية والاقتصادية الواسعة للطاقة النووية، مما يضمن أن يكون البرنامج النووي المصري محفزًا للتنمية الوطنية الشاملة.وبالإضافة إلى خلق فرص العمل، لطالما كانت التكنولوجيا النووية محركًا للتقدم العلمي، حيث ساهمت في تحقيق ابتكارات في مجالات الطب، والعلوم، وحتى استكشاف الفضاء. وتدرك مصر الأهمية الاستراتيجية لتطوير الخبرات النووية، حيث تعمل بشكل وثيق مع روساتوم وشركاء دوليين آخرين على تأهيل وتطوير كوادر محلية متخصصة. ويشمل ذلك برامج تدريبية شاملة للمهندسين والعلماء وصناع القرار، لضمان بقاء المعرفة النووية محلية ومستدامة لخدمة الأجيال القادمة.
وأوضح الخبراء لعل أهم ما يميز مشروع الضبعة، هذا الانجاز العلمي والهندسي الكبيرهو ذلك التناغم الفريد بين القوة والأمان، إذ تقف شركة روساتوم رائدة التكنولوجيا النووية في العالم شاهدة على هذا التميز بسجلها الحافل في مجال السلامة النووية. فقد أرست الشركة الروسية العالمية قواعد راسخة للأمان النووي متخذةً من التكنولوجيا المتطورة درعاً واقياً، ومن الخبرة البشرية سيفاً قاطعاً في وجه أي مخاطر محتملة.
وقال الخبراء ..تتجلى هذه المنظومة الأمنية المتكاملة في عدة مستويات بدءاً من التصميم الهندسي المحكم مروراً بأنظمة الحماية المتعددة، وصولاً إلى برامج التدريب المستمر للكوادر البشرية والرقابة البيئية الشاملة. ووتقوم روساتوم حاليا تنفيذ 39 مفاعلا نوويا بأحجام مختلفة وقدرات مختلفة في 10 دول حول العالم بما يعزز مكانتها كشركة رائدة في هذا القطاع الحيوي ، ولا شك أن تطور السلامة النووية خلال العقود الثمانية الماضية يعكس مدى التقدم التكنولوجي الذي شهده هذا القطاع منذ نشأته.
وأكد الخبراء أنه في خضم التحديات البيئية التي تواجه كوكبنا تبرز الطاقة النووية كمنقذٍ بيئي يحمل على عاتقه مسئولية الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. فكل محطة نووية تمثل واحة خضراء تتنفس نقاءاً، وتزيح عن كاهل البيئة أطناناً من الملوثات التي كانت ستنبعث من محطات الوقود التقليدية. وتشير الدراسات العلمية إلى أن محطة نووية واحدة متوسطة الحجم تسهم في تجنب انبعاث ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، مما يجعلها حليفاً قوياً في معركة التصدي للتغيرات المناخية. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الطاقة النووية ساهمت في تقليل أكثر من 70 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1971.
وذكر الخبراء أن آثار الطاقة النووية الإيجابية تمتد لتشمل النسيج الاجتماعي بأكمله، فهي تخلق مجتمعات حضارية متكاملة حول محطاتها التي تنبض بالحياة والنشاط الاقتصادي. فالمحطة النووية ليست مجرد منشأة صناعية بل هي مركز إشعاع حضاري يجذب الاستثمارات، ويطور البنية التحتية ويرفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية في المناطق المحيطة. كما أن برامج التدريب والتأهيل المرتبطة بها تسهم في بناء كوادر وطنية عالية التخصص، قادرة على قيادة مسيرة التطور التكنولوجي في شتى المجالات. وقد قامت روساتوم بتدريب آلاف المهندسين والمتخصصين في الدول التي نفذت فيها مشاريعها، لضمان نقل المعرفة وتعزيز القدرات المحلية.
وفي هذا السياق يمثل المنتدى الدولى للشباب للتكنولوجيا النووية المستدامة محطة هامة في مسيرة هذه الصناعة، حيث يسلط الضوء على دورالأجيال الشابة في مواصلة الابتكار والتطوير في قطاع الطاقة النووية. وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الثمانين للصناعة النووية الروسية، يعتبر المؤتمر فرصة ذهبية لجمع العقول الشابة والخبراء لمناقشة التحديات المستقبلية واستعراض الإنجازات التي تحققت على مدار العقود الماضية..كما إن الطاقة النووية بما تملكه من إمكانات هائلة وتقنيات متطورة، تمثل اليوم خياراً استراتيجياً لا غنى عنه في مزيج الطاقة المستقبلي. فهي تجمع بين الكفاءة الاقتصادية والمسئولية البيئية وتوفر أساساً متيناً للتنمية المستدامة. ومع التطور المستمر في تقنيات السلامة النووية وتراكم الخبرات العالمية في هذا المجال، تزداد الثقة في قدرة هذا القطاع الحيوي على تلبية احتياجات التنمية مع الحفاظ على أعلى معايير السلامة والأمان.
وأضاف الخبراء انه مع تسارع الانتقال العالمي في مجال الطاقة، تشهد الطاقة النووية عصرًا جديدًا. وتقود مصر إفريقيا في هذا العصر الجديد، مما يبرهن على أن الطاقة النووية ليست حكرًا على الاقتصادات المتقدمة فحسب، بل تُعد مسارًا قابلاً للتطبيق لأي دولة ملتزمة بخطط التنمية المستدامة وتحقيق الازدهار الاقتصادي، وأمن الطاقة، والعمل المناخي. ومن خلال تبني التكنولوجيا النووية، فإن مصر لا تؤمن مستقبلها من الطاقة فحسب، بل تُثبت أيضًا مكانتها كقائدة إقليمية في هذا المجال.
وفي الختام تقف الطاقة النووية اليوم شامخةً كشاهدٍ على قدرة الإنسان على تطويع قوى الطبيعة لخدمة البشرية محققةً معادلة صعبة تجمع بين القوة والأمان، بين التنمية والاستدامة، بين الحاضر والمستقبل. .فهي بحق شمس المستقبل المشرقة التي تنير درب التقدم والازدهار للأجيال القادمة، وتضع بصمتها الواضحة في مسيرة التقدم الحضاري للبشرية جمعاء.