نساء من عصر التابعين (2).. حفصة بنت عبدالرحمن.. حفيدة أبي بكر تسير على خطى عمتها عائشة

آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024 - 11:05 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر التابعين برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة، كتاب "نساء في عصر التابعين" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

جدها الصديق أبو بكر، أول من أسلم من الرجال، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وكانت له في الإسلام مواقف رفيعة لا يمكن أن تحصر في كتاب، وله أوليات لا توجد لغيره منها: أنه أول خليفة في الإسلام، وأول أمير أرسل على الحج، حج بالناس سنة تسع من الهجرة، وأول الخلفاء الراشدين وأفضلهم، وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن الكريم كله.

وجدتها لأبيها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، حماة رسول الله الله، وأم زوجه عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -، وأم رومان من فاضلات نساء الإسلام، ومن المهاجرات الأول، ومن القانتات العابدات، وفيها يقول له: (من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان).

أما عمتها شقيقة أبيها فهي عائشة أم المؤمنين بنت الإمام الصديق الأكبر، خليفة رسول الله الله أبي بكر، وزوجة نبي الله، وأفقه نساء الأمة على الإطلاق.

وأما خالتها فهي أم سلمة أم المؤمنين، السيدة المحجبة الطاهرة، هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومي، من المهاجرات الأول، ومن أشرف النساء حسباً ونسباً، وهي آخر من مات من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً، وكانت تعد من فقهاء الصحابيات - رضي الله عنها -.

وأبوها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، شقيق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -، أحد فرسان مدرسة النبوة، وكان أسن أولاد الصديق، وكان من الرماة المذكورين والشجعان المشهورين، قتل يوم اليمامة - وحده - سبعة من كبار المشركين، وكان سلفاً لرسول الله.

وأمها قريبة بنت أبي أمية المخزومية، أخت أم سلمة - أم المؤمنين - لأبيها، وقد أسلمت وبايعت النبي الله، وتزوجت عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان في خلقه شدة، فقالت له يوماً: أما والله لقد حذرتك. قال: فأمرك بيدك. قالت: لا أختار على ابن الصديق أحداً؛ فأقام عليها فلم يكن طلاقاً؛ وهذا دليل على فضلها وكرم أصلها.

نشأت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، فكانت من شهيرات التابعيات اللواتي تؤخذ عنهن الرواية.

مَعَ عَمْتِهَا عَائِشَة

لقيت حفصة في كنف عمتها عائشة أم المؤمنين، كل رعاية واهتمام، وكانت عائشة - رضي الله عنها - تحبها وتكرمها ، وتنظر في شؤونها، ولما بلغت حفصة مبلغ الزواج زوجتها من أحد الأكفاء، ومن وجوه قريش وشجعاتهم وأكابرهم المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي، ابن أخت عائشة من أسماء.

وكان المنذر منقطعاً إلى معاوية - رضي الله عنه -، وقد أوصى معاوية أن يحضر المنذر غسله، وللمنذر أخبار كثيرة، وقتل مع أخيه عبد الله سنة ٧٣ هـ.

وفي (الطبقات)، ذكر ابن سعد أن عائشة رضي الله عنها -، قد زوجت ابنة أخيها حفصة من ابن اختها المنذر، وكان إذ ذاك عبدالرحمن غائباً عن المدينة، فلما قدم من سفره، لم يجز ذلك النكاح ورده، وعندما صيّر أمر ابنته حفصة إليه، عندئذ دعا المنذر وزوجها إياه.

ويبدو أن هذا الزواج كان زواجاً موفقاً ، فقد ولدت حفصة للمنذر، وكان لها من الذكور ولدان وهما: عبد الرحمن وإبراهيم، وولدت له ابنة اسمها قرينة بنت عبد الملك، ونشأ هؤلاء الأولاد في رعاية أمهم وأبيهم فكانوا من فضلاء عصرهم .

رِوَايَتُهَا وَحِفْظُهَا:

لعل البيئة التي عاشتها حفصة بنت عبدالرحمن، والأسرة التي عاشت في كنفها جعلتها من ثقات الراويات للحديث النبوي الشريف، ومن الواضح أن حفصة روت عن أقاربها فقط، وكلهم ثقة أعلام في الحفظ والإتقان.

وروت عن أبيها عبد الرحمن بن أبي بكر، وروت عن عمتها عائشة أم المؤمنين أكثر النساء الصحابيات معرفة لأحوال النبي الله ، كما روت عن خالتها أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها.

ومن الجدير بالذكر أن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - أكثر نساء الإسلام على الإطلاق رواية وحفظاً لأحاديث النبي الله ، فقد روت عائشة رضي الله عنها - عن رسول الله ﷺ ۲۲۱۰ أحاديث، وأما مسند أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - فيبلغ ۳۷۸ حديثاً.

أما الذين رووا حفصة بنت عبد الرحمن، فكلهم من كبار علماء التابعين، ومن العاملين في فنون الحديث النبوي الشريف، وقد روى عنها: عراك بن مالك، وعبد الرحمن بن سابط، ويوسف بن ماهك، وعون بن عباس، وأحاديثها مروية في الصحيح ، وفي السنن، وروى لها الإمام مسلم في صحيحه، ومن رجال السنن: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

أما عن توثيقها، فقد وثقها علماء الحديث، فقال عنها العجلي: حفصة بنت عبد الرحمن تابعية ثقة، وأما ابن حبان فقد ذكرها في الثقات.

مِنْ أَخْبَارِهَا الفِقْهية:

في مدرسة أم المؤمنين عائشة تخرجت حفصة ابنة أخيها، وكانت حفصة - رحمها الله - تلازم عمتها وتقتدي بها في أعمالها، وتستمع إلى كل ما ترشدها إليه عائشة من الأمور الشرعية أو ما يهم أمور النساء؛ وكانت عائشة - رضي الله عنها - تعلم حفصة حقيقة الحجاب الصحيح ، وكيفية اللباس الشرعي للمرأة المسلمة.

أخرج ابن سعد بسنده عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت: رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، دخلت على عائشة رضي الله عنها - وعليها خمار رقيق يشف عن جيبها، فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟، ثم دعت بخمار فكستها، وكان الحمار كثيفاً.

وربما كانت عائشة - رضي الله عنها - تقصد قول الله عز وجل: وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن﴾ [ النور : ٣١ ].

والتزمت حفصة رحمها الله باللباس الذي أوصتها به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - في فقه لباس المرأة.

ويتوقف التاريخ، فلا يحدثنا عن وفاة حفصة بنت عبد الرحمن، ولا يشير إلى زمن وفاتها، ولكنه ترك لنا من مروياتها ما جعلها تعيش أبد الدهر في أذهان العلماء والمحدثين.

اقرأ أيضا: نساء من عصر التابعين (1).. خيرة أم الحسن البصري: مولاة أم المؤمنين التي روى لها كل الجماعة إلا البخاري

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved