الشروق تحاور الطبيب هاني عبدالجواد: هذه قصة هند الإماراتية.. واحذروا من اعوجاج العمود الفقري

آخر تحديث: السبت 27 أغسطس 2022 - 8:17 م بتوقيت القاهرة

ياسمين سعد:

"يقيدولك شمعة تمشي عليها ليل" هكذا قال والد الفتاة الإماراتية هند التي أجرى لها الدكتور المصري هاني عبدالجواد عملية جراحية ناجحة لاعوجاج العمود الفقري الأسبوع الماضي.
بعد نجاح العملية وقفت هند على رجليها لأول مرة منذ ولادتها، وسط دموع عائلتها من شدة فرحتهم.
بدأت حكاية استشاري جراحة العمود الفقري للأطفال والكبار الدكتور هاني عبدالجواد مع الفتاة الإماراتية هند، عندما تابعت الفتاة من منزلها بالإمارات أخبار نجاح العمليات الجراحية الصعبة التي يجريها هاني، لتحلم بالطبيب الماهر ليال وليال حتى أبلغت والدتها برغبتها في السفر إلى القاهرة لمقابلته.
اتصلت والدة الفتاة بالدكتور هاني الذي تتبع حالة هند، وعلم بمحاولاتها المضنية لإجراء عملية جراحية تصلح اعوجاج العمود الفقري الذي تعاني منه منذ أن كان عمرها 6 أشهر فقط، ولكن خابت محاولاتها بعدما أكد الأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا حتمية وفاتها أو على أقل تقدير إصابتها بالشلل في حال خضوعها لأية عملية جراحية.
راجع دكتور هاني الأوراق الطبية لهند مرارًا وتكرارًا، وشعر بشيء في قلبه يحدثه بأنه يستطيع إجراء العملية بنجاح، وأنه يوجد أمل في شفاء هند.
"أحتسب ابنتي عند الله" هكذا كتب والد هند على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما ودع شقيق لها من قبل.
الرحلة المؤلمة لهند مع المرض سبقها رحلة مماثلة لشقيقها شريف الذي كان مصابًا باعوجاج العمود الفقري ورفض الأطباء في أمريكا وألمانيا معالجته أيضًا ووافته المنية.
الأب الذي استودع ابنته حجز صندوق النعش لابنته تحسبًا لوقوع أي مكروه، فإذا نجت بفضل الله عاد بها واقفة على رجليها، وإذا قدر الله غير ذلك، فالصندوق سيحتضن الفتاة إلى بلدها.
وسط هذه اللحظات المتخبطة التي احتضن الموت فيها الحياة، كان الطبيب هاني عبدالجواد أمام أصعب يوم في حياته، حتى أنه فكر في إلغاء العملية بعدما بدأ فيها بالفعل داخل غرفة العمليات، ولكنه قاوم شكوكه، ونجحت العملية، وقامت هند لتجرب شعور الوقوف على رجليها لأول مرة في حياتها، فبكى هاني بعدما شعر أخيرًا بالارتياح.

لماذا هددت العملية حياة هند؟
تواصلت "الشروق" مع دكتور هاني عبدالجواد الذي شرح مدى صعوبة عملية هند، موضحًا إنها عانت من اعوجاج علوي في الصدر بمقدار 150 درجة، واعوجاج سفلي بالقطنية بمقدار 150 درجة، مع تحدب تخطى الـ100 درجة، وذلك لأن الاعوجاج نمى مع جسد هند منذ أن كانت طفلة رضيعة وأصبحت تبلغ من العمر 18 عامًا.
أوضح عبدالجواد أن خطورة العملية كانت تكمن في أن وزن هند هو 37 كيلو جرام، وأنها تتنفس بنسبة 43% فقط من نسبة التنفس الطبيعي لأي إنسان، وبالتالي يوجد خطورة كبيرة عند إجراء عملية الاعوجاج، نظرًا لأن العملية تتطلب فتح الظهر مما ينتج عنده فقدان جزء كبير من الدماء، وهذا النزيف مع الوزن الصغير والتنفس المحدود، شكلوا عقبة كبرى، أمسك الله تعالى بيد هند وجعلها تتخطاها.
تسبب نجاح الطبيب المصري في عملية هند، في اتخاذ وزارة الخارجية الإماراتية قرارًا بمنح المواطنين الإماراتيين جواز سفر طواريء للعلاج بالخارج في دول لم يكن مسموح لهم بالسفر للعلاج بها من قبل، ومنهم جمهورية مصر العربية.

النجاح يبدأ منذ الصغر
عادت "الشروق" بعبدالجواد سنوات طويلة إلى الوراء لتسأل كيف صار ابن البحيرة الذي مازال متأثرًا بلهجتها البهية، واحدًا من أهم الجراحين في العالم فقال عبد الجواد: "ولدت في قرية البساتين التابعة لمركز دمنهور بمحافظة البحيرة، وربنا يسرلي ودخلت كلية الطب، وتخصصت في جراحة العظام، وعينت كأستاذ في الجامعة ثم سافرت للخارج لأتعلم أكثر وحصلت على عدة زمالات، حتى أصبحت دراسة العمود الفقري هي كل حياتي، ولذلك قررت التخصص بها".
وأضاف: "حصلت على زمالة في أكبر مراكز العالم لجراحات العمود الفقري بجامعة مونتريال بكندا، وحياتي تغيرت بعدها تمامًا، فنقلت تخصصي من جراحات العظام إلى جراحات العمود الفقري، وأن يترك طبيب جراحة العظام بشكل عام ويتخصص فقط في جراحة العمود الفقري كان قرارًا صعبًا آنذاك، ولكن شجعني عليه أساتذتي، بجانب دراستي المتعمقة للمجال، وبالفعل تخصصت في هذه النوعية من الجراحات، وعدت إلى مصر منذ 7 سنوات كشخص مختلف تمامًا".
شرح عبدالجواد لـ"الشروق" معنى إعوجاج العمود الفقري، وهو الانحراف الجانبي للعمود الفقري، فيصبح وكأنه ثلاثي الأبعاد، به اعوجاج ولف في الفقرات ودوران، مشيرًا إلى أنه ينقسم لأكثر من نوع، فمن الممكن أن يكون خلقي حينما يولد الطفل غير مكتمل النمو، ومن الممكن أن يصاب به الأطفال نتيجة بعض المتلازمات، أو أن يكون عرضًا ثانويًا بعد الإصابة ببعض الأمراض، أو أن يكون إعوجاج تلقائي وهذا النوع هو الأكثر شعبية وانتشارًا بين الأطفال، وهو يصيب الطفل حتى فترة النمو.
لأن الاعوجاج يصاب به الأطفال، أوضح عبدالجواد لـ"الشروق" أن اكتشافه هو مسئولية الأهل، ولذلك يجب أن يتابعوا أبنائهم من خلال عدة خطوات، أولها ملاحظة الخصر ورؤية إذا ما كان هناك جهة من الخصر بارزة عن غيرها، بالإضافة إلى التدقيق في كتف الطفل فغالبًا سيكون كتف الطفل الأيمن أعلى من الأيسر إذا كان مصابًا بالإعوجاج.
قدم عبدالجواد تمرينًا بسيطًا لكي يفعله الآباء للتأكد من إصابة أبنائهم بالاعوجاج من عدمها، وهو جعل الأبناء يلتقطون شيئًا من على الأرض، وملاحظة إذا برز الظهر خلال انحناء الأطفال، فسيكون الاعوجاج واضحًا آنذاك، مشيرًا إلى أن الاعوجاج لا ينتج عنه الشعور بالألم في بدايته، ولذلك يكتشفه الأهالي في أجساد أطفالهم لاحقًا، فتكون أغلب حالات الجراحة متأخرة وخطيرة، بالرغم من أن إصابة الأطفال باعوجاج العمود الفقري أمر شائع.

سلسلة من النجاحات
لم تكن هند هي الحالة الخطيرة الوحيدة التي يجريها عبدالجواد، فقد أجرى من قبل عدة جراحات خطرة، منها حالتي الطفلتين اليمنتين وعد وماريا، وحالة أحمد الشاب المصري الذي يعيش مع عائلته في إيطاليا والتي قال عنها عبدالجواد: "حالة أحمد كانت حالة نادر جدًا جدًا، وأقول بكل أريحية أنها الحالة الأولى من نوعها، فهو كان يعاني من وجود فتحة متصلة بالنخاع الشوكي، وهذه الفتحة كانت موجودة في العنق، وبعد غلقها أحدثت التصاقات بينها وبين النخاع الشوكي، هذا بجانب وجود كيس مياة كبير على النخاع الشوكي".
أجرى عبدالجواد جراحة ناجحة لأحمد، وتماثل للشفاء كما تتماثل هند للشفاء حاليًا، حيث أوضح عبدالجواد أنها خرجت من المستشفى ويتابعها كما يتابع جميع مرضاه في الخارج، فيرى جميع تقاريرهم بصفة دورية للإطمئنان على استقرار الحالة.
تفوق عبدالجواد على الأماكن التي درس بها، فيوضح أن المستشفيات في مونتريال تجري عمليات اعوجاج العمود الفقري الصعبة مرتين سنويًا، بينما يجري عبد الجواد 5 عمليات خطيرة لاعوجاج العمود الفقري 5 مرات في الأسبوع الواحد، موضحًا أن نسبتها في البلاد العربية أعلى لتأخر اكتشافها من قبل الأهالي. 


وأشار إلى أنه لا يقبل أي عملية خطرة إلا لو كان يعلم على قدرته على إجراءها، مشيرًا إلى أنه لن يعرض حياة أي مريض للخطر لأي سبب كان.
ذاع صيت عبد الجواد في جميع أنحاء العالم وحصل على العديد من الجوائز جراء جهوده في هذا المجال الصعب منها جائزة من المنظمة الأمريكية لتشوهات العمود الفقري عن جراحي العمود الفقري بأفريقيا عام 2018.
وعن سبب شهرته ونجاحه أوضح أن سر نجاحه هو العلم، مشيرًا إلى أنه تدرب كثيرًا في أفضل أماكن بالعالم على إجراء هذه الجراحات الصعبة، حتى يصل إلى المكانة التي هو بها حاليًا، مؤكدًا على أنه لم يفكر مرتين في مسألة الهجرة والعمل في مونتريال، موضحًا أنه كان متخذ قرار العودة إلى مصر قبل حتى أن يسافر إلى الخارج لأن مصر بها "أهله وناسه".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved