د. أحمد سعيد عزت يكتب: قراءة في الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية
آخر تحديث: الثلاثاء 27 سبتمبر 2022 - 5:20 م بتوقيت القاهرة
الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية خطوة جادة جديدة نحو إعادة النظر في سياسات وتشريعات الملكية الفكرية في مصر.
تلك الخطوة تأتي بعد ثلاث مراحل سابقة، أولها: صدور قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 57 لسنة 1939 أول القوانين المعنية بتنظيم حقوق الملكية الفكرية، سابقا على كثير من التشريعات المقارنة بل وبعض الاتفاقيات الدولية.
ثانيها: صدور قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 تعديلًا للسياسة التشريعية في مجال الملكية الفكرية، تجميعًا لنصوص القوانين المعنية في تشريع واحد برؤية تشريعية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الحقوق الاستئثارية وتحقيق المصلحة العامة.
وكانت المرحلة الثالثة في تقديرنا هي صدور قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008 وما تضمنه من اختصاص هذه المحاكم فصلًا في المنازعات والدعاوى التي تنشأ عن تطبيق عدد من القوانين، منها قانون حماية حقوق الملكية الفكرية كقضاء متخصص.
تعد الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية تطورا تنفيذيا وانتقالا من نظرية التخطيط إلى تنفيذية الرؤية؛ واضعة آلية زمنية محددة لمدة التنفيذ ما بين مرحلة انتقالية (18-24 شهرا من تاريخ الانطلاق)، ومرحلة تنفيذية تمتد حتى عام 2027، كنتيجة لقراءة ورصد واقع تشريعي ومؤسسي لمجالات الملكية الفكرية، وتقدير إحصائي رقمي لبيانات ومؤشرات مجالات حقوق الملكية الفكرية مقارنًا بالموقف المقارن لبعض الدول، للوقوف على حقيقة واقع البعد التنموي للملكية الفكرية في مصر، مع وضع آليات متابعة وتقييم تنفيذ الاستراتيجية؛ بما يمثل دعوة مباشرة لضخ الاستثمارات الوطنية والأجنبية في الاقتصاد الوطني في مجالات الملكية الفكرية.
غير أننا لاحظنا غياب مؤشرات الموقف الحالي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في الاستراتيجية، على العكس من باقي مجالات الملكية الفكرية الأخرى.
وكذا في آليات متابعة وتقييم تنفيذ الاستراتيجية.
وكذا عدم الإفصاح عن بيانات الإدارات المؤسسية في وزارة الثقافة، رغم إشراف الوزارة على أعمال ما يقارب من نصف عدد البيئات المؤسسية المختصة بالملكية الفكرية إداريًا وإنفاذًا للقانون بشكل عام.
وتعد الإدارات العامة والإدارات الأربع التابعة لوزارة الثقافة هي المسئولة عن موقف حقوق المؤلف والحقوق المجاورة في مصر، بما تمتلكه من بيانات ومؤشرات عن عدد الكتب التي حصلت على رقم إيداع، وعدد تراخيص المصنفات التمثيلية، والمصنفات الموسيقية، والمصنفات السمعية البصرية، ومصنفات الفنون التطبيقية والتشكيلية وغيرها من المصنفات الأدبية والفنية الأخرى.
نجد هذا الغياب على الرغم من ثراء دلالات هذه البيانات للصناعات الإبداعية والثقافية التي تمثل واقعًا وتراثًا فنيًا وموسيقيًا وأدبيًا إبداعيًا للمجتمع، وعنصر من عناصر القوة الناعمة للبلاد، وتأكيد على ما تتبوأه مصر من مكانة ريادية تاريخًا وحاضرًا في الصناعات الإبداعية، ما كان معه نتيجة مرجوه -إذا ما تم الإفصاح هذه البيانات- من تعظيم الاستفادة من الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية دعمًا للصناعات الثقافية والإبداعية تسويقًا وتوزيعًا، وهو ما كان يجدر بالاستراتيجية -إذ أشارت إلى وضع نظرة عامة على الموقف الحالي للملكية الفكرية في مصر- أن توفي حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وجهاتها المؤسسية، وتبيان ما تبذله وزارة الثقافة من جهد وما حققته من نتائج وجهود في شتى المجالات، ما يرجى معه استدراك هذا الإغفال في النسخة الكاملة من الاستراتيجية حال صدورها.
وكانت نتيجة هذا الإغفال أن أخفقت الاستراتيجية –جزئيًا- فيما أوردته تحت عنوان "التحديات" من عدم وجود قاعدة بيانات لحصر وتوثيق وتسجيل المعارف التقليدية والتعبيرات الثقافية التقليدية، وهو ما نراه إهدارًا لمجهودات وزارة الثقافة المصرية، فيما تبذله من دور رائد في حصر وتوثيق وتسجيل عناصر التراث الثقافي غير المادي/ المعارف التقليدية والتعبيرات الثقافية التقليدية، وطنيًا وإقليميًا ودوليًا.
ولا يتسع المجال لسرد كل نتائج هذه الجهود الممتدة والمتواصلة على مر السنوات، ونكتفي بذكر أمثلة لما يستحق الإشارة إليها، مع الإقرار بما يواجهه هذا الملف من صعوبات.
منها على المستوى الوطني على سبيل المثال ما تم بإشراف إداري من الوزارة -ممثلة في صندوق التنمية الثقافية- وشراكة مع الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، إنشاءً لقائمة حصر "الأرشيف المصري للحياة والمأثورات الشعبية" عام 2013 وما تم حصره وتوثيقه وتسجيله في هذه القائمة من عناصر بلغت 228 عنصرًا وفقًا لآخر تحديث، مع استمرار تحديث وتطوير هذه القائمة بشكل دوري –شكلًا ومضمونًا- بناءً على طلب حاملي هذه العناصر وبمراجعة خبراء التراث، فضلًا عن مجهودات إدراج عدد (7) عناصر في قوائم حصر التراث الثقافي غير المادي في منظمة الإيسيسكو، وعدد (6) عناصر تم تسجيلها على القائمة التمثيلية وقائمة الصون العاجل لعناصر التراث الحي في يونسكو.
إن انتباه الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية إلى تعظيم القيمة الاقتصادية للصناعات الثقافية التقليدية، تعد خطوة إيجابية في التأكيد على ما آمنا به من أن إبداعات المجتمع المصري تعبيرًا عن هويته الثقافية؛ تعد مصدرًا هامًا من مصادر التنمية الاقتصادية، بمختلف مسميات هذا الإبداع سواء التي أوردتها الاستراتيجية كمترادفات دقيقة أو على سبيل الخلط مع غيره، إذ أن التراث الثقافي غير المادي- وليس غير الملموس- بدلالاته وأقسامه الخمسة وفقًا لاتفاقية يونسكو 2003 التي وقعت وصدقت عليها مصر في 2005 يعد المصطلح الأشمل للصناعات التقليدية والحرف اليدوية –وغيرها- التي أوصت الاستراتيجية بدعم تجمعاتها الحرفية وصناعاتها التقليدية.
ونرى أن تحقيق هدف الاستراتيجية من خلق تصميمات مبتكرة للمنتجات التراثية تشجيعًا وتعظيمًا للقيمة الاقتصادية للابتكارات التي تبنى على مختلف صور التراث، نؤكده ونؤكد –بدورنا- معه على أن استلهام التراث في صناعات أو ابتكارات أو اختراعات وغيرها من مجالات الملكية الفكرية؛ لا يسقط حق المجتمع المبدع في تعظيم استفادته المباشرة وغير المباشرة من المنافع الاقتصادية المتحققة، وذلك بآلية تقاسم المنافع التي يتحقق من خلالها المطلوب في مجال التراث الثقافي غير المادي كما في الموارد الاحيائية.
وهو ما نكرر معه دعوتنا إلى أن تتبني تعديلات قانون حماية حقوق الملكية الفكرية –المرتقبة- استخدام أدوات الملكية الفكرية المستحدثة –النظام الفريد Sui Generis- لدعم صون عناصر التراث الثقافي غير المادي مع تحقيق الاستغلال التجاري لها كأصل من أصول الملكية الفكرية، وذلك في باب مستقل في القانون، مع إنشاء هيئة عامة لصون وتنمية التراث الثقافي غير المادي.
* عضو لجنة حماية حقوق الملكية الفكرية - المجلس الأعلى للثقافة
حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم القانونية والاقتصادية