فى ظل انتعاشة إيرادات دور العرض.. هل تعود وزارة الثقافة لإنتاج الأفلام؟

آخر تحديث: الأحد 28 يوليه 2024 - 2:28 م بتوقيت القاهرة

تحقيق – حاتم جمال الدين ومصطفى الجداوى ومحمد عباس:

• وليد قانوش: الإنتاج السينمائى مستهدف من خلال الشركة القابضة
• إلهام شاهين: الدولة لديها دور مهم فى تشكيل وجدان الناس عبر الدراما والسينما.. والعودة للإنتاج أصبحت ضرورية
• طارق الشناوى: لست مع عودة وزارة الثقافة للإنتاج.. ودورها دعم صناعة الأفلام
• عصام زكريا: على الدولة وضع التشريعات المنظمة ورعاية تجارب الشباب ودعم أفكار لا يقدمها القطاع الخاص
• محمود عبد السميع: نمتلك تاريخا عظيما يمكننا من صنع أفلام عنه ولكن لا يستطيع المنتج الخاص بمفرده تحمل ضخامتها
• مريم نعوم: إسهامات الدولة تتيح إنتاج أعمال يمكنها من تمثيل السينما المصرية عالميا

 

يشهد شباك تذاكر دور العرض السينمائى رواجا كبيرا فى الإيرادات بالفترة الأخيرة، رفعت سقف طموحات بعض السينمائيين والمهتمين بالسينما، والذين يتطلعون مع تولى الدكتور أحمد فؤاد هنو لحقيبة الثقافة إلى عودة الوزارة لإنتاج الأفلام السينمائية، خاصة وأنه فنان تشكيلى ارتبطت تجربته بأفلام التحريك، كما أن آخر إنتاج لوزارة الثقافة كان قبل 14 عاما، وتحديدا عام 2010، من خلال فيلم «المسافر» الذى شارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان فينسيا السينمائى وقام ببطولته النجم العالمى عمر الشريف، وعدد من النجوم مثل خالد النبوى، وسيرين عبدالنور، وقام بتأليفه وإخراجه أحمد ماهر.

فلماذا لا تعود وزارة الثقافة للإنتاج السينمائى مرة أخرى؟ هذا هو السؤال الذى طرحته «الشروق» على عدد من السينمائيين والنقاد، وفى السطور التالية ترصد إجابات تعكس رؤى وتطلعات وتحفظات ومخاوف أهل الفن..

فى البداية قالت الفنانة إلهام شاهين، إننا فى الماضى كنا نملك مؤسسة السينما والتى كانت تنتج الأفلام الكبيرة كالأفلام التاريخية والدينية، مثل فيلم «الشيماء» و«رابعة العدوية» و«ظهور الإسلام»، وهى النوعية التى لا يقدر عليها منتج خاص، مثلما أنتجت أيضا مسلسلات لا يمكن أن يقدر عليها منتج خاص مثل «ليالى الحلمية» والذى ضم نجوما وأحداثا وديكورات كثيرة، وقامت بإنتاجه الدولة، وذلك بصرف النظر عن حصولها على مكاسب مادية منه أو لا، ولكن لأن الدولة لديها دور فى المجتمع، ولأن الدراما والسينما تشكلان وجدان الناس وأفكارهم، لذلك أرى أن عودة وزارة الثقافة للإنتاج هو شىء مهم وضرورى جدا، ويجب أن يكون هناك رحابة صدر فى الفكر والموضوعات التى يتم تقديمها، ولا يوجد صعوبة ورقابة مشددة، فالرقابة موجودة ذاتية بداخلنا كفنانين ونعلم ما يمكن أن يقبله المجتمع أو لا يقبله، وحتى الشخصيات التى نحن ضدها (الشخصيات السلبية أو التى تقدم نموذجا يمثل الشر) يجب أن نقدمها حتى نستطيع أن نظهر الخير، فلا نستطيع أن نقدم كل الشخصيات ملائكة، وعلينا أن نقدم جميع النماذج الموجودة حتى النماذج المرفوضة لكى نضع أيدينا على الأسباب التى أدت بها لهذا الطريق.

وأشارت إلهام شاهين إلى أن معظم الأعمال السينمائية حالية تنحصر بين الأكشن والكوميدى، وابتعدت المواضيع الاجتماعية والرومانسية والاستعراضية والغنائية، وأصبحت هناك كلمة سائدة بأن ذلك هو ذوق الجمهور، وأنا ضد هذا الأمر، فنحن يجب أن نقدم الموضوعات أو النوعيات الأخرى ونقوم بتغيير ذوق الجمهور وجعله يتعود على الأنواع المختلفة، ونبتعد عن أعمال العنف التى أصبحت تقدم بكثرة فى السينما.

كما ألمحت إلى أنه إذا عادت وزارة الثقافة للإنتاج يجب أن تذهب إلى المواضيع التى تقدم تاريخنا وحياتنا الاجتماعية، والإنسانيات والرومانسيات، إلى جانب الأعمال الاستعراضية والغنائية، لتصبح كل النوعيات موجودة على الساحة. 

وقال الناقد طارق الشناوى إنه ليس مع عودة وزارة الثقافة للإنتاج السينمائى مرة أخرى، ولكنه مع أن تدعم الوزارة إنتاج الأفلام، وهذا يسرع من عملية الإنتاج ويبعدنا عن الروتين، مشيرا إلى أن الوزارة كانت تمتلك حتى عام 2015، ميزانية قدرها 25 مليون جنيه، تدعم 5 أفلام، تختارها على أساس القضايا التى تناقشها والأفكار التى يهمها أن تمثل الوطن خارج الحدود وفى المهرجانات العالمية.

وأكد الشناوى على رغبته فى عودة وزارة الثقافة لصندوق دعم السينما، لكن لا تنتج أفلاما، وتدعم أفلام هى ترى أنها تحمل قضايا مهمة لن يتحمس لها القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال، فيلم «رسائل البحر» للمخرج داوود عبدالسيد، دعمت وزارة الثقافة إنتاجه، ويجب أن تختار الوزارة أفلاما مهمة بعد قراءتها من خلال اللجنة المعنية، شريطة أن تكون هذه الأفلام لن يتحمس لها القطاع الخاص، وتقوم الوزارة بتشجيع بعض شركات قطاع الخاص الجادة على الدخول فى الإنتاج، عندما يكون هناك دعم.

وأوضح أن الأفلام المختارة يجب أن تحمل قيمة إبداعية وفكرية، ويجب أن يكون المخرج لديه فكر ولغة جديدة، لا يعمل على فيلم عادى، ولكن فيلم يمكنه أن يمثلنا فى مهرجانات داخل وخارج الوطن، وأيضا من مقوماته أن يستطيع تحقيق إيرادات فى سوق السينما ولديه خط جاذب للجمهور وليس فيلما للنخبة، مشيرا إلى أن الدعم أنواع، دعم لا يرد بمعنى أن الوزارة تدعم الإنتاج ولا تنتظر منه عوائد، ودعم يرد وهو الذى تسترده وزارة الثقافة بعد عرض الفيلم فى دور السينما من عوائد شباك التذاكر أو من خلال الجوائز المالية فى المسابقات الدولية، وهذا يكون مبنيا على نوع العمل الفنى نفسه.

واتفق معه الناقد عصام زكريا فى رفض عودة الوزارة للانتاج السينمائى، وقال إن الوزارة مهمتها أن ترعى السينما بشكل عام وتدعم الشباب وبعض المشاريع التى لا يستطيع السوق أن يدعمها، ولكن لا يمكن أن تكون منتجة وتنافس المنتجين فى السوق السينمائية، لأن هذا يقضى على القطاع الخاص بشكل تدريجى، حتى يصبح الأمر احتكارا، يقع تحته أيضا الصناع من مخرجين ومؤلفين وجميع الأفراد العاملين خلف الكاميرا، ويتجه الأمر إلى تولية أصحاب الثقة والمعارف والمحاسيب مقاليد الصناعة، وليس أصحاب الخبرات والأفكار الإبداعية، كما إنه إذا عادت الوزارة للإنتاج ستكون الأفكار والموضوعات المتبنية أو التى تنتج وتدعم وتروج لسياسات الوزير القائم على وزارة الثقافة فى وقتها، وتتغير بتغير الوزير، ولكن يجب أن ترعى وزارة الثقافة جميع الأساليب والأفكار، وهذا كان فخا وقعت به العديد من الدول التى امتلكت قطاعا عاما فى الإنتاج السينمائى، مثل مصر وسوريا والجزائر والعراق، فتختار الوزارة أنواعا من الأفلام هى تفضلها، وتصادر وتحجر على الأنواع الأخرى.

وأضاف: عندما أكون منتجا خاصا وأفضل العمل مع ممثل أو ممثلة ما ففى النهاية أنا حر وهذا مالى الخاص، أما فى الوزارة التى تمثل الدولة هذا الأمر لا يصح.

وأوضح زكريا أن الإنتاج السينمائى يندرج تحته الكثير من البنود التى تحتاج إلى إتقان وبراعة وإبداع ورؤية مستقبلية ومجازفة، مثل التوزيع والتسويق والأفكار القابلة للتنفيذ ومدى إبداعها، وأجور العاملين والأدوات المستخدمة مثل الكاميرات ومعدات الإضاءة وخامات الديكور، وكل هذه الأمور لا يستطيع موظفو القطاع الحكومى التعامل معها، وسيدخل الأمر إلى مراحلة صعبة من البيروقراطية والروتين، وهذا ما نراه فى المصالح الحكومية التى نتردد عليها خاصة فى وزارة الثقافة، وكان هذا الأمر موجودا بالفعل خلال الفترة التى أنتجت فيها وزارة الثقافة، إلى جانب أن الإنتاج السينمائى خاضع للربح والخسارة وهذا الأمر لا يصلح للقطاع الحكومى الذى لا يجب أن يحقق خسائر، كما أوضح أنه فى رأيه أن الوزارة دورها أن تضع القوانين والتشريعات والتنظيمات، ثم تشرف على تنفيذها وتقوم بحل المشاكل التى تظهر، ثم ترعى الأعمال ثم فى النهاية تدعم ما يستحق الدعم، مثلما فعل رئيس الوزراء كمال الجنزورى، والذى شهد عهده انتعاشة لصناعة السينما فى مصر، عندما أصدر قرارات تشجيع الصناعات وكانت لصناعة السينما نصيب منها، فأعفى دور العرض من الضرائب لمدد معينة، وقام بإصدار إعفاءات جمركية على معدات السينما وتجهيزات دور العرض السينمائية، أو أن تفعل وزارة الثقافة مثلما فعلت فرنسا فى خصم 1% من إيرادات الأفلام وقامت بوضعها فى صندوق لدعم شباب السينمائيين، وهو ما يجعل هناك امتدادا للصناعة من جيل إلى جيل.

ومن جانبه أكد المخرج عمر هلال أنه مع عودة وزارة الثقافة للإنتاج السينمائى، لأن الوزارة عندما تتجه لإنتاج فيلم سيكون لديها أسس معينة وأفكار خاصة محترمة أو تحمل معانى وقيما مهمة تساعد على نمو وعى وسلوك المواطن، أيا كان الإقبال الجماهيرى عليها، وستكون هذه الأعمال لا تحتوى على ألفاظ فجة تؤذى المشاهد، موضحا أنه يرى أن مبدى الفجاجة من أجل الفجاجة أصبح سائدا فى الفترة الحالية.

واستدرك قائلا: هذا لا يعنى أن يكون هناك رقابة شديدة على الأفلام، ولكن يجب أن يكون كل لفظ أو مشهد لازما لإيصال فكرة الفيلم، وليس فقط من أجل جذب المشاهد.

وأشار هلال إلى أنه يجب أن تفتح الوزارة بابا لتقديم المشاريع، وتقوم ببحث هذه المشاريع، ثم الإعلان عن المشاريع التى ستنتجها، وتناقش فيها المخرجين للوصول إلى الفكرة التى ستنفذ أو الخط الدرامى، دون الحجر على فكر المخرج أو فرض رؤيتها عليه، ولكن يجب أن ترعى الوزارة فكر المخرجين المختلف.

وقال مدير التصوير محمود عبد السميع، إنه فى الماضى كان صناعة السينما هى المورد الثانى للأموال التى تدخل لمصر بعد تصدير القطن، متمنيا أن تعود وزارة الثقافة للإنتاج السينمائى، ليصبح لدينا أفلام ذات قيمة فنية جيدة، مشيرا إلى أنه يرأس مهرجان يستفتى على أفضل 7 أفلام أنتجت خلال العام، لم يجدوا سوى 4 أفلام لأن مستوى موضوع الفيلم منحدر وضعيف جدا، مؤكدا أنه لابد من إعادة القيمة لموضوعات وأفكار الأفلام السينمائية لتناقش الحياة الطبيعية للإنسان المصرى، ودائما ما نجد الدول المتقدمة والأفلام العالمية تطرح مشاكل شعوبها وتبحث لها عن حلول.

وأكد محمود عبد السميع أننا فى مصر نمتلك أفضل المخرجين والفنيين والكتاب المبدعين، ولا يقلوا عن المستوى العالمى فى شىء، ولكن المشكلة فى مضمون الفيلم وموضعه، مشيرا إلى أن كتاب السيناريو مقيدين وليس لديهم الحرية بسبب ظروف الإنتاج، لأن إنتاج الوزارة والقطاع الحكومى أقوى من إنتاج الأفراد، فنحن نمتلك تاريخا عظيما يمكننا من صنع أفلام عنه حتى يوم القيامة، ولكن لا يقوى على إنتاج فيلم واحد من هذه الأفلام منتج خاص، لما يحتاجه العمل من ديكورات واستعدادات خاصة، كما نمتلك العديد من البطولات الحربية، يمكن أن نصنع أفلاما كثيرة منها تسجل تاريخنا مثل فيلم «الممر»، كل هذه النوعيات لا يستطيع المنتج الخاص بمفرده تحمل ضخامتها.

وأوضح عبد السميع إلى أنه ليس معنى الحرية عدم وجود قيود، فيجب أن يكون هناك قيود، مشيرا إلى أن الإبداع يأتى من التحايل على القيود الموضوعة، مستعينا بالإشارة إلى السينما الإيرانية والتى فرض عليها قيود صعبة جدا، ولكن المبدعين دائما ما يستطيعون التحايل على القيود، لذلك تحرروا من هذه القيود وصنعوا لغة سينمائية جديدة على العالم أجمع وحصدوا العديد من الجوائز العالمية.

وأكدت المؤلفة مريم ناعوم على تأييدها بضرورة عودة وزارة الثقافة لإنتاج الأفلام السينمائية، لأن هذا الأمر يتيح لمصر إنتاج أفلام تستطيع تمثيلها عالميا، وتبين للعالم رؤيتها ووجهة نظرها فى كافة المواضيع، وتتيح لمصر التواجد بشكل أكبر فى المهرجانات والمنافسات العالمية.

وعلى الجهة المقابلة أكد رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، الدكتور وليد قانوش، أن فكرة عودة الصندوق للانتاج السينمائى ليست مطروحة، وذلك بعد تحول ممتلكات الدولة من منشآت سينمائية إلى شركة قابضة للاستثمار فى المجالات الثقافية والسينمائية تخضع لقانون الاستثمار.

وأضاف أن عدم إنتاج صندوق التنمية أفلاما بحجم «المسافر» لا يعنى خروج الدولة من هذا المضمار، لأن إنشاء شركة قابضة يعنى عودة الدولة للإنتاج ولكن بآليات مختلفة، وهذه الشركة تضم فى هيكلها شركة مختصة بشئون السينما وهى المنوطة بإدارة ممتلكات وزارة الثقافة من استوديوهات ودور عرض وتراث سينمائى.

واختتم قائلا: صندوق التنمية ليس مدعوا لإنتاج أفلام، ولكن من جهة الوزارة فالانتاج السينمائى نشاط مستهدف من خلال عمل الشركة القابضة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved