اللي بنى مصر (8).. ميشيل باخوم.. أستاذ الإنشاءات الذي رسم أبرز معالم القاهرة

آخر تحديث: الخميس 30 مارس 2023 - 12:25 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

بتاريخ حضارتها الممتد لآلاف السنين، واحتضانها وتفاعلها مع الثقافات المحيطة الأخرى، أصبحت مصر أشبه بلوحة فنية بديعة من مكونات عمرانية وعادات أصبحت تشكل تراثا ثريا وأصيلا، وراء ذلك عقول بشرية صنعته؛ ليكون من الجدير بها أن يطلق عليها لقب "اللي بنى مصر".

وتحت هذا العنوان، سنعرض في حلقات مسلسلة بعض ملامح سيرة من شكلوا لمصر وجهها الحضاري العظيم، وتراثها الملهم، على مدار أيام شهر رمضان المبارك، للعام الثاني على التوالي.

الحلقة الثامنة..

بعد يومين يستضيف استاد القاهرة الدولي، لقاءً بين فريقي الأهلي والهلال السوداني، في مواجهة مصيرية لنيل بطاقة العبور إلى الدور ربع النهائي من بطولة دوري أبطال إفريقيا للموسم الجاري، وستشهد المباراة حضور نحو 50 ألف متفرج.

ومع توجه تلك الأعداد الغفيرة من الجماهير إلى استاد القاهرة، من المرجح أن تسلك أغلبها «كوبري أكتوبر» في طريقها من وسط وشمال القاهرة لبوابات ومدرجات استاد القاهرة، وباعتبار الاستاد والكوبري من معالم القاهرة منذ عقود، فأنهما الأكثر تميزا، ووراء تصميمهما شخص واحد هو المهندس ميشيل باخوم صاحب العقلية الفذة في الهندسة الإنشائية.

• أبهر أساتذة الجامعات الأمريكية

في الأربعينيات ذهب ميشيل باخوم إلى الولايات المتحدة؛ لنيل درجة الدكتوراه الثانية في مجال الهندسة، وقبل أن يسافر أتخذ قرارين، الأول أنه سيعود إلى مصر، والثاني أنه لن يتزوج أمريكية حتى لا تعوقه عن تنفيذ القرار الأول، فعندما عرضت جامعة «إلينوي» أن تسدد لمصر تكلفة البعثة على أن يظل في أمريكا، وينضم لهيئة التدريس رفض بشكل قاطع، ولم يغره ثناء عميد الجامعة، الذي قال: «لم يزرنا منذ 22 عاما طالب بهذه العقلية»، ولم يكن هذا غريبا على "باخوم" الذي كان أول القطر المصري في الثانوية العامة عام 1931، والحاصل على دكتوراه جامعة فؤاد عام 45، بحسب حوار أجره الكاتب الصحفي عمر طاهر، مع نجله الدكتور مراد باخوم.

• الخرسانة سابقة الإجهاد

وجاء في الحوار، أن باخوم عاد من أمريكا في منتصف عام 1949، واستأجر غرفة في شقة بشامبليون، أسس فيها شركته مع المهندس أحمد محرم، ومع مرور الوقت أصبحت هذه الشركة «الغرفة» طابقا كاملا يضم 4 شقق، وتخصص باخوم في مجال «الخرسانة»، وكان يتتبع علومها، وكل جديد فيها بشغف، ثم سافر من جديد للدراسة في جامعة كولومبيا لتعلم المزيد، ثم العمل في إحدى الشركات الكبيرة بنيويورك، وتعلم مجال «الخرسانة سابقة الإجهاد» وأدخلها إلى مصر، وكانت معجزة معمارية؛ لأنها تقلل تكاليف البناء، وتسمح بمرونة كبيرة في الأفكار.

وكان تطبيقها الأساسي في ألمانيا بعد الحرب، حيث كان الحديد نادرا والتمويل ضعيفا؛ ما دفعه لزيارة مؤتمرات كثيرة هناك، ليعود بعدها يقضي الوقت في البحث وعمل التجارب بمعمل الخرسانة في القاهرة الذي كان يرأسه حتى نهاية الخمسينيات، والذي تتوسط جدرانه صورة كبيرة له حتى اليوم.

• كوبري أكتوبر.. «مش عايزين حاجة من حد»

أصبح الجميع يفكر في إنشاء كوبري يعبر فوق نهر النيل؛ ليسهل حركة المرور بالقاهرة، وليكون مشروعا قوميا، وأثناء التجهيز تحقق انتصار مصر في حرب أكتوبر فتحول اسم المشروع من كوبري رمسيس إلى كوبري السادس من أكتوبر.

وبينما كانت مصر تحتفل بعبور قناة السويس، كان ميشيل باخوم يقف بين العمال والخرسانة، يفكر في الطريقة التي سيعبر بها نهر النيل.

وعند التنفيذ، اختار "باخوم" بخبرته "الخرسانة سابقة الإجهاد" التي تناسب دولة استنزفت معظم «دولاراتها» في حرب أكتوبر، فأصبح من المستحيل الاستعانة بشركات عالمية، وقال باخوم وقتها بثقة: « مش عايزين حاجة من حد».

وبدأت المرحلة الأولى من منطقة المتحف الزراعي حتى شاطئ النيل الصغير، ثم وقف باخوم بين تلاميذه يشرح لهم كيف ستحدث معجزة عبور النيل الكبير، وبأقل تكلفة متاحة، وتصميم يسمح للسفن والمراكب بالعبور دون إزعاج.

• استاد القاهرة.. وتحقيق 3 انتصارات

وفي إنجاز آخر، كان الحديث عن استاد القاهرة الذي انتصر فيه باخوم 3 مرات، الأولى عندما سمع عبد الناصر يقول في افتتاح الاستاد: «نفتتح هذا الملعب ونشعر بالحمد في عيد الثورة الثامن لله الذي أعاننا على البناء، ومكننا من الفرصة التي نحتفل فيها اليوم بهذا العمل الكبير»، والانتصار الثاني حدث بعد عدة سنوات عندما تحدث الجميع عن كارثة متوقعة في الاستاد الذي يسع 80 ألفا، والذي كان المقرر حينها أن يستضيف نهائي بطولة إفريقيا؛ وكان عدد الجماهير أكثر من 130 ألفا، لكن ثقة باخوم في عمله انتصرت في النهاية بعد أن تحمل هذا العدد الذي كان يقفز فرحا بفوز الإسماعيلي بالبطولة، وكان الانتصار الثالث عندما منحه "عبدالناصر" وسام الجمهورية تقديرا لنجاحه.

اقرأ أيضا: اللي بنى مصر (7).. جورج أبيض.. إشادة من الخديو قادته لريادة المسرح المصري

وغدا نلتقي بحلقة جديدة..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved