المحللتان إيما ساندرز وليزا تورمارك: لعنة ثروات المعادن النادرة تطارد الدول الأفريقية

آخر تحديث: الخميس 27 مارس 2025 - 9:41 ص بتوقيت القاهرة

لندن - د ب أ

في تسعينيات القرن العشرين ظهر مصطلح معادن الصراعات للإشارة إلى الثروات المعدنية التي تتصارع الحكومات والجماعات المسلحة المعارضة لها من أجل السيطرة على مناطق وجودها في بعض الدول الأفريقية، ثم استخدام حصيلة بيع هذه المعادن الثمينة في تمويل الصراعات، كما حدث في مناجم استخراج الألماس في سيراليون وأنجولا.

ومع تطور الصناعات وظهور الحاجة إلى ما تسمى معادن الأرض النادرة التي تستخدم في الصناعات الحديثة مثل بطاريات السيارات الكهربائية والرقائق الإلكترونية أصبح تعبير معادن الصراعات يشير إلى ما تعرف باسم ثري تي جي والذي يشير إلى ثلاثة معادن نادرة وهي القصدير والتنجستن والذهب.

وهناك مجموعة أوسع من المعادن الأخرى المرتبطة بالصراعات مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس والألماس، لكن معادن ثري تي.جي هي التي ينطبق عليها فقط التعريف القانوني لمعادن الصراعات بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهناك دعوات متزايدة لإضافة الكوبالت الذي تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية الغارقة في الصراعات المسلحة حوالي 70% من احتياطياته العالمية إلى قائمة معادن الصراعات.

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني تقول إيما ساندرز المحللة السابقة في برنامج الأمن الدولي بالمعهد وليزا تورمارك عضو فريق كتابة الأخبار والتعليقات في المعهد إن المفارقة تكمن في أن العديد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية تُكافح من أجل تحقيق التنمية المتوقعة بالنظر إلى ثرواتها. كما أنها أشد معاناة من الاضطرابات والصراعات الدامية، وهو ما يشار إليه أحيانا بتعبير "لعنة الموارد الطبيعية".

ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال، تُعدّ صناعة التعدين أكبر قطاع تصديري في البلاد. ومن الناحية النظرية، يُفترض أن تُوفر احتياطيات المعادن الرئيسية، مثل النحاس والكوبالت والتنتالوم والقصدير والذهب، إمكانات هائلة للبلاد، وأن تدعم المجتمعات المحلية، وأن تُحسّن التنمية. إلا أن وجود الموارد المهمة يُغذي الفساد والحروب الأهلية وتنتهي عائداتها في أيدي قلة قليلة من السكان بدلا من أن تستفيد منها الأغلبية.

مع تزايد الطلب العالمي على هذه المعادن النادرة، ستتنافس جهات ومجموعات مختلفة من أجل السيطرة على هذه الموارد، مما يطيل أمد الصراعات أو تفاقمها. ووفقا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن احتمالات تحول النزاعات المرتبطة بالموارد الطبيعية إلى صراعات مسلحة تزيد على ضعف احتمالات تحول النزاعات الأخرى.

على سبيل المثال، استمرت الحرب الأهلية في أنجولا 27 عامًا، وساهم وجود النفط والماس في استمرار الحرب لأن من يسيطر على الموارد بشكل فعال، يسيطر على البلاد ونتائج الحرب. كما أن الأقلية الصغيرة المستفيدة من فوضى الحرب وغياب التنظيم، تجد دافعا دائما لاستمرار الصراع لأطول فترة ممكنة. لكن السكان على نطاق أوسع والدولة نفسها يعانيان. وعندما انتهت الحرب الأهلية الأنجولية كان ثلثا سكان الدولة الغنية بالموارد الطبيعية محرومين من مياه الشرب النظيفة.

وتعتبر التداعيات البيئية من أخطر تداعيات الصراع على المعادن. ففي سياق صراعٍ يسوده ضعف الحوكمة وانعدام تنظيم الأنشطة، يُسبب الاستخراج مشاكل بيئية جسيمة، حيث تُزال مساحات شاسعة من الغابات لإفساح المجال لعمليات التعدين غير القانونية، مما يُلحق الضرر بالتنوع البيولوجي. كما أن أنشطة التعدين تزيل في حالات كثيرة التربة السطحية، مما يُؤدي إلى تدهور جودتها، فتُصبح الأرض قاحلة وغير صالحة للزراعة والرعي، وهو ما يؤثر على استقرار البلاد على المدى الطويل، نظرًا لتزايد الفقر بين السكان المحليين الذين لم يعودوا قادرين على زراعة المحاصيل في الأرض، ولم يعد لديهم مصدر رزق آخر.

كما أن نشاط استخراج المعادن يؤدي إلى مخلفات شديدة السمية، حيث تستخدم كيماويات مثل السيانيد والمذيبات في استخلاص المعادن من الركام. ويتم تخزين هذه المخلفات السامة خلف سدود لكنها تتسرب إلى مصادر المياه والأراضي الزراعية مما يضر بالسكان المحليين والبيئة.

وعندما تسيطر الجماعات المسلحة على المناجم، فإنها تستخدم أرباحها في تمويل نفسها، وهو ما يؤدي إلى استمرار الصراع. وفي سياق الحرب الأهلية، يؤدي نشاط مجموعات متمردة متعددة في منطقة واحدة وتنافسها على الحصول على هذه المعادن إلى آثار مدمرة على السكان المحليين الذين غالبا ما يتحملون وطأة العنف بين المجموعات.

في الوقت نفسه فإن وجود شبكات تجارية غير رسمية عديدة لتداول هذه المعادن يؤدي إلى صعوبة تتبع المعادن. ورغم ذلك تشهد المجتمعات الغربية وعيا متزايدة بأن الطلب الغربي المتنامي على هذه المعادن يساهم في تأجيج الصراعات في مناطق معينة.

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصدرت الولايات المتحدة قواعد بشأن معادن الصراع، تُلزم الشركات بفحص سلاسل توريدها والإفصاح عما إذا كانت المعادن قادمة من مناطق مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما إذا كانت عائداتها تُستخدم في تسليح الجماعات المتمردة.

في الوقت نفسه يثور الجدل حول ما إذا كان هذا النهج التشريعي الغربي يُفاقم بالفعل آثار الصراع. ولا يخففها، حيث فرض ما يشبه الحظر على مقاطعات التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما جعل السكان المحليين بلا عمل أو مضطرين للعمل في التهريب والتجارة غير المشروعة. لذلك فالمطلوب من المجتمع الدولي بلورة أساليب أكثر شمولا للتعامل مع القضايا شديدة التعقيد المرتبطة بمعادن الصراعات حتى يمكن تحويل هذه الموارد الطبيعية من لعنة للدول الموجودة فيها إلى نعمة، وحتى يمكن استغلال هذه الموارد لتلبية الطلب العالمي المتزايد عليها بطرق مشروعة تضمن تحقيق مصالح الجميع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved