سراج لرضوى عاشور.. حكاية عربية عن المقاومة

آخر تحديث: الجمعة 29 نوفمبر 2024 - 7:24 م بتوقيت القاهرة

حكاية عربية، هكذا كتب بشكل واضح ومباشر على غلاف الرواية، كلمتين أثارتا العديد من الأسئلة، فهل المقصود أنها حكاية من التراث العربى تعيد الكاتبة صياغتها؟ أم يعنى ذلك أنها حكاية تحدث فى دولة عربية ما بعيدة كل البعد عن مصر؟ أم المقصود أنها حكاية لا تحدث سوى فى بلادنا العربية فقط؟
كانت المفاجأة أن الرواية إجابة واضحة وصريحة على كل ما سبق من تساؤلات بل هى تعد واحدة من أهم التجارب الروائية التى عبرت من خلالها الكاتبة رضوى عاشور عن هويتها العربية التى لم تتجزأ وتتمزق بين بلدة على حساب أخرى فما دامت المعاناة متشابهة بل واحدة فالانتماء لن يختلف، لكنها عبرت إلى تلك الهوية من بوابة التاريخ بالمزج بين الحقيقة والخيال، كان المكان متخيلا وزمن الأحداث حقيقيا ونتائجه متوقعة فكانت رواية سراج التى صدرت عام 2008 عن دار الشروق.
تبدأ أحداث الرواية من رحلة آمنة اليومية من منزلها إلى قصر السلطان الحاكم حيث تعمل خبازة، لم تتخلف يوما عن موعدها الذى يبدأ مع شروق الشمس وينتهى بغروبها، لم يمنعها حتى رحيل زوجها بلا رجعة وسفر الابن سعيد إلى بلاد بعيدة يصعب حساب العودة منها بقدر المسافة بينهم.
رحل سعيد ابنها الوحيد على متن واحدة من السفن التى تأتى إلى الجزيرة تحمل خيراتها إلى بلاد الغرب، وتمر فى طريقها ببلاد عربية لم يسمع عنها أحد، اختار الابن الرحيل لعله يجد حياة أخرى خارج الجزيرة بعيدا عن فقر الشعب واستسلامه، وبين عبيد السلطان الذين زاد عددهم من تسلطه وظلمه بالرغم من أن الكلمة النهائية ليست له.
كانت الكلمة للاحتلال البريطانى الذى يسيطر على خيرات الجزيرة التى بالرغم من حصار البحر لها من كافة الجهات فى موقعها بين اليمن وزنزبار لكنها مليئة بخير البضائع التى تصلح للتجارة فتدر عائدا ضخما يمول حملاتهم، ولم يكتف رجال الاحتلال بذلك بل قرر أحدهم بناء قاعدة عسكرية فى الجزيرة لإحكام قبضتهم عليها.
ظن سعيد أنه يفر من هذا المصير وإذا به يواجهه فى مدينة الإسكندرية حيث رست السفينة ورحلت فى موعد مبكر عن ميعاد رحيلها المعروف، ليعايش سعيد يوميات الثورة العرابية، ثم محاصرة الإسكندرية ودك حصونها وقتل المئات من أهلها ودخولها بهزيمة عرابى واحتلال مصر بالكامل.
تلك الأحداث كانت الخلفية التاريخية التى اختارتها الكاتبة للحكاية العربية لتقف من خلالها على جذور الاحتلال الذى ظل يدمى قلوبنا لسنوات ومازال حتى الآن، لكنه فى تلك الفترة كان يعتمد على بعد المسافات، جهل الشعوب ببعضها البعض، ولكن الهوية واحدة وهو ما أكدته الكاتبة من خلال الصداقة التى جمعت بين سعيد ومحمود الشاب الاسكندرانى الذى انتشله من التيه وقدم سعيد إلى عائلته ليصبح فردا منهم، حتى يجد سعيد نفسه أمام رحيل آخر.
رحيل لم يتعمده فقد كان الهدف منه البحث عن صديقه الذى فقده خلال المقاومة، فإذا به فى واحدة من القرى بالقرب من ترعة المحمودية، يلتقى أبو إبراهيم الذى يشفق على حاله فيرسله إلى منزله ليظل وسط أبنائه حتى يعود من رحلته التى اعتزمها للانضمام إلى البقية الباقية من رجال عرابى.
يصل سعيد إلى منزل أبو إبراهيم لتحتويه زوجته كواحد من أبنائها، وهنا تسلط الرواية الضوء على دور المرأة الذى خصته الكاتبة بحيز كبير فى أعمالها الأدبية، فمن بين يديها ينطلق السرد ومن خطواتها تبدأ الحكاية، فهى التى تشهد الأحداث وتتحمل تبعاتها بل تتحمل شجاعة حفظ الحكاية وروايتها عشرات المرات والتاريخ خير شاهد على ذلك باختلاف الظروف والزمان والمكان.
فكما حملت آمنة عبء العمل فى قصر السلطان وأخفت ألمها على رحيل ابنها الوحيد، تتحمل أم إبراهيم ألم موت الابن الأكبر ورحيل زوجها للحرب، وتتحمل مرارة الهزيمة التى يعود بها الزوج يحملها على كتفيه وتنعكس فى طباعه التى تبدلت، وتضع فوق ذلك مسئولية سعيد الذى يعتاد الحياة بين ابنائها ويتعلم حتى الزراعة التى لم يعرفها طيلة حياته، وهنا موضع آخر تحدثنا فيه عن الهوية والانتماء هل هو بالنشأة والميلاد فقط أم أنه بالتجربة، بالعادات والتقاليد التى تتشابه بالبشر الذين لا يختلفون عنك فى شىء سوى أنهم ولدوا فى مكان آخر وظروف مختلفة، إذا ماذا تعنى الهوية؟ وما هو جوهر الانتماء؟ عليك أن تعيد التفكير فى معناهم.
لم يقتصر دور المرأة فى الرواية على آمنة وأم إبراهيم فقط فقد كان لها حضور مختلف فى صور متعددة اختلفت بقدر اختلاف الظروف، حاكمة القصر زوجة السلطان، وملكة انجلترا، والعاملات فى القصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved