حكايات من دفتر الأحوال.. للغارمات وجوه أخرى

آخر تحديث: الخميس 28 أبريل 2022 - 7:42 م بتوقيت القاهرة

تحقيق ــ محمد صابر:

غارمات: الحياة فى الديون صعبة وخلف القضبان أصعب وأصحاب المحلات لا يرحمون
أصحاب المعارض: إحنا مظلومين والعملية تحولت إلى «نصب»
دكتورة علم نفس: الظاهرة أصبحت تهدد كيان المجتمع رغم إطلاق المبادرات
محامى: بعض القضاة يدفعون عن الغارمات إذا أحسوا بصدقهن

أحيانا ما تجبر الظروف الاجتماعية الصعبة البعض على الاستدانة أو الشراء بالقسط والتوقيع على إيصالات أمانة مع عدم توافر القدرة على السداد والغرق فى الديون والوقوع تحت طائلة القانون، وهذا ما نشاهده ونسمع عنه يوميا فى قضايا الغارمات.
فى أغلب الأحوال يكون الدافع نبيلا لتجهيز ابنة للزواج أو غيرها من الأسباب، لكن أخيرا بدأ الأمر يتحول إلى سوق واسع «للنصب» بأن يشترى البعض الأجهزة بالقسط بمقدم بسيط ويبيعونها كاش ويحصلون على قدر كبير من المال ويهربون، إلى أن يصدر ضدهم أحكام بالحبس بعد إقامة دعاوى قضائية ضدهم، يتم الإفراج عنهم بعد فترة قصيرة لسداد ديونهن ليواصلوا مسيرتهن فى «النصب».
«جوزى طلقنى وهرب دون دفع أى نفقات، ومعى أربعة أبناء، مكانش قدامى غير إنى أتحمل المسئولية واشتغل عشان أعرف أربيهم»، تحكى أم شهد قصتها مع الغرق فى الديون، بعد أن لجأت إلى أحد معارض الأجهزة والأدوات المنزلية لتجهييز ابنتها بالقسط.
تتابع: «اشتريت سجاد بنحو 5 آلاف جنيه دفعت منها 500 جنيه فى البداية وكل شهر أدفع 250 جنيه على مدى سنتين فأصبح المبلغ 6500 جنيه، لكن بعد 5 أشهر فقط مقدرتش أكمل الأقساط وتأخرت شهرين عن الدفع ففوجئت إن صاحب المعرض عملى محضر وقدم إيصالات الأمانة».
لم ينتهِ الحال بالسيدة إلى السجن بعدما تجمع أهل المنطقة ودفعوا عنها المبلغ المتبقى وتنازل صاحب المعرض عن محضره، لكن كثيرات غيرها لم يجدن من يدفع عنهن فانتهى بهن الأمر إلى خلف القضبان، مثلما حدث مع «الحاجة سعاد».
تقول «سعاد»، إن زوجها توفى وترك لها ولدين وفتاة، مرت الأيام وأصبحت «على وش جواز» فاشترت لها «أنتريه» بقيمة 13 ألف جنيه بالتقسيط من أحد المعارض، تضيف: «دفعت ألفين مقدم والباقى على 3 سنوات بمعدل 300 جنيه شهريا.
وتابعت: بعد الشهر الرابع عجزت عن دفع الأقساط وأصحاب المحلات مش بيرحموا، ورفع عليا قضايا واتحكم عليه بالحبس لمدة سنة، قضيت منها شهرين كانوا أصعب فترة فى حياتى، حتى تواصل الجيران مع جمعية خيرية وتم سداد المبلغ.
فى مشهد آخر، توفى زوج «فايزة السيد» الذى اشترى شاشة تلفاز من أحد المحال بقسط شهرى 130 جنيها لمدة 18 شهرا، لكنه توفى قبل سداد الأقساط، وكان عامل باليومية لم يكن له شغل ثابت أو معاش، كما أنها لم تستطع الخروج للعمل بسبب طفليها اللذين تركهما لها، حتى تم سداد المبلغ من إحدى الجمعيات.
هكذا تغرق السيدات فى الديون بسبب ظروفهن الاجتماعية المتردية، لكن ربما ليست هذه الحقيقة الكاملة حسبما رسمها أصحاب المحال التجارية والمعارض الذين أكدوا أن هناك وجوها مختلفة للقضية.
يقول رامى إبراهيم، صاحب معرض أدوات منزلية وكهربائية، إن أغلب السيدات تشترين أجهزة بالتقسيط لتكمل عفش ابنها أو بنتها وهذه حقيقة بالفعل وتكون ظروفهن الاجتماعية صعبة ونحاول مساعدتهن، لكن هناك من امتهنوا هذه المهنة واتخذوا منها منصة للنصب.
يوضح إبراهيم: الست بتيجى تشترى الحاجات قسط بمقدم بسيط، وبعدها تبيعها كاش وتسيب المكان وتهرب بعد شهر أو اثنين، لا يصبح أمامى سوى اللجوء للقانون وتقديم إيصالات الأمانة وإما الدفع أو الحبس.
يروى سامى عوض، صاحب أحد معارض الأجهزة المنزلية والكهربائية، إنه تعرض لعمليات نصب كثيرة حيث يقوم العميل بشراء أى جهاز ويدفع مقدم صغير وبعدها يبيعه ويصرف فلوسه، متابعا: بعد ذلك أصبحنا نطلب ضامن موظف لأضمن فلوسى ولا أتعرض مرة أخرى للنصب.
«أصحاب المحلات دايما مظلومين ويصورون بأنهم ظالمين ومفتريين، بس الحقيقة عكس كده تماما»، هكذا بدأ أنور سعد، صاحب محل أدوات كهربائية حديثة لـ«الشروق»، قبل أن يوضح: ده شغلنا بناكل منه عيش وإحنا بنصبر على العميل فترة لكن فى الآخر أنا محتاج فلوس عشان أقدر أكمل فى الشغل ونتعرض لعمليات نصب كثيرة، يجى العميل يأخذ الأجهزة وبعد كده يختفى ويسيب المحافظة وبعدها أرفع قضية ويأخذ حكم غيابى بس الموضوع فى المحاكم يأخذ وقت بيكون هو صرف الفلوس ونصب على حد تانى».
يشير مجدى فؤاد، صاحب محل مفروشات، إلى أن أغلب المدينات من الأمهات تجهيز الفتيات للزواج، فتأخذ المفروشات بالتقسيط، ولهذا يلزم التوقيع على إيصالات أمانة لضمان حق المحل، وحالات كثيرة للغاية تتعثر بسبب ظروف الحياة الصعبة، وفى هذه الحالات نصبر كثيرا، مردفا: «لكن فيه حالات نصب كثيرة».
علميا؛ تقول الدكتورة جيهان شفيق أستاذ علم النفس بجامعة الإسكندرية، ظاهرة الغارمات أصبحت تهدد كيان المجتمع رغم تدخل الدولة لحل الأزمة وإطلاق مبادرة «سجون بلا غارمين وغرامات» والسماح بالعفو عنهم، مشيرة إلى أن انبعاث المشكلة يكمن فى عدم وجود دخل ثابت لمن يلجأ إلى الاستدانة لينتهى الأمر به خلف أسوار السجن.
وتضيف شفيق، القضية لم تنته لأن أبعادها كثيرة ومتشابكة فنحن أمام أسرة بلا عائل لأى سبب من الأسباب، وتقوم الأم برعاية الأسرة واللجوء إلى الاستدانة لسد احتياجات الأبناء الأساسية، وهذه الأمور تشكل أزمة على جميع المستويات الاجتماعية والنفسية والدينية والاقتصادية.
وتتابع: لابد من الانتباه لأن كل مشاكلنا أساسها الجهل والفقر وذلك بسبب ضغط إشباع متطلبات الحياة، وما تقوم به الغارمة يدل على خلل فى مستوى التفكير فكيف لشخص معدوم الدخل أن يلجأ إلى نظام القسط القائم على الفوائد المركبة والنتيجة يتحول الأمر إلى ساحة القضاء وتسجن الغارمة وتصبح صاحبة وصمة عار لها وأبنائها رفض المجتمع لها والتنمر.
قانونيا: المحامى زكى النجار، يقول إن تبديد إيصال أمانة هى جريمة، والقانون لا يفرق بين غنى أو فقير، وينص على الحبس 3 سنوات حد أقصى أو الغرامة، والحكم يتوقف على حجم الدين، وفى حال تغيب المتهم عن جلسة المحاكمة تقضى المحكمة بأقصى عقوبة.
ينوه النجار، إلى أننا نشاهد لافتات إنسانية فى ساحات القضاء إذ يسدد القاضى أو وكيل النيابة عن السيدات ديونهن البسيطة حال تيقنهن من صدقهن، حتى لا يقضون عليهن وأسرهن اجتماعيا.
أما بالنسبة لـ«النصابين»، يرفع أصحاب المحلات إيصالات الأمانة للقضاء لتصبح جريمة جنائية «تبديد» ويصبح الحكم بالحبس، متابعا: «التبديد لابد أن يكون بين أطراف ثلاثة وإن لم تحدث المعاملة بهذه الصورة وهى استلام أموال من شخص وتسليمها لشخص آخر لا تصبح تبديدا ولا تخضع للقانون الجنائى، ولكنها تصبح معاملة مدنية إذا استطاع الشخص إثبات أن الايصال من أجل معاملة مدنية أو تجارية، وليس استلام أموال على سبيل الأمانة هنا تحول من جنائى إلى مدنى وتكون العقوبة الغرامة فقط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved