أيام القاهرة (2).. لماذا اعتبرها الفاطميون مدينة مقدسة؟

آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024 - 9:17 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

يحتفظ شهر رمضان في مصر بخصوصية وتفرد عن غيره من أيام السنة؛ حيث تزخر به الطقوس والعادات المميزة التي تضفي أجواء فريدة من البهجة والسعادة.

ووسط تلك الأجواء يأتي حضور القاهرة وشوارعها التي تشهد على سهرات وتجمعات العائلات والأصدقاء فيما يشبه المهرجانات المتصلة بلا انقطاع.

ونشارك ونطل مع قراء "الشروق" على لقطات ساحرة من تاريخ القاهرة الذي يعود لأكثر من ألف عام، وصور إلهامها للمبدعين، وذلك في حلقات مسلسلة بعنوان "أيام القاهرة" على مدار النصف الثاني الثاني من شهر رمضان المبارك.

الحلقة الثانية..

تحدثنا في الحلقة السابقة عن تاريخ مبكر من القاهرة بإطلالة سريعة من زاوية موقعها الجغرافي؛ حيث كان يحتل على جزء منها مدينة عرفت بالقطائع، "حي". كما قسمت الأحياء إلى شوارع سكك"، و"أزقة ضيقة بها "مساجد"، ومطاحن طواحين"، وحقامات عاقة "حمامات"، ومخابز "أفران" أيضًا.

وكانت بعض الأحياء مخصصة لخدم القصر "فراشين"، وللسودانيين، والنوبيين، والروم، بالإضافة لمنطقة معينة تُسمى هارون وكذلك، كان للعبيد "الغلمان" منطقتهم الخاصة، واليوم من المستحيل تحديد مكان وجود هذه، وفقًا لابن دقماق والمقريزي.

ونستكمل في حلقة اليوم مع البداية الفعلية لتاريخ الفعلي لمدينة القاهرة مع العهد الفاطمي، والتي نالت فيها القاهرة مكانة كبيرة لدرجة اعتبرت فيها مدينة مقدسّة.

* أسست على القوى

ويقول الباحث حسن حافظ في مقال له: "ما يعبر عن تقديس الحاضرة الفاطمية هو الخطاب الرسمي، ومن حسن الحظ لدينا سجل فاطمي رسمي حفظه لنا المؤرخ المملوكي القلقشندي (ت 821هـ/ 1418م)، يتعلق بولاية القاهرة، والسجل الصادر في الفترة الفاطمية المتأخرة، يكشف بوضوح عن النظرة التقديسية للمدينة، ومكانتها لدى الفاطميين، إذ يصف القاهرة بقوله: "واعلم أن هذه المدينة هي التي أُسس على التقوى بُنيانها، ولها الفضيلة التي ظهر دليلها ووضح برهانها؛ لأنها خُصت بفخر لا يُدرك شأوه ولا تُدرك آماده؛ وذلك أن منابرها لم يُذكر عليها، إلا أئمة الهدى آباء أمير المؤمنين وأجداده، ثم إنها الحرم الذي أضحى تقديسه أمرًا حتمًا، وظل ساكنه لا يخاف ظُلمًا ولا هضمًا، وغدت النعمة به متممة مكملة.

ويضيف: "في هذا النص نرى بوضوح نظرة الفاطميين الرسمية للقاهرة باعتبارها مدينة مقدسة؛ تكتسب أهميتها وقداستها من كونها المدينة التي حل بها أئمة الإسماعيلية، وهو نص يكشف لنا عن تصور أهالي القاهرة للمدينة في الزمن الفاطمي".

* الأزهر والدعوة الإسماعيلية

وتابع: "يبدو هذا جليًّا في أن مركز المدينة هو قصر الخلافة، الذي تحول إلى نقطة الارتكاز في المدينة، إذ يطل على الشارع الرئيس والرحبة الرئيسة بالمدينة، في حين حظي جامع القاهرة (الأزهر) بوضعية هامشية في تخطيط القاهرة، ولم يكن ذلك اعتباطًا بل تأكيدًا على المكانة الاستثنائية للإمام الإسماعيلي باعتباره ظل اللـه على الأرض، والتوجه إليه أهم من التوجه إلى القبلة في المعتقد الإسماعيلي، فكان حضور الإمام/ الخليفة مركزيًّا ما انعكس على قصر الخلافة الذي حصد نفس المركزية.

وواصل: "نطاق عمران المدينة هناك في الزمن الفاطمي نلتقي بأكثر من قاهرة في نفس اللحظة، تختلف باختلاف المنظور الذي ننظر منه، فأهل الفسطاط نظروا إلى القاهرة كمنافس لمدينتهم مركز النشاط الاقتصادي والثقافي، وكرمز لسلطة مختلفة مذهبيًّا ودينيًّا عن عموم المصريين أما جنود الخلافة الذين عاشوا في حارات منفصلة، فنظروا إلى ساحة المدينة كفرصة لفرض القوة والحصول على امتيازات، فيما نظر دعاة الإسماعيلية إلى المدينة وتحركوا في منشآتها باعتبارها مدينة مقدسة يعملون على جعلها المدينة التي تحكم العالم، بينما عكس الخلفاء رؤية مختلفة قوامها الاستمتاع بما توفره المدينة من أماكن للنزهة والتنزه في حياتهم الشخصية المحجوبة عن الأنظار من ناحية، وفرصة للإعلان عن أحقيتهم بقيادة العالم الإسلامي عبر تصدير صورة معينة وشديدة البريق للمدينة مؤسساتها ومنشآتها؛ التي ظهرت تباعًا لتوافق كل هذه الأغراض والأهداف المختلفة".
أقرأ أيضاً:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved