عبدالوهاب الحمادى: البحث عن الإجابات كان الدافع وراء كتابة «سنة القطط السمان»
آخر تحديث: الخميس 30 يناير 2025 - 8:42 م بتوقيت القاهرة
أسماء سعد
- الاحتفاء بالرواية أثلج صدرى ودفعنى للإتقان أكثر.. والجوائز ليست معيارًا للجودة ولكن دافع لحلم رواية لا تُنسى
- الشخصيات تنفلت أحيانًا من التخطيط وتعيد صياغة مصيرها بنفسها
يكشف الكاتب والروائى الكويتى عبدالوهاب الحمادى عن رؤيته العميقة وعلاقته الوثيقة بالكتابة والتاريخ، إذ يصفها بأنها رحلة بحث مستمرة عن إجابات لأسئلة مؤرقة، معتمدا على مزيج من التخطيط الدقيق والخيال لتطوير رواياته، حيث يعبر الحمادى خلال حوار له مع «الشروق» عن دهشته وسعادته بالاحتفاء الجماهيرى بروايته «سنة القطط السمان»، موضحا كواليس العمل على رسم شخصياتها وحبكتها، بالإضافة إلى أثر البحث فى الأرشيفات التاريخية ودور الكتابة فى إعادة قراءة التاريخ بشكل مبتكر ومؤثر.
< كيف ترى الاحتفاء باستقبال أعمالك الأدبية فى مصر، خاصة بعد إطلاق «سنة القطط السمان»؟
ــــ هذا الاستقبال لم يكن متوقعا على الإطلاق، بمعنى، كنت خائفا أن يكون العمل الروائى غير مستساغ لأنه يتحدث عن فترة تاريخية كويتية غير معروفة، قبل اكتشاف النفط، كان أمرا صعبا على القارئ المصرى والعربي. لكن الاقبال عليها والقراءات أمر أثلج صدرى، خاصة، أن كثيرا منهم يقومون بالبحث عن المجتمع والمصطلحات وأسماء الشخصيات رغبة فى معرفة ما وراء النص، وهذا أمر يصعب مهمة الكاتب ويدفعه للإتقان.
< كيف أثرت فكرة رواية «سنة القطط السمان» على نظرتك للتاريخ الكويتى وأهميته فى السرد الروائى؟
ـــــ كنت كعادتى أحاول الفهم، لذلك، كنت أبحث وأكتب وأسأل الشخصيات محاولا إيجاد إجابات على كثير من الأسئلة المؤرقة، ولن أكون مجافيا للحقيقة إن قلت إنه بحث عن إجابات على هيئة رواية.
< حدثنا عن مصادر الإلهام التى دفعتك للغوص فى تفاصيل حادثة 1937 المتعلقة بالرجل الهندى ومطعمه فى سوق الكويت، وكيف طورت هذه الحادثة إلى عمل روائى؟
ـــــ جاءت بمحض صدفة، كان السطر الذى عرفته ويتعلق بخبر المطعم الذى اتهم بالغش كأنما هو باب فتحته فبدأت القصة بالنمو بواسطة الخيال، وبدأت الشخصيات بالظهور والتبدل، الثبات أو الاختفاء. مثلا تولد شخصية لتكون عابرة فإذا هى تتطور والعكس، ثمة شخصية تكون فى البال وأنوى أن تكون أساسية لكنها تختفى، وأكبر مثال «الهندستانى» صاحب المطعم، كان شخصية من شخصيات الرواية، ذهب وبقيت أقواله، ثم حذفت أقواله وبقيت ظلال له رأيت أنها تكفى. ثم جاءت مرحلة تجربة إيجاد الأدوات التى تصل بالنص إلى القارئ بأغلب حمولته. لذلك كان اشتغالا أخذ قرابة ثلاثة أعوام، من الفرح والإحباط والمتعة والقراءة.
< كيف كان العمل مع الأرشيف البريطانى للمعتمد البريطانى فى الكويت، وما أبرز ما وجدته فيه وأثر على صياغة روايتك؟
ــــ كان الأرشيف البريطانى مؤثرا فى العمل ومليئا بالإثارة، مثلا، خبر المطعم فى التاريخ الكويتى ذكر على أنه حادثة جرت عام 1940. لكن الأرشيف البريطانى ومراسلات المعتمد كانت دقيقة إذ كان هنالك تاريخ محدد وبدأ فى يناير 1937. وكانت درسا فى كيفية عمل الذاكرة الجمعية من حذف وإثبات. وكانت أيضا ثمة تفاصيل ربما لم أكتبها كاملة، لكن حرصت على وضع ما رأيته كافيا ويخدم الرواية، لأنها فى النهاية رواية وليست كتاب تاريخ!
< هل يمكنك أن تشرح لنا أكثر عن تقنيات الكتابة التى تعلمتها أثناء العمل على «سنة القطط السمان» وكيف ساعدتك على تطوير أسلوبك الأدبى؟
ـــــ كل عمل هو تحد للكاتب، إذ تكمن معضلة بعد سؤال: ماذا أقول! يأتى سؤال: كيف أقول؟ لذلك كانت مغامرة الكتابة بأسلوب الراوى المخاطب ومحاولة التغلب على ما يجعل القارئ لا يستهويه هذا الأسلوب، وحتى الآن والحمد لله، وجدت صدى جيدا عند النقاد والقراء على سواء. واستخدمت الراوى العليم، والحرف المائل لتبيان تفكير الشخصيات الداخلى.
< تحدثت عن تأثرك بنجيب محفوظ. كيف ساهمت أعماله فى تشكيل رؤيتك للرواية؟ وهل ترى أن لديك شخصية أدبية قريبة من شخصياته؟
ـــــ التأثر كبير جدا فى كاتب مدرسة مثل نجيب محفوظ على أكثر من صعيد، مثلا كيف تحكى الحكاية؟ كيف تصنع الرمز؟ بناء الشخصية وغيرها. محفوظ مدرسة كبيرة لا أمل من الرجوع والتعلم والاندهاش من قدرته الفذة على اللعب الفنى وكيف يتحدى كل عمل عنده أعماله السابقة. بالنسبة للشطر الثانى من السؤال، قد أجد أحيانا تأثرا خفيا فى بعض الحوارات أو طريقة الوصف. لكنه تأثر خافت قد ألاحظه أنا ولا يلحظه القارئ.
< كيف توفق بين التخطيط الدقيق لرسم الشخصيات وتاريخها وبين عنصر الخيال الذى تعتمد عليه فى تطوير الحبكة؟
ــــ سؤال صعب، لأن الشخصيات غالبا ما تنفلت من عقال التخطيط كأنما تريد صياغة نفسها بنفسها. مثلا شخصية حاتم فى رواية سنة القطط السمان، كان فى الأساس شخصية عابرة غير مهمة، غير أنه لم يطق هذا المصير وصار شخصا مهما فى ماضى مساعد بطل الرواية وحاضره بل ومستقبله. لذلك أذكر نفسى بترك العفوية لتأخذ طريقها ثم إدخال عنصر الصنعة ومحاولة الانتباه لأى خطأ ما وتصويبه.
< هل كان لكتابتك عن الاحتلال العراقى للكويت فى «أصوات تشيد الذاكرة» و«ولا غالب» أى تأثير على تعاملك مع موضوع «سنة القطط السمان»؟
ــــــ موضوع الاحتلال موضوع أساسى عندى ولا يمكن أن يغادر ذهنى، ورغم أن حدث الرواية يسبق الاحتلال بنصف قرن إلا أن بعض الحوارات فى الرواية كانت تؤصل وتفكك بعض ما أسس الاحتلال شرعيته عليه، وتبين اختلاف النظام فى الكويت عن النظام الملكى فى العراق وعدم وجود أى من تلك المزاعم المضحكة التى روجها نظام الاحتلال عام 1990. هل كنت متعمدا؟ لا أدرى لأن هناك وعيا ولا وعى، لكن الأكيد أن الاحتلال صاغ شطرا كبيرا من أفكارى تجاه العالم.
< فى رأيك، كيف تسهم الرواية فى إعادة قراءة التاريخ بطريقة تجعل القارئ يشعر بالقرب منه؟ وهل تخطط لمزيد من الأعمال التى تستند إلى حوادث تاريخية؟
ــــــ منذ رواية الطير الأبابيل كان التاريخ. نحن قوم أبناء التاريخ، هل تتصورين قوما يعادون وقد يبدأون حربا طاحنة بسبب حادثة تاريخية جرت منذ آلاف السنين غيرنا؟ لذلك لا أظنه سيغادرنى، كتبت عن الحادى عشر من سبتمبر فى رواية الطير الأبابيل، وعن بدايات ما يسمى بالربيع العربى فى الكويت فى رواية لا تقصص رؤياك. عن رؤيتنا للتاريخ واحتلال الكويت وسقوط الأندلس فى رواية ولا غالب. وجاءت سنة القطط السمان التى تعرفينها. وهنالك رواية عن الأشهر التى سبقت الاحتلال أشتغل عليها منذ ٩ سنوات. إذن أنا مصاب بالتاريخ ولا أظننى أشفى منه إلا مؤقتا.. عبر الكتابة.
< بعد وصول رواياتك السابقة إلى جوائز مرموقة مثل «بوكر»، كيف ترى تطور تجربتك الروائية؟ وهل ترى «سنة القطط السمان» استمرارا لهذا النجاح أم خطوة فى اتجاه جديد؟
ــــ الجوائز والوصول لها مهم لأنها تصل بالكاتب إلى شرائح قراء جدد. لكنها بكل تأكيد ليست دليل جودة فنية بل دليل حظ فى الأغلب. لذلك أكون حريصا على محاولة تجويد العمل والعمل ما استطعت على تطوير الكتابة وعدم الركون للراحة. أعرف أن ما سأقوله حالم لكننى أحلم دوما بكتابة رواية لا تنسى. أعرف أنه الحلم المستحيل، لكن هذه وظيفة الأحلام الرئيسية بالنسبة لى على الأقل، تعطينى دافعا للحياة ومحاولة بلوغ السراب.