أسواق العالم على موعد مع خفض «تاريخي» للفائدة الأمريكية وسط انقسام حول مدى جدواه

آخر تحديث: الأربعاء 31 يوليه 2019 - 5:19 م بتوقيت القاهرة

أ ش أ

تتجه أنظار المستثمرين ودوائر صنع القرار الاقتصادي حول العالم صوب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ، الذي سيجتمع اليوم لاتخاذ قرار" مصيري" بشأن أسعار الفائدة وسط إجماع على تقديرات بخفضها بمقدار 25 نقطة أساس ، وانقسام في الوقت ذاته حول مدى جدوى الخفض للاقتصاد الأمريكي وإذا ما كان يشكل بداية لمرحلة جديدة من التيسير النقدي أم مجرد تحرك مؤقت لاحتواء المخاوف بشأن ضعف النمو العالمي وتداعيات النزاعات التجارية على حركة التجارة العالمية.

تأتي أهمية اجتماع الفيدرالي اليوم ليس فقط من المكانة التي يحظى بها كمحرك لأكبر اقتصاد على مستوى العالم بل لتوقيت ودوافع هذا الخفض أيضا ، الذي يعد الأول منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008 ، حيث يأتي في وقت ينعم الاقتصاد الأمريكي بأطول فترة نمو بدعم نمو قطاع الوظائف وتراجع معدلات البطالة وهو ما يضعف الأسباب المصاغة لإقرار الخفض ويثير الجدل حول ملابساته من وجهة نظر البعض.

ويمثل التوجه نحو خفض الفائدة تحولا كبيرا في سياسات المركزي الأمريكي ورؤية قائده حيروم باول - الذي قاوم طويلا الضغوط الممارسة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفضلا التركيز عوضا عن ذلك على العمل بما يخدم مصلحة الاقتصاد الأمريكي بمعزل عن أية ضغوط سياسية.

فبرغم تصدي باول منذ توليه رئاسة الفيدرالي قبل عام ونصف العام لانتقادات ترامب اللاذعة بسبب عدم خفض الفائدة، يبدو الآن أكثر ترحيبا بفكرة خفض الفائدة بدعوى التأثير السلبي لتباطؤ النمو العالمي على اقتصاد الولايات المتحدة ..معتبرا أنه من الأفضل اتخاذ إجراءات احترازية تحول دون الدخول في دوامة الركود بدلا من الاكتفاء بموقف المتفرج ومراقبة ما قد يحدث.

وأيدت جانيت يلين سلف باول خفض أسعار الفائدة من أجل دعم الاقتصاد الأمريكي في مواجهة المخاوف من تباطؤ معدلات النمو العالمي ومستويات التضخم المتدنية..قائلة:" كنت سأتخذ القرار ذاته إذا ما كنت في المنصب ، وأرى أنه قرار صائب في الوقت الراهن ولن يكون بالضرورة بداية لحزمة واسعة من إجراءات التيسيير النقدي".

ويقول كارل ريكادونا كبير الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين بوحدة "بلومبرج إيكونومكيس" التابعة لوكالة "بلومبرج" الأمريكية : المؤكد إنه سيتم خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة وهو ما يحظى بشبه إجماع في تقديرات المحللين لكن ما يظل عالقا هو كيف سيفصح مسئولو البنك عن نواياهم بشأن طرح مزيد من إجراءات التيسيير النقدي في المستقبل"..مضيفا : "إن هناك حرصا شديدا بين دوائر صناع القرار الاقتصادي بتفادي الانصياع لضغوط الأسواق من أجل خفض الفائدة بمقدار يتراوح من 50 إلى 75 نقطة".

وفي الوقت الذي يترقب المستثمرون قرار الخفض بشىء من الترحيب باعتباره بارقة أمل للأسواق تحفز البنوك المركزية الرئيسية الأخرى حول العالم لتحذو حذو الفيدرالي الأمريكي..يحذر خبراء من تبعات القرار على الاقتصاد الأمريكي الذي لايزال غير محسوم كيف سيستوعب قرار الخفض، كما أنه ينذر يمخاطر اقتصادية في غنى عنها الآن مثل فتح الباب على مصرعيه أمام "القروض المحفوفة المخاطر"، نظرا لانخفاض تكاليف الاقتراض ومن ثم زيادة مديونية الشركات المرتفعة بالفعل.

ويرى خبراء اقتصاديون أن التصرف على نحو احترازي - مثلما يبرر باول - كفيل بخلق تحديات ومشكلات خاصة به أيضا حيث يقلل احتمالات المراوغة فيما بعد أمام مسئولي الفيدرالي في حال واجهوا بالفعل ضعفا في النمو أو أداء قطاعات الاقتصاد الأمريكي ولا يترك جعبتهم خالية الوفاض من خيارات تمكنهم من مجابهة أي ضعف يطرأ على الاقتصاد.

ويقول بيتر بوكفار الخبير بالمجموعة الاستشارية لبليكلي في هذ الصدد :"يشعر الفيدرالي وكأنه الرجل الخارق الذي ينوط به حماية الاقتصاد الأمريكي في مواجهة المخاطر المستقبلة ، ولكن ما سيفعله في الواقع هو تيسيير عملية الاقتراض ومفاقمة ديون الشركات".

وفي المقابل ، تستند وجهة النظر المؤدية لخفض الفائدة على عدة أسباب تراها منطقية للدفع صوب الخفض وأولها يتعلق بتباطؤ وتيرة النمو المحققة في الربع التاني من العام والتي جاءت بنسبة 1ر2 % مقابل 1ر3% في الربع الأول وهو ما يعزز المخاوف بشأن تأثير ضعف النمو العالمي سلبا على الاقتصاد الأمريكي الذي يؤكدون إنه لا يقف بمعزل عن التغيرات العالمية حسبما يزعم البعض.

كما أن هناك مخاوف من التداعيات السلبية للنزاعات التجارية التي خاضتها الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس دونالد ترامب وأبرز مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، في مايو الماضي وفرض واشنطن تعريفات جمركية على الوارادت الصينية ومنع شركات التكنولوجيا الأمريكية من تصدير منتجاتها لهواوي الصينية التي تم إدراجها على القائمة السوداء..ذلك إلى جانب استقرار معدلات الأجور الأمريكية عند مستوى أقل من المنشود رغم انتعاش قطاع الوظائف وهو ما يعزز تبني إجراءات تحفيزية.

وقال باول في شهادته الأخيرة أمام الكونجرس : إن العلاقة الطردية التاريخية بين نمو الوظائف وارتفاع الأجور انهارت تماما مؤخرا بعد أن كانت قوية قبل 50 عاما ، حيث لم تستجب معدلات الأجور للتوسع الذي يشهده قطاع الوظائف الأمريكي.

وبين مؤيد ومعارض يظل قرار الفيدرالي الأمريكي اليوم بشأن الفائدة الأكثر جدلا والمغامرة الأكبر لرئيسه جيروم باول في حياته المهنية على حد وصف وسائل الإعلام الغربية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved