محمد عبلة: كتابي «مصر يا عبلة.. سنوات التكوين» فرصة لرد الجميل لشخصيات أثرت في رحلتي الفنية
آخر تحديث: الجمعة 27 ديسمبر 2024 - 7:42 م بتوقيت القاهرة
حوار: مي فهمي
التمرد والاختلاف يجب أن يكونا من سمات الفنان
قبلت بإعادة رسومات «المرايا» لنجيب محفوظ كنوع من التحدى وهدية لروح سيف وانلى
الفن رسم حياتى فكان مثل «النداهة» على مدار سنوات عمرى
الفنان التشكيلى محمد عبلة فنان من طراز خاص، يحمل فى طياته سمات الفنان الحق من البساطة والأخلاق النبيلة، على ملامحه ترى نوعا من روحه التى تمزج بين الهدوء والتمرد فى الوقت ذاته. عاشق للتجريب لا يقف عند محطة واحدة، بل منذ الصغر وحتى الآن لم يتوقف لحظة عن البحث والخروج عن المألوف والتفكير الخارج عن المألوف، فهو ابن القرية الذى التصق الفن به منذ الطفولة، وكان هو «النداهة» الخاصة به التى جعلته مختلفا باحثا عن عوالم تثرى روحه وتغذى فضوله.
رحلة الفنان محمد عبلة كانت رحلة مختلفة شيقة بها الكثير من النقلات المثيرة، وليست مرتبطة بشخصه فقط فكانت رحلة تمرد تشبه الحقبة الزمنية التى عاش فيها، تضمنت الكثير من الأشخاص والبلدان، قرر أن يسردها الفنان التشكيلى فى صفحات شيقة من خلال كتابه «مصر يا عبلة.. سنوات التكوين» الصادر عن دار الشروق، كاشفا فى حواره معنا كواليس كتابته للعمل وما الذى دفعه أن يرى النور فى هذا التوقيت وما قرر أن يرويه خلال سطوره:
< لماذا قررت فى هذا التوقيت طرح كتاب «مصر يا عبلة.. سنوات التكوين».. وهل ترى أن هذه التجربة تأخرت فى أن ترى النور؟
ـــ قررت فى هذا التوقيت طرح الكتاب لأننى كان لدىّ رغبة فى الحكى وإلقاء حكاياتى لأكبر عدد من الناس، وشعرت أن حياتى فيها شىء يمكن أن يلهم الأجيال الجديدة، خصوصا بعد مقابلتى لعدد من الشباب يريد الهجرة والابتعاد عن البلد.. وأنا قصتى هى قصة للعودة والاستقرار فى البلد. ولا أستطيع القول أن التجربة تأخرت فى الظهور فأعتقد أنه الوقت المناسب ولذلك لشعورى بوجود أجيال جديدة يمكن أن تسمعنى.
< كيف جاءت شرارة كتابتك للكتاب وما الهدف الأول الذى كان فى أعماقك من طرحه؟
ــــ أنا أحب الكتابة، لكن البداية أو الإلهام جاء من خلال الصديق علاء خالد الذى جعلنى أكتب لصالح مجلة «أمكنة» والتى سردت من خلالها سنوات الجامعة وأسعدتنى التجربة وفكرة روى الذكريات، وعند قرارى لنشر الكتاب أصبح الماضى صورة حاضرة جدا فى ذهنى، وهو أيضا توثيق لمرحلة تاريخية فى مصر بعينى فنان تشكيلى.
< العنوان «مصر يا عبلة سنوات التكوين» هل هو دلالة على وجود أجزاء أخرى من العمل لسنوات مختلفة من حياة الفنان محمد عبلة؟
ــــ بالطبع فالكتاب يتناول حكايات عن حياتى من عام ١٩٧٣ حتى عام ١٩٧٨، ومن المقرر أن يكون الجزء الثانى من عام ١٩٧٨ حتى عام ١٩٨٥، والمفترض أنه سيكون هناك جزء ثالث عن الطفولة.
التمرد والتجريب والاختلاف هى السمة الأساسية فى حياة محمد عبلة.. هل بعد هذه التجارب الحياتية المختلفة ما زال التمرد جزءا من حياتك؟
ــــ التمرد وحب الاختلاف والمغامرة هى جزء من شخصيتى، فأحب خوض التجارب الجديدة لأن هذا لازمة من لوازم الفن، لأن الفن ورسومى هى نتائج من تجاربى، ويوميات مرسومة، فالذى أعيشه أرسمه، وأنا مؤمن بحبى لحكايات البشر، فالتمرد والاختلاف مهمان، خاصة لكل شخص يتناول الإبداع بأشكاله المختلفة لأن الرضا والقبول ضد الإبداع.
< كيف غيّر الفن فى حياة محمد عبلة؟
ــــ الفن هو من رسم حياتى فكان مثل «النداهة» على مدار سنوات عمرى، وأنا طفل كنت كثيرا ما استمع لحكايات النداهة من خلال جدتى، وهى الأسطورة التى تأتى تنادى فى الليل وتخطفك، فالفن فعل معى مثل النداهة، ذهبت وراءه بلدان ودول مختلفة ودرست الكثير من الأشياء، ومن خلاله رأيت عوالم مختلفة وجديدة وهو من كون شخصيتى، وكلمة فنان التصقت بى منذ الطفولة فكانت مثل هاجس ملازم طوال الحياة.
< ما هى نصيحة محمد عبلة للفنانين الشباب، وكيف ترى الاختلاف بين الأجيال الحالية وقديما؟
ــــ الكتاب بداخله نصيحة ضمنية غير مباشرة، فهو يتناول حياة شاب صغير يواجه صعوبات وأسئلة كثيرة يبحث لها عن أجوبة، فيجب على الأجيال الجديدة أن تكون متفتحة للحياة وتواجه هذه الأسئلة وكل شخص يبحث عن إجابته الخاصة، ورسم ملامح نفسه وحياته بيد والمحاولة بقدر الإمكان أن لا يسيطر على الشباب آخرون يرسمون ملامحهم، ويكون هناك إصرارعلى الهدف وما يريده الشخص، حتى إذا وقع فى خطأ وهذا شىء طبيعى لا يلوم سوى نفسه ولا يلقى اللوم على الآخرين، وبالطبع القراءة كثيرا والتثقيف وخوض التجارب لتكوين وجهة النظر التى سوف تظهر له الضوء الذى يبحث عنه فى الحياة.
وبخصوص الاختلاف بين الاجيال، فابالطبع هناك فرق كبير جدا لأن جيلى الذى عاصرته كان يطوق للمعرفة وكان من الممكن أن يجول حول العالم لمعرفتها، ويسافر بلدان ويزور مكتبات للبحث عن المعلومة، وينتقل من مكان لآخر، لكن حاليا الأجيال تستطيع الحصول على المعرفة بطريقة أسهل، فالمعلومات أصبحت متاحة، ولهذا الانفتاح والسهولة شقان إيجابى وسلبى، فعوامل الحياة الجديدة مثل التكنولوجيا والإنترنت والتطورالصناعى أصبحت تحديات جديدة يجب على الشباب التعامل معها، وهناك أيضا مشكلة واختلاف محورى وهى أن الأجيال الجديدة لا تريد الاعترف بوجود القدوة والشخص «الكبير»، وتحاول الحصول على المعرفة بطريقتها الخاصة دون الاعتماد أو الإنصات لذوى الخبرة، لكن جيلنا كان أكثر استماعا وإنصاتا للآخرين.
< للمدن والبلدان مكانة لدى الفنان محمد عبلة.. فما هى المدينة الأقرب لك والمدينة الأكثر إلهاماً؟
ــــ فعلا، فالمدن أثرت بى بشكل كبير، أنا سافرت مدنا كثيرة، وتجولت فى بلاد عديدة، ويمكن أن تكون أكثر البلاد التى ارتبطت بها عاطفيا هى إسبانيا واليمن والمدينة التى كنت أتمنى أن أعيش بها هى «صنعاء»، وأيضا لبغداد تأثير كبير على حياتى ودمشق كانت من أهم المدن الملهمة لى.
< ما وجه التشابه بين الكتاب ولوحات الفنان محمد عبلة؟
ــــ أنا كتبت الكتاب كأننى أقوم برسم لوحة وفيه يجد القارئ نفس طريقتى فى التنقل فى الحياة والتنقل من موضوع لموضوع، وأنا فى الكتاب استدعى الشخصيات الذين أثروا فى رحلتى، ولهم أهمية فى الكتاب أيضا مثل أهميتهم فى رسوماتى. الكتاب كان فرصة أن أرد الجميل بشكل مختلف لشخصيات لها دور كبير فى حياتى منها شخصيات معروفة وشخصيات غير معروفة لكن لهم دور من خلالهم تعلمت أشياء عديدة لا حصر لها، لذلك أعتبرته فرصة أن أتذكرهم. < للفنان القدير سيف وانلى تأثير على حياتك ومساعدتك للالتحاق بكلية الفنون الجميلة.. وبعد سنوات طويلة تقرر تنفيذ رسومات لرواية «المرايا» لنجيب محفوظ والتى رسمها من قبل سيف وانلى.
ما الذى حمسك لقبول هذا المشروع؟
ــــ سيف وانلى له تأثير كبير فى رحلتى وهو من ساعدنى على الالتحاق بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، وهو أيضا كان معلما من طراز خاص وقام بالتدريس لى على مدار ثلاث سنوات، وطول الوقت وحياة سيف واملى بها إلهام، وعندما عرض علىّ إعادة رسومات رواية «المرايا» للقدير نجيب محفوظ، كان تحديا كبيرا بالنسبة لى، بسبب قيام الفنان سيف وانلى رسمه من قبل، ولذلك أنا متخوف من التجربة، لكن قبلتها لرد الجميل وتقديم شىء مختلف وأهديه لروح سيف وانلى.