حلمى التونى والمائة لوحة.. إبداعه تحت نيران الحرب اللبنانية

آخر تحديث: الجمعة 27 سبتمبر 2024 - 11:23 م بتوقيت القاهرة

عبد الله محمد إسماعيل:

فى عالم تتداخل فيه الثقافات وتتجاوز فيه الحدود، يبقى الفن هو الوسيلة الأسمى للتعبير عن الذات والهوية. حلمى التونى الفنان المصرى الذى ارتحل بأحلامه بين ضفاف النيل وسهول لبنان، صنع لنفسه مكانة بارزة كواحد من أهم رموز الفن العربى المعاصر. ألوانه تنبض بالحياة، وريشته تحكى قصصا عن الإنسان، عن الحلم والألم، عن الأمل والحرية. فى حوار سابق، قال التونى: «الفن كان دائمًا نافذتى للحرية، ووسيلتى لتجاوز قيود الواقع». هذه الكلمات تكشف عن عمق رحلته الفنية والفكرية التى انطلقت من مصر، وازدهرت فى بيروت.


‎فى رحلة حافلة بالأحداث والذكريات استعرض الفنان التشكيلى الكبير الراحل حلمى التونى جوانب مختلفة من حياته الفنية والحياة السياسية فى مصر، وذلك فى حوار سابق بجريدة «الشروق». وقد تطرق التونى إلى تجربته الفريدة فى لبنان، حيث عاش فترة عصيبة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وكيف أثرت هذه التجربة على فنه وإنتاجه الفنى.


حلمى التونى، الفنان المصرى الشهير الراحل، بدأ حياته الفنية فى ظروف خاصة منذ الطفولة، حيث تلقى دعما عائليا ساهم فى تشجيعه على التعبير عن موهبته، على عكس ما قد يواجهه بعض الأطفال من عبارات مثل «بلاش لعب عيال»، التى يراها التونى بأنها قادرة على قتل أى موهبة. منذ نعومة أظافره، رسم بقرة فى عمر السابعة، وتلقى مديحا من والده الذى رأى فى هذا الرسم بداية لموهبة تحتاج إلى التشجيع. هذه البدايات البسيطة شكلت الأساس لمسيرته الفنية الغنية، التى امتدت لعدة عقود.


إلى جانب موهبته فى الفن، دخل التونى عالم الصحافة مبكراًا، قبل تخرجه فى كلية الفنون الجميلة. بعد وفاة والده، تحمل مسئولية دعم عائلته، ما دفعه للبحث عن عمل فى مجال الصحافة. بدأ فى «مجلة الكواكب» حيث عمل كرسام ومخرج فنى، وبدأ يطور أسلوبه فى الفن التشكيلى، متمردا على الأساليب التقليدية فى الصحافة المرسومة. هذه الروح المتمردة هى التى ساعدته فى التميز والابتعاد عن النمطية.


لكن رحلة التونى لم تكن خالية من الصعوبات. بعد سنوات من العمل فى دار الهلال، تعرض للفصل ضمن حملة واسعة طالت مئات الموظفين فى إطار قرار سياسى. فى تلك اللحظة، شعر بالخيانة، لكنه لم يستسلم، بل اتجه نحو لبنان ليواصل مسيرته الفنية. كانت بيروت فى ذلك الوقت تعيش حالة من الاضطراب، لكن التونى وجد فيها بيئة خصبة للفن والإبداع. رغم الحروب والظروف القاسية التى عاشتها المدينة، واصل التونى عمله الفنى مستلهما من التراث العربى والإنسانى ليقدم أعمالا تعبر عن الروح الجماعية للمجتمعات المظلومة والمهمشة.


وفى الوقت الذى يركز فيه بعض الفنانين على فكرة «العالمية»، لم يكن هذا الأمر يعنى الكثير للتونى. بالنسبة له، كانت الأولوية دائما لبلده وجمهوره المحلى. حصل على جوائز عالمية فى مجال كتب الأطفال من دول مثل إيطاليا وألمانيا، لكنه ظل مصرا على أن الفن يجب أن يكون موجها للجماهير المصرية أولا. يعتقد أن الفن يجب أن يكون متاحا للجميع، وأن الفنان يجب أن يخاطب الذاكرة الجماعية للمجتمع، مؤمنا بأن الذكريات هى ثروة الإنسان الحقيقية.

فى فترة وجوده بلبنان، وأثناء الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلى لبيروت فى عام 1982، عاش التونى تجربة قاسية حيث تم حصار المدينة لشهرين بلا ماء أو غذاء. تلك الفترة كانت مؤلمة، لكنها لم تكسر روحه، بل دفعته لإنتاج مائة رسمة لكتاب «ألف حكاية وحكاية» من الأدب العربى. وفى وقت كان فيه الفنانون يُقترح عليهم إقامة معارض للوحاتهم الممزقة بسبب الحرب رفض التونى المتاجرة بآلامه، مفضلا أن تكون أعماله تعبيرا عن الأمل والصمود.
بالإضافة إلى مشواره الفنى يعتبر التونى أحد رواد كتب الأطفال فى مصر، حيث كان جزءا من مجموعة من الفنانين الذين حاولوا من خلال كتب الأطفال نشر قيم الجمال والفن. لكن التحدى الأكبر الذى واجههم كان عدم وصول هذه الكتب إلى الجمهور العريض، نظرا لأن أغلب الكتب كانت تصدرها دور النشر الخاصة التى يشتريها القادرون فقط، بينما كانت الكتب الحكومية قبيحة ولا تقدم فنا راقيا للأطفال، على حد تعبيره.
رحلة التونى مع الفن والصحافة والسياسة هى حكاية نضال مستمر، تعكس التزامه بقضايا مجتمعه وفنه. لم يكن مجرد فنان تشكيلى بل كان صانعا للوعى، ومؤمنا بدور الفن فى بناء مجتمع أكثر وعيا وابتكارا. فى كل مرحلة من حياته كان يتمسك بالفن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved