سوابق وأسباب عملية.. لماذا لا يمكن لأحد التشكيك في أعداد ضحايا غزة؟

آخر تحديث: الجمعة 27 أكتوبر 2023 - 9:53 م بتوقيت القاهرة

محمد نصر

بينما تواصل إسرائيل قصفها على قطاع غزة، مدعومة من الولايات المتحدة، شكك الرئيس الأمريكي جو بايدن، في دقة أعداد الضحايا جراء القصف الإسرائيلي على القطاع.

وقال بايدن، في مؤتمر صحفي، أول أمس، الأربعاء: "ليست لدي أي فكرة أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة حول عدد القتلى، لكنني متأكد من أن الأبرياء قتلوا، وهذا هو ثمن شن الحرب"، مشككا في صحة الأرقام التي تعلن عنها وزارة الصحة بغزة.

وردا على ذلك نشرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أمس الخميس، تقريراً تفصيلياً من 212 صفحة، بأسماء وأعمار وأرقام هوية أكثر من سبعة آلاف فلسطيني من ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.

وتشير مجلة التايم الأمريكية، إلى أن بايدن لم يوضح سبب تشككه في الأرقام التي تعلنها بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، والتي استشهدت بها وزارة الخارجية الأمريكية لأكثر من مرة، كان آخرها في 8 أكتوبر الجاري، أي في اليوم الذي تلي بدء عملية طوفان الأقصى.

مسئولون أمريكيون يعتمدون أرقام صحة غزة

وقد دأب المسئولون داخل إدارة بايدن، على الاستشهاد بعدد الضحايا والبيانات الأخرى التي قدمتها السلطات داخل غزة، وفقًا لمراجعة قام بها موقع هافينجتون بوست البريطاني للوثائق الداخلية لوزارة الخارجية الأمريكية، والذي استعرض ما يقرب من 20 تقريرًا للوزارة، وفي 12 حالة على الأقل، أرجع مسئولو السفارة الأمريكية عدد الضحايا الفلسطينيين إلى وزارة الصحة في غزة بما في ذلك التقرير للوزارة في 25 أكتوبر، قبل ساعات من تصريحات بايدن.

ومن جهته، رد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة، فيليب لازاريني، على التشكيك في دقة حصيلة الضحايا، قائلا إن "الأرقام التي قدمتها الوزارة خلال نزاعات سابقة أثبتت صحتها، وعلى مدى جولات النزاع الخمس أو الست في قطاع غزة، اعتبرت هذه الأرقام ذات مصداقية، ولم يسبق لأحد أن شكك فيها".

وفقا لصحيفة التايم، فعلى الرغم من أن غزة تخضع لحكم حركة حماس منذ عام 2007، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التشكيك بشكل بارز في موثوقية وزارة الصحة في القطاع، ولطالما اعتمدت وسائل الإعلام والمنظمات والوكالات الدولية على مصادر حكومية إسرائيلية وفلسطينية للحصول على أرقام الضحايا؛ وبينما يفعلون ذلك لأنهم غير قادرين على التحقق بشكل مستقل من هذه الأرقام بأنفسهم، فهذا أيضًا لأن هذه الإحصائيات أثبتت دقتها في الماضي.

وأوضح عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش قائلا: "لدى مسئولي الصحة الفلسطينيين في غزة إمكانية الوصول بشكل منهجي إلى مصادر المعلومات التي لا يمتلكها أي شخص آخر -الوصول إلى البيانات من المشارح ومن المستشفيات- وستكون هذه في النهاية الطريقة الأكثر موثوقية لإحصاء الضحايا"، مشيرا إلى أنه عندما أجرت هيومن رايتس ووتش، تحقيقاتها الخاصة في الغارات الفردية، "لم تكن هناك تناقضات كبيرة بين هذه أرقام المنظمة وأرقام وزارة الصحة في غزة".

وبحسب المجلة ففي حين أن تتبع أعداد القتلى والجرحى قد يبدو مهمة شاقة بشكل خاص وسط القصف الأخير، الذي شهد تدمير آلاف المباني وتشريد أكثر من 1 مليون من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، إلا أن هناك عملية يتتبع بها الفلسطينيون خسائرهم في الأرواح.

وثائق مهمة 

وتقول المحللة السياسية المقيمة في رام الله والصحفية السابقة، نور عودة: "بعد كل حرب، يتم إصدار قائمة بالأسماء والجنس والعمر ورقم الهوية، وهذا يحدث لسبب ما، وهو أنك بحاجة إلى إصدار شهادات وفاة رسمية"، مشيرة إلى أن هذه العملية تمكن العائلات من التعامل مع قضايا مثل الميراث وحضانة الأطفال الذين توفي آباؤهم. "هذا لا تقوم به شخصيات سياسية؛ يتم هذا التجميع من قبل المهنيين الصحيين".

وبالرغم من أن هذه الحرب هي الأكثر دموية على الإطلاق من بين حروب غزة الخمس التي اندلعت منذ عام 2008، بحسب التايم، لكن شاكر يقول إن الوفيات ليست مفاجئة، نظرا لكثافة وحجم القصف، "إن الأعداد التي نراها من الضحايا تتماشى بشكل عام مع ما كنا نتوقعه، بالنظر إلى عدد الغارات الجوية في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض".

ووفقا للمجلة فقد تصاعدت الشكوك حول عدد الضحايا في أعقاب الانفجار الذي وقع الأسبوع الماضي في المستشفى الأهلي بمدينة غزة، والذي يعتقد أن المئات قُتلوا فيه. وفي أعقاب ذلك مباشرة، قالت وزارة الصحة في غزة إن 500 شخص استشهدوا في الانفجار، وهو رقم تم تعديله لاحقًا إلى 471، فيما قدمت المخابرات الأمريكية تقديرًا أكثر تحفظًا يتراوح بين 100 و300 حالة وفاة.

لكن بحسب المجلة، المسئولية عن الانفجار كانت هي الأكثر إثارة للجدل من عدد القتلى. وبينما ألقى المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة باللوم على غارة جوية إسرائيلية، قالت إسرائيل إن ذلك كان خطأ صاروخ خاطئ أطلق من غزة، وهو ما أيده البيت الأبيض. ولا يزال التحقيق الأخير في الانفجار الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز غير حاسم.

وتضيف عودة، أن التشكيك في عدد القتلى الفلسطينيين لا يختلف عن الإنكار التاريخي الآخر للتطهير العرقي، فقد "نفى الصرب الإبادة في البوسنة والهرسك؛ وفي رواندا، حدث الشيء نفسه، والروس يفعلون ذلك في أوكرانيا، وقد فعلوا ذلك إلى جانب نظام الأسد في سوريا، هذا هو نهج مرتكبي الفظائع".

غطاء جديد لإسرائيل

ووفقا للمجلة يقول محمد شحادة، وهو مواطن من غزة ومدير الاتصالات في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الذي يعمل على مقارنة أعداد الضحايا مع المستشفيات المحلية، والإصابات المؤكدة، وروايات شهود العيان: "إن احتمال الموت هو خوف يخيم الآن على العديد من الفلسطينيين في غزة - لدرجة أن بعض العائلات اعتادت على ارتداء أساور عليها أسمائهم حتى يمكن التعرف على جثثهم وسط الأنقاض في حالة وقوعهم ضحية للغارات الجوية".

وأضاف: "من بين جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية التي عاشها هو وعائلته، لا شيء يضاهي حجم وشدة وحجم هذه الحرب الحالية".

وبحسب التايم ووفقا لشحادة ومنظمته وآخرين، يكمن الخوف من أنه كلما زاد الشك في عدد الضحايا الفلسطينيين، من المرجح أن تستمر الغارات الجوية بلا هوادة.

يقول شحادة: "في الوقت الحالي، قُتل 7000 شخص، وهو ما يزيد بكثير عن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في أي حرب سابقة أو فظائع أو تصعيد على مدى العقود الأربعة الماضية، إن التشكيك في صحة الأرقام الصادرة من غزة هو توفير غطاء لكل ما ستفعله إسرائيل بعد ذلك".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved