ذكرى تأميم قناة السويس.. قراءة هيكل للقرار التاريخي وتقديرات المعركة المرتقبة

آخر تحديث: السبت 27 يوليه 2024 - 5:54 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

حلت أمس (26 يوليو) ذكرى إعلان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس بنقل ملكيتها من الحكومة الفرنسية إلى الحكومة المصرية مقابل تعويضات تمنح للأجانب، وجاء ذلك الإعلان في حشد جماهيري من خلال احتفالات ثورة يوليو عام 1956.

وبعد قرار التأميم تعرضت مصر لهجمة استعمارية شرسة بدأت بمحاولة خنق الاقتصاد المصري عندما انسحب المرشدون والفنيون الأجانب الذين يعملون في القناة لتعطيل الملاحة وعرقلة دولاب العمل، ومن ثم إحراج الدولة المصرية بعدم قدرة أبنائها على إدارة القناة.

وقامت مصر بتفنيد جميع الأسانيد التي تدحض وتشكك في قرار التأميم، وكان ذلك في الخطاب الشهير الذي ألقاه وزير خارجية مصر الدكتور محمود فوزي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 أكتوبر 1956، وكان خطابا مطولا من بين ما جاء فيه: "إن لكل دولة مستقلة الحق في تأميم أي هيئة تخضع لسيادتها".

وأكدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقرارها رقم 12626 بتاريخ 21 ديسمبر 1952 أن لكل دولة الحق في استغلال موارد ثروتها لرفاهية شعبها، طبقا لسيادتها ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة،

وما تصرف مصر في تأميم شركة القناة إلا تنفيذ لهذا القرار.

وقدّم الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل قراءة تحليلة لطريق وحسابات عبدالناصر في اتخاذ ذلك القرار، في كتابه "السويس: آخر المعارك في عصر العمالقة".

-مقدمات فكرة التأميم

يقول حسنين هيكل: "أكاد أقطع بأن جمال عبدالناصر لم يفاجأ بقرار الولايات المتحدة أن تسحب عرضها بالمساهمة في بناء السد العالي على النيل عند أسوان".

وأضاف هيكل، "وأكاد أقول إن جمال عبدالناصر كان قد أعد رده على القرار عندما يجيء، وإن كان من الحق أن أقول إن الظروف والملابسات تدخلت في تحديد درجة الرد وتكييف أسلوبه".

وأكد هيكل، أن عبدالناصر كان يفكر منذ سنة 1955 في قناة السويس على أساس الاستعداد لتسلمها عند انتهاء عقد امتيازها، وأشار إلى إنشاء إدارة لشئون القناة تلحق بوزارة التجارة والصناعة.

وأردف هيكل، "وفي بداية سنة 1956 ومع الرغبة في بدء برنامج واسع للتصنيع ومع إحساسه بأن البنوك المصرية الواقعة تحت سيطرة رأس المال الأجنبي تحجم عن تمويل المشروعات الاستثمارية، اقترح على وزارة التجارة والصناعة أن تفاوض شركة القناة في استثمار جزء من أموالها في مصر، وتمت هذه المفاوضات فعلاً رغم محاولات عنيدة من شركة القناة أن تتلكأ وتعرقل، وتبين أن الشركة استجابت لهدف سعی به الرسل إلى مصر، وهو أن تقوم مصر بعد امتياز شركة القناة حتى تستطيع الشركة أن تطمئن إلى مستقبلها وتدخل في مشروعات ضخمة لتوسيع قناة السويس".

-هيكل ونصف السر الكبير

وذكر هيكل، "لعلي لا أتجاوز إذا قلت أنني كنت أول من سمع بعبارة تأميم قناة السويس، تخرج من فم جمال عبدالناصر باعتبارها خطوته القادمة في لعبة الشطرنج الهائلة التي كانت تجري في ذلك الوقت من يوليو 56 على رقعة الشرق الأوسط، كانت اللعبة السابقة لعبة دالاس، وسحب فيها عرض المساهمة الغربية في تمويل السد العالي، واعتبر تلك اللعبة آيته الكبرى التي تدفع جمال عبدالناصر إلى الحافة وتهوي به وراءها".

وتابع، "كان الدور على جمال عبدالناصر في الصراع على أقدار الشرق الأوسط ومصائره، ولا أستطيع أن أقطع متى كان يريد أن يفضي إلي بالسر الكبير، ولو أنني لم أكن بمحض المصادفة قد استنتجت نصفه بتأثير ما كان دائراً من حول قناة السويس خلال النصف الأول من سنة 1956".

-تقديرات المستقبل بفكر ضابط أركان حرب

وينقل هيكل عن عبدالناصر ما قاله: "إنني طول اليوم أفكر في هذا الموضوع وقد عدت إلى أيام عملي كضابط أركان حرب وكتبت تقديري لموقفنا على الورق، وفوق ذلك كتبت تقديري المواقف الأطراف الأخرى".

وواصل هيكل، "وراح يتطلع إلى مجموعة أوراق أمامه ملاها كتابة بخطه المشهور بزواياه الحادة -سبع أوراق من حجم نصف فولسكاب بالطول- والكتابة عليها بالقلم الرصاص، وأول صفحة فيها عنوانها "موقفنا" وتحت العنوان خط".

-حسابات استراتيجية لمعركة قادمة

وجاءت تقديرات عبدالناصر، والخطر الذي يجب أن نحسب حسابه هو احتمال التدخل العسكري، وسوف يكون ذلك أول ما يفكرون فيه، ولذا فقد حاول أن يحصر الأطراف التي يمكن أن تفكر في التدخل العسكري نظرياً، كلهم يستطيعون التفكير في التدخل العسكري لأول وهلة، ولكن بعضهم سوف يتردد عندما يفكر في الموضوع مرة ثانية.

وسرد موقف كل من الأطراف كما يلي:

-أولاً الولايات المتحدة لن تقدم -في ما أتصور- على تدخل عسكري لأن ذلك بالنسبة إليها إفلاس سياسي أمام دولة صغيرة كمصر.

-ثانياً فرنسا هي الأخرى لا تستطيع أن تتدخل بمفردها، فهي مشغولة بحرب الجزائر، ووضعها العالمي كله -خصوصاً بعد هزيمة الهند الصينية- لا يمكنها من عمل مسلح ضد مصر.

-ثالثا إسرائيل أيضاً قد تفكر في التدخل ولكنها لا تستطيع اتخاذ تأميمنا لقناة السويس ذريعة لشن الحرب، ثم أن تدخل إسرائيل ضدنا سوف يجعل معركتها ضد مصر حرباً ضد الأمة العربية كلها، وهذا يفرض على أميركا محاولة "فرملة" إسرائيل، ثم إن إسرائيل من مصلحتها أن تنتظر لكي ترى صراعنا مع الغرب كله يشتد ويعنف.

-السؤال الأصعب: كيف تتصرف بريطانيا؟

وفي رأي ناصر كما ينقل هيكل: "الطرف الذي أخشى من تدخله هو بريطانيا وأعتقد أنها سوف تفكر في التدخل لأول وهلة، وعندما تفكر في الأمر ثانية سوف يزداد إصرارها على التدخل".

واستطرد جمال عبدالناصر، "من هنا الموقف البريطاني.. هو مفتاح الموضوع كله، كيف تتصرف بريطانيا؟، وكيف يتصرف إيدن؟ المشكلة أن إيدن في موقف ضعيف، ولأنه ضعيف فإنه قد يكون عنيفاً، وكانت منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة التي يريد أن يثبت فيها نفسه باعتباره خبيراً في شئونها كما يقول، ثم باعتبارها المنطقة التي لم يتم ترتيب أمورها في وقت تشرشل، في وقت تشرشل رتبت الأمور في أوروبا بحلف الأطلنطي، ورتبت الأمور في آسيا بحلف جنوب شرق آسيا".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved