حلمى التونى فى «مواويل»: أتحدى الاكتئاب والتشاؤم.. ولوحاتى مبتسمة تحمل السرور

آخر تحديث: السبت 27 مارس 2021 - 11:43 ص بتوقيت القاهرة

كتبت ــ شيماء شناوى وإسراء حامد:

الفنان الكبير حلمى النوتى.. يستمد من عشقه للموسيقى وولعه بالشعر العربى معرضه الأخير، فهو القائل «أنا مغنى بالفرشاة والألوان». يحمل المعرض عنوانا بالغ التعبير عن حالة اللوحات «مواويل» المقام فى قاعة بيكاسو بالزمالك.

فى معرض «مواويل» يُعيدنا «التوني» إلى مصر وعصرها الذهبى وما اعتادنا وصفه بزمن الفن الجميل إشارة إلى النهضة الفنية الثقافية الحقيقية، وذلك فى معادلة فنية طرفاها أبيات الشعر العربى المختار بعناية، والطرف الآخر من الآلات الموسيقى وتراث الغناء الشعبى، ليُشيد من طرفى هذه الفنون عالمه البصرى المفعم بالبهجة والسلطنة الفنية.

 

بين أركان معرضه الجديد فى قاعة بيكاسو بالزمالك، تتراص لوحات حلمى التونى، فى تناغم لونى يشع بالموسيقى التى يكاد يسمعها الزائر وهو يقرأ ما خطه «التوني» داخل لوحاته، ففى هذا الجانب وبينما يتأمل وجه المرأة التى تحيط عنق زوجها بضفائرها، مصحوبة بعبارة «مفقود مفقود مفقود»، سيستعيد ما كتبه نزار قبانى وغناه العندليب من قصيدة «قارئة الفنجان». وأمام لوحة صاحبة العيون الواسعة المغطاة بـ«البيشة» يستعيد صوت موسيقار الأجيال ويدندن مع ما دونه التونى «جفنه علم الغزل» وهكذا ينتقل الزائر عبر كلمات الـ«مواويل» واللوحات إلى رحلة من الألحان الخالدة فى ذاكرته.

وفى شكل من أشكال التمرد الفنى على الواقع الراهن وسط هذا العالم المضطرب والمتغير، عزم التونى على إقامة معرضه الفنى الجديد «مواويل»، كنافذة أمل وتفاؤل يشرعها فى وجه القلق السائد المصاحب لعصر كورونا، ذلك رغم تخوفه من ضعف الإقبال، لكن محبى التونى وجمهور إبداعه الفنى جعل من المعرض حدثًا فنيًا فريدًا شهد حضورًا قويًا من قبل رموز الثقافة والفن والدبلوماسية العربية، وعن هذا يقول التونى: «أنا أتحدى الاكتئاب والتشاؤم، وعلى الرغم من تخوفى حول نسبة الإقبال هذا العام إلا أن الإقبال كان أفضل بكثير مما توقعت، وهو التحدى الذى راهنت به فنجح وأثمر عن النتيجة المرجوة بالنسبة لي».

 

ويضيف التونى فى تصريحه لـ«الشروق»: أنا بتكلم عربى ولوحاتى بتتكلم عربى وزى ما فنى بيتكلم عربى، فأنا أكره فكرة أن يكون الفن متجهما أو عابسا فطالما كانت أعمالى مبتسمة تحمل السرور، للأسف الشديد قد يكون المجتمع حزينا وغضبانا مما ينتج عنه بعض الفن القبيح وهذا ما لا أنتهجه فى فني». ويلاحظ التونى خلال الفترة الأخيرة ظهور أعمال فنية تتسم بالقبح أو الغضب مفسرا ذلك بأسباب نفسية أو ما وصفه بإدعاء الثقافة، مشيرًا إلى أن النمط السائد كان يشدد على أن الفنان غاضب مقفهر تعتريه حالة من المعاناة والرفض أغلب الوقت، وهو ما يرفضه التونى ويراه أمرا غير حقيقى أو طبيعى.

لذلك نرى فى المعرض لوحات مشحونة بالجمال الأنثوى، وسحر الخيال وزخارف مستمدة من التراث المصرى الشعبى، حيث يشيد الفنان حلمى التونى عالمه الفنى الفريد المُطل على فضاء جديد قوامه من البهجة والتفاؤل والجمال والسلطنة الفنية التى يقدمها عبر فنية سردية موزعة بين مواويل «التخت الشرقي»، «الحصان السحري»، «الماء/ النيل»، «حبيبتى السمكة»، «البلح والقمح»، «سحر الأبيض والأسود»، «أغانى الحب».

 

وعن المعرض وتنوعاته الفنية الجديدة يقول التونى: اعتاد معى زوار معارضى السنوية، على مدى عشرات المعارض، أن أقدم فى كل معرض موضوعا واحدا، أو كما يقول أهل الفن «تيمة» واحـدة، أتناولـه فى مشـاهد متنوعـة، وكأنـه قصيـدة شـعر واحـدة بهـا أبيـات عدة، أو قطعة موسـيقية من النوع المسمى «Variations on a Theme» تنويعات على لحن واحد.

 

ويضيف: بداية من هذا المعرض، وبسبب تزاحم الأفكار والرؤى، قررت أن أطلق العنان للخيال الحر الطليق، فبدلًا من تأليف «رواية طويلة» تحتـوى علـى فصـول عـدة، أقـدم هنـا «مجموعـة قصص قصيرة» أسـميتها «مواويل»، ولعل القارئ / المشاهد يلاحظ أنى لجأت إلى تشبيهات من فنون أخرى، غير الرسم، فنون الموسيقى والأدب، هكذا أرى أنواع الفنون إخوة أو أولاد عم.

 

يرى الناقد والمثقف الكويتى الكبير خالد العبدالمغنى، أن القيمة الجمالية فى لوحات حلمى التونى لا تقف عند حدود تأصيله للفن الشعبى الموروث وإعادة صياغته بلغة تشكيلية معاصرة، وتزويده للعين بالمتعة البصرية، ولكن يضاف إلى ذلك كله حريته فى التعبير ومهارته فى تبسيط الأشكال وقدرته على توظيف وتأويل الرمز الشعبى لأكثر من معنى وفقًا لموقعه فى سياق الموضوع، وذلك من خلال وعى وإدراك عميقين للتراث الإنسانى جامعًا ما بين الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة والواقع والخيال واليقظة والحلم.

 

عند النظر إلى أسلوب التونى فى الرسم نجده يُحيط أعماله دائمًا بمناخ لونى خاص ما بين اللوحة والأخرى، وفقا لموضوعه المستخلص من التراكم المعرفى العميق بفنون الحضارات التى نشأت على أرض مصر، مستمدًا من روح الفنان الشعبى الحس الفطرى فى الأداء؛ ليعالجها مجتمعة بلغته التشكيلية الخاصة حيث الإنسيابية فى الخطوط والتناغم اللونى فى حوار الظل والضوء والتلقائية فى توظيف الرموز، مثل الهدهد، السمكة، البيضة، كل حسب دلالته الرمزية التى تتشكل بعفوية فى اللوحة من خلال الرسم.

 

التونى بحسب «المغني»، من الفنانين الذين يؤمنون بأن عالمية اللوحة لا تعنى انسلاخ الفنان عن واقعه الاجتماعى ومحيطه التراثى والحضارى، وأن الخوض فى تجارب الحداثة والتقليد والتغريب بغية مخاطبة الغرب والعالم لن يؤدى إلى التطور أو القبول والاعتراف باللوحة ما لم ترتكز على الموروث الفنى والهوية الخاصة لتراث المجتمع الذى ينتمى إليه الفنان ومن ثم معاصرتها للواقع وتضمينها بعدًا إنسانيًا يخاطب به الوجدان شريطة آلا تنزلق للنص السياحى أو تميل للرسم الافتعالى.

 

فى هذا المعرض يقدم التونى عدة موضوعات مختلفة على نسق المواويل منها موال يلامس الموسيقى والأغانى باعتبارهما غذاء الروح وملاذا للفرح وموال يحتفى بالنيل والماء وآخر بالبلح والقمح باعتبارهما من خيرات أرض مصر ومصدرًا للحياة، وموال يتخذ من الحصان السحرى طائرًا يحلق بالحب ويسبح فى الخيال، وموال بعنوان سحر الأبيض والأسود، يستحضر مشاهد من الحلم بالإضافة إلى موال حبيبتى السمكة، الذى يرمز إلى للخصوبة والديمومة.

 

حلمى التوني.. فنان يغلب على أعماله الطابع والذوق المصرى الخالص، ويتميز بسهولة تعبيره، وهو ما جعله واحدا من أشهر الفنانين الذين رسموا فى الصحف والمجلات وأدب الطفل. خلق لنفسه مساحة فى قلب المثقفين والأطفال على حد سواء. الأطفال يذهبون إلى معارض الكتاب، ليشتروا الكتب بسبب رسوماته البديعة على أغلفتها، بعدما يجذبهم التشكيلة اللونية على الكتاب، والتى تصدر لهم طاقة إيجابية مبدعة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved