عرف كيف يلتمس طريقه إلى المستقبل.. قاسم عبده قاسم رائد دراسات تاريخ العصور الوسطى

آخر تحديث: الأربعاء 29 سبتمبر 2021 - 5:18 م بتوقيت القاهرة

عبد الله محمد

"التاريخ يفعل، يصنع، يصيغه الناس في مسيرتهم، ثم يقرأ، في كل عصر حسب مصلحة العصر، نحن لا ندرس التاريخ لكي نستمع إلى قصص وأساطير ومرويات.. نحن نقرأ لنفهم حاضرنا ونستشرق مستقبلنا، التاريخ علما لا ينتمي للماضي إلا من حيث مادته فقط بينما هو علم يفصل أتصالا وثيقا بالحاضر والمستقبل. ومن عرف نفسه من خلال تاريخه، عرف كيف يلتمس طريقه إلى المستقبل" هكذا كان يرى ويؤمن الدكتور قاسم عبده قاسم (26 مايو 1942م - 26 سبتمبر 2021) الذي رحل عن دنيانا منذ أيام تاركا للمكتبة العربية العديد من المؤلفات البارزة في دراسة التاريخ. تلك المؤلفات التي تكشف قصة عقل مصري شامخ جاءت كتاباته التاريخية لتعطي المؤرخ صورا أكثر مصداقية عما حوته الكتابات الرسمية، قمة متبحرة في التاريخ الإسلامي والتاريخ الاجتماعي لمصر، ودراساته المتميزة عن المماليك، وكتابته في مجال التراث الشعبي والأدب، والعلاقات البينية بين العلوم الأخرى في الربط بين التاريخ والأدب والفلكلور، هو علم في تخصصه معجون برؤية التفاصيل الدقيقة، فكتب عن الأسواق في عصر المماليك، وماهية الحروب الصليبية، فهو صاحب نظرة ثاقبة ومحللة في تحريك الوعي التاريخي وكذلك في الفكر العربي الحديث.

وجه تلاميذه بعناية للتركيز على دور الصناع الحقيقيين لتاريخ مصر والعرب ودراسة القوى الشعبية، ورؤيتها لذاتها ولهويتها وللأحداث من حولة، قمة شامخة من قمم الفكر العربي أغنى المكتبة العربية ثراء ما بين الترجمات والمؤلفات والمقالات والابحاث والمحاضرات، وله بصمة رائدة في تطور مناهج البحث التاريخي.

الدكتور قاسم عبده قاسم أحد أهم رواد المدرسة التاريخية، الذي تعكس لنا شخصيته المتواضعة تلك الجملة لمكسيم جورجي: "من العظماء من يشعر المرء في حضرتهم بأنه صغير، ولكن العظيم بحق هو الذي يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء".

وفي هذا الموضوع، نستعرض سويا من خلال عيون تلاميذ ومحبي وزملاء الدكتور قاسم عبده قاسم تأثيره وأهمية مؤلفاته ودوره ومشروعه المهم كونه رائد متفرد وأستاذا جامعيا.

أستاذ التاريخ الإسلامي، ورئيس الجمعية التاريخية الدكتور أيمن فؤاد سيد، أشار في حديثه إلى زمالة الدكتور قاسم عبده قاسم، قائلا: «قد عرفت الدكتور قاسم منذ السبعينات، وقد نشأت بيننا صلة قوية وعلاقة ودية وكذلك مع بعض الأصدقاء، قد سبقني الدكتور قاسم بالتخرج قبلي بفترة، ووقتها كان يقوم بإعداد رسالة الماجستير مع الدكتور الراحل سعيد عبدالفتاح عاشور، وكنا نتبادل الزيارة وكنت ازوره في بيته في حدائق القبة في ذلك الوقت، وكان دؤوب بشدة وشغف مخلص لعمله كان يتردد على معهد المخطوطات، كان يعمل على مخطوطات بدار الكتب ومن ثم ناقش رسالته، ثم أخرى عن أهل الذمة، وكنا دائم الحديث وكان لنا لقاءات جمعتنا في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية».

وأضاف أستاذ التاريخ الإسلامي: «ظل تواصلنا مستمرا وكان بيننا حوار ولقاء متواصل، في هذا الوقت صدر لنا بعض الكتب فكان بيننا تبادل مستمر، قد عين أستاذا بجامعة الزقازيق ولحق هذا بعد فترة سفره إلى الكويت وعند عودته لمصر أسس "دار عين" والتي تعد مركز اشعاع مهم لكل دارسي التاريخ، وتحديدا دارسي تاريخ العصور الوسطى».

وأشار إلى أهمية الدور لدى تلاميذه ودارسي التاريخ فقد قدم الدكتور قاسم لهم الكثير من نشر لأبحاثهم ودراساتهم، وقد أصبحت دار عين يشار إليها بالبنان كونها متخصصة في نشر الدراسات التاريخية والدراسات المملوكية بصفة خاصة، وقد قام بدور مهم الحقيقة في عملية الترجمة ونقلة العديد من الدراسات الأجنبية الحديثة في مجال التاريخ والكتابة التاريخية وتاريخ العصور الوسطى وتعريبه لمثل هذه العلوم للغة العربية، مؤكدا أنه يسر ذلك للباحثين إمكانية التعامل مع هذه النصوص بيسر وبسهولة.
ويستكمل أنهما قد تشاركا سويا في العديد من الندوات ويذكر أنه قد دعانا جمال الغيطاني في برنامجه على قناة دريم، في مطلع القرن الواحد والعشرين، عندما أصدرت كتابي المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار واجرينا نقاش حول الكتاب في البرنامج.

وقال الدكتور أيمن فؤاد، إن الدكتور قاسم كان أحد المناقشين الرئيسين للطبعة الثانية من الكتاب، في معرض القاهرة الدولي للكتاب دورة 2012، وقد تواصلنا فيما بعد وتزملنا في مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية عندما كان عضوا فيه، وفي لجنة التاريخ في المجلس الأعلى للثقافة، ولم ننقطع عن التواصل في مطلع شهر سبتمبر، وقد قمت بالاتصال به عدة مرت لم يرد أحد ثم أتصل بي أحد أفراد الأسرة وأخبرني أنه يشعر بألم في الأمعاء لتمر الأيام لأعلم بخبر وفاته رحمه الله.

الدكتور عمرو عبدالعزيز منير الأستاذ المساعد في قسم التاريخ بكلية الآداب، جامعة حائل بالمملكة العربية السعودية، قال: «مهمة صعبة أن أتحدث عن مؤرخ جليل في مقام وقامة د. قاسم عبده قاسم لسببين، أولهما: طبيعة علاقتي الشخصية به، فهو لي بمثابة الأب والمعلم والعالم الفذ الذي أخذ بيدي منذ كنت طالبًا في الفرقة الأولى بكلية الآداب جامعة الزقازيق، وفتح لي ولكثير من أبناء جيلي طرائق العلم، وعلمنا كيف يكون الدرس، وكيف نتعرف إلى ذلك العلم الجامع الشامل، ألا وهو علم التاريخ».

وتابع: «فطالما جلسنا إليه في قاعات الدرس نستمع إليه ونتتلمذ عليه، فكان علمه موقفًا، وكانت ثقافته رؤية وكان منهجه تأصيلًا، وكانت كتابته تأسيسًا، وكانت أستاذيته التزامًا ومصدر إلهام لكل من يطمح أن يكون أستاذًا جامعيًا يسهم في بناء الجامعة والوطن، يشد أزرنا، يبث فينا الثقة والطموح، يحاصر مخاوفنا، يضعنا على الطريق، يجذر فينا الجدية في كل شيء يكسو أفكارنا البسيطة بعمق من رؤاه، مهاب فى كل شيء، معطاء بلا حدود، شجرة وارفة تظلل كل من يقترب منه، وإذ صحونا فجأة، فوجدناه تجاوز حدود واقعنا، سبقنا إلى عالم الأبدية والخلود، قبل أن نرتوي منه حد الامتلاء».

وكشف أن السبب الثاني هو: سبب مهني يعود إلى شموخ القامة والقيمة التي نحن بصددها، فهو مؤرخ عليم وكاتب فذ.. تعهد أجيالًا كثيرة بالعلم والمعرفة، وفاض علمه حتى اجتاز الآفاق، وتعددت مجالات إسهاماته العلمية ما بين التاريخ والأدب، والموروث الشعبي، والترجمة... فبلغت مؤلَّفاته وكتاباته ما يزيد على المئتين ومعها تعددت علامات التقدير التي حصل عليها، فحصد جوائز عدة في الفكر والكتابة والترجمة لما تركه من رصيد من الأعمال العلمية التي سبق بها زمانه، وما حفره في ذاكرة عدة أجيال لا تفتأ تستعيد مواقفه الإنسانية والأخلاقية وفوق ذلك تعاملاته الأكثر رقيا.. كان نموذجا للأستاذ الجامعي المُهاب في كل شيء.. كان رمزا للوفاء والإخلاص والجدية وحب العمل والإبداع.. كان شخصية أكاديمية فذة عملاقة مهذبة، وقد لا نجد فى قاموسنا كلمات نحسن بها التعبير عما خالجنا من شعور واحساس حين تلهج ألسنتنا بذكراه في أحد أحاديثنا أو إذا تصفحنا واحدة من أعماله ومقالاته وكتبه ودراساته الحاضرة التي تمس كل أعمالنا وشواغلنا.

وأكمل: «وبدأ شيخنا الدكتور قاسم طوال رحلته العلمية المشرفة عالِمًا يبحث عن جوهر وظيفة المؤرخ في أمته يتحيز لها وينحاز لقضاياها، ويعلن عن انتمائه إلى هذه الأمة مفتخرًا بذلك، ولكن ليس من هذا النوع من الفخر الذي يقعده متغنيًا بمجدها الغابر، أو بماضيها الذهبي، أو البكاء على أطلالها، وإنما بالبحث عن الحي في الأمة في عالم أفكارها وحياتها وفاعلياتها البحث عن ضرورات الإحياء، ومساراته فيها ملتزمًا بأصول ذاكرتها الحضارية الحافزة الدافعة الرافعة، رغبة منه لإحياء كل ما يعينها على البقاء والحياة والشهود. وفي إطار ذلك الفهم والوعي تحركت ثوابته الحضارية ورسالة المؤرخ العلمية لتتفاعل لتخرج أجندته البحثية كتابات تاريخية تحفز كل مناطق المسكوت عنه في التاريخ المصري.. حمل هم مصر من دون أن يغيب هو عن مصر أو تغيب هي عنه، ليعبِّر عن أقرب درجات الانتماء إليها».

وأضاف: «وجاءت كتاباته التاريخية لتعطي المؤرخ صورًا أكثر مصداقية عما حوته الكتابات ذات الصبغة الرسمية وكإضافة حقيقية إلى تاريخ مصر، بكل ما تتضمنه من إيحاء ودلالة وصدق لجزئيات الواقع الحياتي المجتمعي، في وقت ساد اغتراب العلم التاريخي وتجاهله وتهميشه لدور الناس والجماعات الشعبية في صنع التاريخ. فوجه تلاميذه في الدراسات العليا إلى التركيز على دور الصُّنَّاع الحقيقيين لتاريخ مصر والعرب، ودراسة القوى الشعبية، ورؤيتها لذاتها وللأحداث من حولها».

وتابع: «وفي إطار ذلك الفهم والوعي تحركت ثوابته الحضارية ورسالة المؤرخ العلمية لتتفاعل لتخرج أجندته البحثية، التي حار البعض في تفسير مكوِّناتها أو مكنوناتها.. تعرض للظلم أحيانًا فلم يستسلم.. دخل السجون وخرج منها أشد عزيمة وأكثر مضاء.. ليواصل مسيرته متفائلًا من نجاح إلى آخر حتى أصبح أحد أهم رواد المدرسة التاريخية منذ الربع الأخير من القرن العشرين. رمز الأبوة الصادقة، العطاء بغير حدود، رمز المعرفة والنور، رمز الإنسان في فطرته الأولى، العلم والجمال والرفق عنوانه في كل موقف، ما أصعب الأيام من دونك أستاذي الغالي».

وقال الكاتب الصحفي والناقد سيد محمود، إن الدكتور قاسم عبده قاسم كان ينتمي للحركة 68 الطلابية وقد لحق الصعود بمدرسة التاريخ الاجتماعي، فكان هناك مجموعة من تيار المؤرخين ينتمون للمدرسة التقليدية، وهم من الجيل المؤسس بالجامعة المصرية أمثال شفيق غربال ومحمد مصطفى زيادة هؤلاء كانوا مؤرخين منشغلون بالجانب التاريخي السياسي، الذي يهتم بالعلاقات الموجودة بالسطلة والصرعات السياسية.

وأشار إلى أن فترة الستينيات كان يقرأ تاريخ العالم انطلاقا من فهم طبيعة العلاقة السياسية، ومع صعود الأفكار اليسارية والفكر الاشتراكي والتيار الناصري والأفكار القومية، كان هناك ما يسمى بالتاريخ الاجتماعي، على اعتبار أن التغير لأي بنية تحتية لأي مجتمع يؤدي إلى تغيير البنية الفوقية وهذا الأساس مرتبط أو منتمي للنظريات المادية التاريخية، وهذا افرز جيلا جديدا من المؤرخين يعتني أكثر بعلاقة حركة المجتمع نفسه، وكيف تنعكس تلك النظر بشكل السلطة ذاته.

وأوضح أن العصور الوسطى أو تاريخ مصر في العصور الوسطى وهو تخصص الدكتور قاسم عبده قاسم كان الارتباط الكبير بين دراسة مصر في فترة الحكم الإسلامي بشكل أساسي، مع دخول الفتح العربي لمصر، وهي بحكم طبيعة الموضوع الديني فهو فتح إسلامي وجاء بعد فترة حكم قبطي وأن الدويلات الاسلامية المتتابعة بداية من الفاطمين والأيوبيين والمماليك الخ تلك الدورة تغير معها النظام السياسي، فقام بدراسة المتغيرات لدى السلطة وعلاقتها بالمجتمع، يرجع ذلك السبب إلى اهتمامه بدراسة مصر في عصر المماليك فكان يبدأ بالعمل على الأسواق والفلكلور والأساطير والأدب الذي يتم افرازه في تلك الفترة.

ويكمل سيد محمود، حديثه أنه في نفس هذا الوقت كان هناك بعض التيار من المؤرخين مثل رؤوف عباس ونيللي حنا وعبدالعظيم رمضان في بعض كتاباته وعبدالرحيم عبدالرحمن وعلى بركات كل هؤلاء كانوا جيل واحد من المؤرخين، بغض النظر عن من يعمل على التاريخ الاسلامي أو تاريخ مصر الحديث أو المعاصر، فأدى ذلك إلى نوع من التكامل المنهجي.

ويوضح انه بدأ ينظر لتاريخ مصر على أنه وحدات متتابعة، وكان من الصعب فصل حقبة عن اخرى واعيد النظر في التحقيب التاريخي المؤسس على نمط نظريات التحقيب التاريخي على المركزية الغربية، مثلا العصور الوسطى لدى اوروبا هي عصور ظلام ، لكنها بالنسبة إلينا فهي عصور ازدهار، مصر في فترة حكم المماليك تعرف على انها دولة غنية كونها تملك تجارة قوية وعلى تواصل وعلاقة وطيدة مع الغرب وفي حركة انطلاق.

وأكمل: «فما ينظر له في اووربا على انه عصر ظلام ينظر نراه في مصر على انه جزء من حركة الازدهار، ضرورية هذه التفرقة جعلت هناك شكل من أشكال الخصوصية للتاريخ المصري، بما في ذلك التاريخ الإسلامي، والدعوة الاسلامية نفسها تدرس في اطار العصور الوسطى وتطورات الدولة، الدكتور قاسم عبده قاسم إضافته الاساسية انه حرر هذا التناول من اطاره الديني».

ويضيف محمود، أنه اهتم بمناهج البحث التاريخي، وفي فترة الثمانينات أدرك الدكتور قاسم ان هناك انحصار للبعثات العلمية للخارج، فلم يعد هناك طلبة متفوقين ترسلهم الجامعة لأوروبا للدراسة، مثلما كان موجوده في الخمسينيات، فحصل ما يسمى بالفقر المنهجي فلم يعد هناك قدرة لدى الباحثين على متابعة المنجزات المتعلقة بمناهج البحث بالخارج، فأدى إلى الفقر في مناهج البحث.

وأضاف: «تنبه الدكتور قاسم لهذا بشكل مبكر فبدأ مشروعه الأشتغال على مناهج البحث التاريخي، وقد بدأه بالتأليف واتبعه بالترجمة، وبدأ العمل بعد ذلك على نصوص أساسية تتعلق بالجهاد الاسلامي، وصلاح الدين والصليبيين، وكتابه العمدة الذي كان له النصيب الكبير "ماهية الحروب الصليبة"، وهو كتاب صغير حين تقرأ هذا الكتاب تجده قام بتقسيم هذا الكتاب بشكل مبتكر جداً، قام بعمل نوع من القراءة الذكية للحملات الصليبية كمشروع في إطار فكرة التوسع، المرتبط بحركة نمو التخلص من الاقطاع وبداية نشوء ما يسمى بالدولة القومية، هذا الكلام كان جديد فعمل على "التاريخ" محاولا خلق فلسفة في الفهم، وانتقل من علم التاريخ إلى فلسفة التاريخ وهنا تكمن الأضافة المهمة التي جعلته متميزا جدا».

وأشار محمود، إلى أهمية تأسيس دار عين للنشر قائلا: «حين عاد من الكويت تفرغ للترجمة بشكل كبير، وقام بتأسيس "دار عين" وكرسها بشكل اساسي استكمالا لمشروعه ستقوم بنشر الابحاث الجديدة في التاريخ وكذلك الدراسات التاريخية ورسائل الدكتوراه، والتي كان يجد فيها الطفرة التي تساعد على الدراسات التاريخية، وكان منشغلا بشكل اساسي بالعلاقات البينية بين العلوم المختلفة».

وتابع: «فهو لديه مشروع متكامل للربط بين اكثر من علم لخدمة علم التاريخ، والدار انجزت في هذه المساحة إنجازت مهمة جدا وهي واحدة من الدور الهامة بشكل كبير التي تقوم بعمل نوع من الثراء المنهجي وإضاءة الاسماء الجديدة للكتب التاريخية والكتب المتعلقة بالفلكلور وتاريخ الادب والمؤثرات الشعبية».

وأكد أن الموقف الإنساني هو الحقيقة لا يتردد ابدا عن مساعدة الباحثين وفي دراستهم يخدمهم بكل عون ويساندهم بكل حب. وشاركتنا الدكتورة هدى زكريا استاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق قائلة: إن الدكتور قاسم عبده قاسم مؤرخ تمتع بمعرفة قوية بعلم الاجتماع، فمؤسس علم الاجتماع هو ابن خلدون وهو مؤرخ، فالطبيعي أن معرفة المؤرخ بعلم الاجتماع تعطيه المعيار لقياس صدق الحادثة التاريخية التي يريد معرفتها.

وأتم: «/وكان الدكتور قاسم عبده قاسم يتمتع برؤية سسيولوجية الى جانب رؤيته التاريخية وحرصة على تسجيل الجانب الذي يهمنا في التاريخ المصري، كان تخصصه تاريخ العصور الوسطى، اهتم بها وقام بإخراج اهم كتبه في العصور الوسطى وكان موضوعه "الأسواق في عصر المماليك".

وأشارت الدكتورة هدى، إلى أن مصر في تلك العصور كانت الأولى في الأسواق وفي الصناعة، وكانت مصر مهيئة لدخول عصر الثورة الصناعية مبكرا عن أوروبا بما يزيد عن 200سنة واكثر، لكن ما قام به العثمانيون برئاسة سليم الأول من استخدم للقوة الغاشمة وليس فقط في هزيمة المماليك الذين كانوا يحكموا مصر والتي كانت مصر في اثناء حكمهم تمتلك اكثر من 4000 صناعة، فجاء العثمانيون بهدفين السيطرة على مصر جغرافيا وموقعها الهام.

وأضافت أنه في نفس الوقت، حصل العثمانيون بالقوة على رجال الصناعات والذين نسميهم الأسطوات والتي تعني باللغة التركية الأساتذة في كل صناعة، فكل صنعة كان لها ترتيب بالأسطوات وينتهي بالشباب الذين يدخلون للمهنه لكي يتعلموها، فقام سليم الأول باغتصاب هؤلاء الناس في سفينتين رغم ارادتهم، وعند اعتراض احدهم يقوم بتعذيبة بأداة الخازوق، وهي اله القتل بالتعذيب والتي اخترعتها الخلافة العثمانية.

وأكدت أن مصر فقدت في هذه الحالة "الكريمة الأساسية" الذين كانوا من الممكن أن يدخلوا بمصر عصر الصناعة منذ بداية القرن الـ16، وهنا استطاع الدكتور قاسم عبده قاسم، تسجيل في رسالته للدكتوراة الاسواق في عصر المماليك، اعطانا صورة شديدة العمق والتفاصيل لوجود هذه الأسواق على المستوى الاجتماعي والاقتصادي المصري.
وتستكمل حديثها كونها استاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق فاتاح لها انها زاملت الدكتور قاسم وهو استاذ التاريخ الوسيط في قسم التاريخ، وهو احد الذين بنوا جامعة الزقازيق.

وتقول:«عندما ذهبت وكنت معيدة بجامعة الزقازيق عام 1976 وجدت الدكتور قاسم عبده قاسم مشرفا على القسم وكانت كلية الأداب يدرس بها سبعة أشخاص فقط ، كان منهم العظيم الدكتور قاسم عبده قاسم، فهو من بناة جامعة الزقازيق ومن بناة قسم التاريخ ومن بناة كلية الأداب بالجامعة».

وتشير لقد تمتع الدكتور قاسم بسمعة إنسانية وأخلاقية عالية وشخصية قوية، كانت له هيبة كبيرة حتى الاشخاص الذين يتمتعون بجانب سلبي كانوا يخشون الدكتور قاسم عبده قاسم ويعرف جيدا ان الدكتور لا يخشى في الحق لومة لائم.

وأوضحت دوره الكبير في الترجمة إلى العربية: فترجم العديد من الكتب واخر كتبه المترجمة والتي شرفت بقراءتها والاطلاع عليها هو كتاب في غاية الاهمية يكشف فيه أن كيف لبعض المؤرخين الذين يدعون الصدق والموضوعية هم ليسوا كذلك على الإطلاق لأن كل مؤرخ لديه توجه سواء وطني أو لمصالح معينة، فالمؤرخ ليس كالملاك الذي يهبط على الاحداث التاريخية فيسجلها كما لو أنه كاميرا المؤلف متحيزة ويكشف أن كيف كان المؤرخون ينحازون لمناطق لأشخاص ولموضوعات معينة، ويقول كيف لهؤلاء مثلا في اوروبا قام الألمان بإعدام المؤرخين الذين توجهوا لتحطيم الروح المعنوية لدى مواطنيهم، وتلك نقطة مهمة لم ينتبه لها الا تشارلز والدكتور قاسم عبده قاسم، عندما ترجم لنا هذا الكتاب القيم.

وبحديثها عن الموقف الإنسانيّ تقول أستاذ علم الاجتماع الدكتورة هدى زكريا:«عندما كنت معيدة بجامعة الزقازيق حرص على مساندتي، فأنا من أبناء جامعة القاهرة وهو كذلك، فكان حريصا أن يساند زملاؤوه مساندة حقيقة وقوية».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved