أورهان باموق: «ليالى طاعون» تتحدث عن جزيرة عثمانية تخيلية فى أوائل القرن العشرين وقت اندلاع الوباء

آخر تحديث: الجمعة 28 مايو 2021 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

كتبت ــ منى غنيم:

ــ زحف وباء الكوليرا إلى الأراضى العثمانية على متن البواخر المليئة بالحجاج المسلمين

ــ«تركيا تعيش أحلك عصور القمع ومصادرة الحريات.. والبلطجية القوميون لا يتركون أحدًا فى حاله»

ــ«كنت دائمًا فى ورطة بسبب لقاءاتى مع الصحفيين.. وليس بسبب رواياتي»

ــ ينتقد السلطان عبدالحميد الثانى بسبب تلميع الإعلام التركى له.. وينفى سخريته من كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة

من داخل منزله فى «إسطنبول» الذى يطل على العبّارات وسفن الحاويات التى تعبر مضيق البوسفور، تحدث الكاتب التركى، أورهان باموق، لصحيفة «ذى إيكونوميست» كاشفًا عن أنه لايزال ملتزمًا بتطبيق قواعد التباعد الاجتماعى الذى فرضها علينا الوباء الجديد منذ العام الماضى وحتى الآن، ومحافظًا على قضاء معظم الوقت بين جدران منزله، وذلك بعد صدور أحدث رواياته شهر مارس الماضى والتى تحمل عنوان «ليالى الطاعون». ومن المقرر أن تصدر ترجمتها إلى العربية عن دار الشروق أواخر هذا العام.
وقال «باموق»، المؤلف الأكثر شهرة فى تركيا والحائز على نوبل فى الآداب، إنه بدأ فى كتابة الرواية قبل خمس سنوات، وكشف عن أن أحداثها تدور على جزيرة عثمانية تخيلية فى بحر إيجة فى أوائل القرن العشرين إبان اندلاع وباء الطاعون الدبلى.
وصرّح «باموق» أن الأمر المثير للغاية كان حقيقة أنه ابتدأ الرواية قبل ظهور وباء «كوفيدــ19»، ولم يكد ينتهى منها حتى عصف الوباء الجديد بالبشرية، لقد تطفّل الخيال على الواقع وصبغه بصبغته بشكل غير مسبوق، وعن ذلك قال «باموق»: «لقد أصبح عالمى الخاص الذى ابتدعته فى الرواية على المشاع؛ كان الجميع يستخدمون كلماتي؛ كان الجميع يتحدثون عن الحجر الصحى مثلما كانوا يفعلون فى الرواية».
وأوضح «باموق» أن «قفلة» الكاتب قد أصابته خلال كتابة هذه الرواية واستمرت لمدة أسبوعين، غير أن احتدام المرض من حوله، وتصاعد الأمور بحدة بسبب الوباء الجديد، بالإضافة إلى مخاوفه الخاصة بشأن صحته، قد أثرى مخيلته من جديد ومنحه أفكارًا رائعة للكتابة عن الشخصيات.
ومن أجل كتابة «ليالى طاعون»، قال «باموق» إنه عكف على قراءة كل الكتب التى تمت لـ «الأدب الوبائى» بصلة؛ فعلى سبيل المثال درس زحف وباء الكوليرا من الصين والهند إلى الأراضى العثمانية على متن البواخر المليئة بالحجاج المسلمين المتجهين إلى مكة والمدينة، ومقاومة إجراءات الحجر الصحى فى جميع أنحاء الإمبراطورية.
كما أوضح أنه كان يعكف دائمًا على التجول فى شوارع مدينة إسطنبول، التى يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة، مع حارسه الشخصى وكاميرته محاطا بالقطط والكلاب الضالة من أجل محاكاة الحالة التى ينقلها للقارئ عبر روايته الجديدة، وعن تلك التجربة قال «باموق»: «كنت أتخيل عالمى أثناء سيرى، ولكن الشيء الوحيد الذى لم أكن أتخيله هو الخوف؛ كانت شخصياتى فى الكتاب أكثر شجاعة قبل وباء كورونا».
ولم يغفل «باموق»، خلال حديثه، عن التحدث عن الحال التى وصلت إليه تركيا؛ حيث لم تزل الحكومة التركية تمارس دورها القمعى فى مصادرة الحريات، وقد كشف «باموق» عن أن أحد الصحفيين ــ وهو مراد سابونكو الذى قضى مؤخرًا أكثر من عام فى السجن بتهم زائفة تتعلق بالإرهاب ــ قد استضاف منذ بضعة أيام عبر برنامجه التليفزيونى أحد الضيوف الذى ظهر على الشاشة وأصابعه مكسورة؛ وذلك بعد أن تعرّض لهجوم من قِبَل بلطجية قوميين بسبب انتقاده الدائم للحكومة التركية.
وقد تعرّض «باموق» نفسه للاعتقال عام 2005، أى قبل عام من حصوله على جائزة «نوبل» فى الأدب، بسبب اتهامه بـ «إهانة الهوية التركية». وكان جلّ جُرمه حينها أنه تحدث ببضع كلمات إلى إحدى الصحف السويسرية حول المذبحة والترحيل القسرى لأكثر من مليون أرمنى على يد القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وقد واجه «باموق» بسبب تلك التصريحات حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات، غير أن التهم أُسقِطت فى النهاية، وقد كشف عن أنه حتى الآن لا يزال يتلقى بشكل دورى تهديدات بالقتل بسبب آرائه تلك، حتى إن الشرطة قد عيّنت له حارسًا شخصيًا، ولم يثن الموقف الصعب «باموق» عن المزاح بخصوصه؛ حيث قال: «كنت دائمًا فى ورطة بسبب لقاءاتى مع الصحفيين، وليس بسبب رواياتي».
وقد بدأ الهجوم مبكرًا على «باموق» حتى قبل أن ترى روايته الجديدة النور؛ فاتهمه كاتب صحفى مشهور فى تركيا بأنه سخر من كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة فى روايته ــ وقد أنكر باموق هذا الادعاء ــ كما أنه من المتوقع أن يواجه الكاتب، البالغ من العمر 69 عامًا، المزيد من المضايقات بسبب تشخيصه فى الرواية لعبدالحميد الثانى، السلطان الذى سعى إلى منع انهيار الإمبراطورية العثمانية من خلال المزج بين الاستبداد والقومية الإسلامية.
لقد أعاد الإسلاميون الأتراك الحديثون ــ بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان – تلميع صورة «عبدالحميد» وإظهاره كبطل فى أواخر العهد العثمانى، وقد حرصت الدراما التركية على تصويره دائمًا فى الأعمال التى يتم بثها عبر شاشة التليفزيون على أنه نسخة سياسية من «أردوغان»، وضحية مثله لمؤامرات أوروبية وصهيونية عدة، غير أن «باموق» فى روايته لم يتأثر بالتيار السائد وقام بإظهار الرجل كما هو، وعن ذلك قال: «لقد أغلق عبدالحميد البرلمان، ولم يهتم بحرية التعبير، وجعل من إسطنبول العثمانية دولة بوليسية».
جدير بالذكر أن قائمة أعمال الكاتب المميزة السابقة تشمل: رواية «اسمى أحمر»، والتى تدور حول لغز جريمة قتل تقع فى إسطنبول فى القرن السادس عشر، وقد برز فى تلك الرواية الاهتمام الجلى بالتفاصيل الجنائية، فضلًا عن احتوائها على العديد من خيوط الحبكة المبنية على الخرائط والصور والمخطوطات القديمة، وأيضًا رواية «متحف البراءة»، التى هى أقرب لحالة من العشق الخالص؛ حيث تنقل الرواية قصة الحب الكلاسيكية بين «كمال» المنتمى لأسرة أرستقراطية و«فسون» قريبته التى تنتمى للفرع الفقير من العائلة، وقد أصدرت دار «الشروق» الترجمات العربية لروايات باموق.
كما لم يتوان «باموق» عن التحدث بصراحة عن استيائه حيال ما تشهده تركيا حاليًا من قمع؛ فقد كان لليبراليين فى تركيا قبل عقد أو عقدين من الزمان أمل ضئيل فى أن تُسمع أصواتهم، أما الآن فيتم تكميم أفواههم بلا هوادة، وقد أجرى «باموق» عام 2017 مقابلة مطولة مع إحدى الصحف التركية الشهيرة، قال خلالها إنه يعارض التغييرات الدستورية التى منحت «أردوغان» سلطات جديدة كاسحة، ولم تنشر الصحيفة القصة خوفًا من غضب النظام، وعزف «باموق» بعدها عن الإدلاء بتصريحات للجرائد التركية القومية الكبرى.
وقد أكد «باموق» أنه لا مكان الآن فى تركيا لحرية التعبير، وأضاف: «الشىء الفريد الذى لم أره فى هذا البلد من قبل هو ذلك الصمت المخيف، كان بإمكانك انتقاد الحكومة أو الرئيس فى السابق أثناء وجودك فى سيارة أجرة أو سوبر ماركت، ولكن الآن لا يسود سوى الصمت».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved