محطات في مسيرة جيل دوفير الملهمة دفاعا عن الشعب الفلسطيني
آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024 - 2:46 م بتوقيت القاهرة
منال الوراقي
رحل محامي القانون الدولي الفرنسي، جيل دوفير، الذي عُرف كأحد أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية في المحاكم الدولية، وأكبر المناصرين لحقوق الفلسطينيين، عن عمر ناهز 68 عامًا.
ويعد المحامي الفرنسي، الذي كرس حياته للدفاع عن القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، أحد الذين ساهموا في متابعة جرائم الحرب وجرائم الإنسانية المرتكبة بحق الفلسطينيين.
كيف شغلت القضية الفلسطينية المحامي الفرنسي جيل دوفير حتى آخر أيامه؟
وفق ما ذكره المركز الفلسطيني للإعلام، عمل دوفير، المولود في عام 1956، محاميًا بنقابة المحامين بمدينة ليون الفرنسية، ومحاضرًا في كلية الحقوق بجامعة "ليون".
وامتد نشاطه على مدى 30 عامًا بين القطاعين الصحي والاجتماعي والدفاع عن الأقليات في فرنسا والعالم، إلا أن القضية الفلسطينية كانت أولى أولوياته.
البداية للاعتراف بدولة فلسطين
كان المحامي الفرنسي جيل دوفير أول من أدخل القضية الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2009، وخاض معركة قضائية للاعتراف بدولة فلسطين في الهيئات القضائية الدولية.
وأثمرت جهوده حين أقرت المحكمة الجنائية الدولية، في فبراير 2021، أن فلسطين دولة ذات سيادة كاملة تمتلك صلاحية قانونية على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وفق ما نقلت "الجزيرة".
جرائم حرب نيابة عن السلطة الفلسطينية
قاد دوفير مجموعة مكونة من 350 منظمة غير حكومية، يمثلها 40 محاميًا، كانوا يتولون مسؤولية التعامل مع طلب العدالة المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية، بتكليف من السلطة الفلسطينية ونيابة عنها، بشأن جرائم الحرب التي ارتكبت خلال حرب غزة بين عامي 2008 و2009.
واستمرت الحرب 23 يومًا حتى توقفت في 18 يناير 2009، واستخدم فيها الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وأطلق أكثر من ألف طن من المتفجرات.
وأسفرت الحرب عن أكثر من 1430 شهيدًا فلسطينيًا، منهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة و134 شرطيًا، إضافة إلى أكثر من 5400 جريح، ودمرت أكثر من 10 آلاف منزل دمارًا كليًا أو جزئيًا.
ضم فلسطين إلى نظام روما
في يوليو 2014، قدم المحامي الفرنسي شكوى ضد إسرائيل بشأن حربها على غزة في العام نفسه، والتي استمرت 51 يومًا، شن خلالها جيش الاحتلال أكثر من 60 ألف غارة على القطاع.
أسفرت الحرب عن 2322 شهيدًا و11 ألف جريح، وارتكبت إسرائيل مجازر بحق 144 عائلة، استشهد من كل واحدة منها 3 أفراد على الأقل. في المقابل، قتل 68 جنديًا إسرائيليًا، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد.
حينها، أدت الشكوى التي قدمها دوفير إلى تحرك إعلامي كبير وخلق ضغوط على محكمة العدل الدولية، ما أدى إلى انضمام فلسطين إلى نظام روما الأساسي في 2021.
مذكرات اعتقال بحق إسرائيل
بالرغم من أن المحامي الفرنسي الراحل عمل على مذكرات الاعتقال منذ عام 2009، إلا أنه تحرك بشكل مكثف وبأسلوب مختلف على هذا الملف بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023.
ووفقًا لتصريحات أحد أصدقائه لـ"الجزيرة"، فقد انتصر دوفير للقضية الفلسطينية وطالب بمذكرات الاعتقال منذ أن أصبحت فلسطين عضوًا في نظام روما الأساسي.
أول من أشعل فتيل محاكمة نتنياهو وجالانت
بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، ومع بدء إسرائيل في ارتكاب جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، قاد دوفير، بعد شهر واحد من الحرب، مجموعة قانونية مؤلفة من جمعيات حقوقية وأكثر من 500 محامٍ من كل أنحاء العالم إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
في نوفمبر 2023، قدم دوفير والمحامون دعاوى ضد مسئولين إسرائيليين في المحاكم الدولية، وعلى رأسها الجنائية الدولية؛ بسبب الحرب على غزة وقتل المدنيين الأبرياء والتدمير الشامل للقطاع، حيث قدموا الملفات والأدلة التي تدين المسئولين الإسرائيليين.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، بطلب من المدعي العام كريم خان، في 20 مايو الماضي، مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
"يمكنني أن أموت وأنا مرتاح"
بعد مرور 6 أشهر على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات الاعتقال، اعتبر دوفير ذلك اليوم "عيدًا" سعى لتحقيقه منذ سنوات.
وقال المحامي الفرنسي لابنه حينها، وفق ما نقله المركز الفلسطيني للإعلام: "الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح"، حيث أصرّ على التحدث عن الانتصار القانوني الاستثنائي لوسائل الإعلام رغم مرضه وقبيل وفاته.
حماس.. نصير الشعب الفلسطيني
من جانبها، نعت حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" المحامي الفرنسي جيل دوفير، الذي وافته المنية بعد معاناة طويلة مع المرض.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" في قطاع غزة، الدكتور باسم نعيم، إن دوفير كان نصيرًا حقيقيًا للشعوب المظلومة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وأوضح نعيم أن مواقف دوفير الشجاعة، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، ستظل حاضرة في ذاكرة الشعب الفلسطيني.
وأضاف: ساهم دوفير في ملاحقة الاحتلال بالمحافل الدولية، متهمًا إياه بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
وأكد نعيم أهمية التمسك بإرث دوفير، داعيًا أصدقاء الفقيد وكل أحرار العالم إلى العمل بدأب لتحقيق حلمه برؤية الشعب الفلسطيني يتمتع بدولته المستقلة وعاصمتها القدس، مع عودة اللاجئين إلى أرضهم.
منظمة التحرير: المناضل الأممي المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني
نعت منظمة التحرير أيضًا المحامي الفرنسي دوفير، حيث وصفته بـ"المناضل الأممي، المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية كافة".
وقالت دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني في منظمة التحرير الفلسطينية، في بيان صحفي، إن "القضية الفلسطينية والإنسانية فقدت اليوم أحد رجالاتها العظماء، المحامي أمام المحاكم الدولية، خاصة المحكمة الجنائية الدولية، الفرنسي جيل دوفير، الذي غادرنا اليوم بعد أن نال ما سعى وراءه لما يزيد عن 15 عامًا، وهو ملاحقة مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية".
وأضافت أن دوفير كان صادقًا في نضالاته ووفيا لمبادئه، وترك وراءه إرثًا نضاليًا وحقوقيًا لن يُنسى، مؤكدة أن الشعوب الحرة لا تنسى من دافع عنها وساندها.