جرائم الأسباب «التافهة».. ما الدوافع النفسية وراء ذلك؟!

آخر تحديث: الخميس 31 أكتوبر 2019 - 8:46 م بتوقيت القاهرة

بسنت الشرقاوي

طبيب نفسي: انتشار القتل الأسري ليس ظاهرة والجناة "سيكوباتيين" وليسوا مرضى نفسيين
تقرير الداخلية 2018: ازدياد الجريمة خلال 3 سنوات بسبب انتشار الأسلحة والدراما العنيفة والظروف الاقتصادية
القومي للبحوث: 92% من الجرائم الأسرية سببها الشرف
مؤشر الجريمة العالمي نامبيو 2018: مصر تحتل المركز الرابع عربيًا والـ26 عالميًا والـ 8 أفريقيًا في تزايد معدلات الجريمة


قتل والدته، ذبحت طفلها الرضيع، طعن صديقه حتى الموت، كلها جرائم مروعة انتشرت في مصر مؤخرًا، أطلق عليها "ظاهرة القتل السهل"، بعدما شهد المجتمع المصري عشرات الجرائم كان الدافع وراءها أسباب خلافية سفيهة، لا ترقى لحد الانتقام، بالإضافة لانتشار ظاهرة القتل الأسري بشكل مخيف.

فقد شهد شهر أكتوبر الجاري، جرائم قتل حدثت لأهون الأسباب، كان ضمنها مقتل سائق توكتوك، 26 عامًا، يعمل في منطقة المطرية في القاهرة، على يد عاطل، بعد أن اختلف معه على سعر هاتف محمول كان قد اشتراه السائق، ليدخلا معا في نقاش حاد ثم شجار انتهى بتوجيه العاطل طعنة بمطواة للسائق أودت بحياته، وجريمة أخرى هزت مصر، كانت من نصيب الطالب في الثانوية العامة، محمود البنا، في محافظة المنوفية، جراء طعنات نافذة بالبطن إثر مشاجرة مع بعض زملائه بسبب الدفاع عن فتاة ضد التحرش، فيما عرف باسم "شهيد الشهامة".

وقبل أيام من وقوع الجريمة، وقعت جريمة أخرى لسبب "تافه" أيضا، حيث أقبل شخص في منطقة العمرانية بالجيزة، على قتل صاحب صالة رياضية، وإصابة شقيقه، بعد اكتشافه أن المكملات الغذائية التي اتباعها من الصالة مغشوشة، وبحسب التحريات، نشبت مشادة كلامية تدخل فيها أهل الطرفين، تطورت لإشهار صاحب الصالة المطواة في وجه القاتل، لكن الأخير حصل عليها ليسدد له طعنة نافذة في الجسم ويصيب شقيق القتيل.

جريمة أخرى حدثت في الجيزة، بعدما شرع سائق توكتوك في قتل سائق حافلة مدرسية تقل أطفالا خلال عودتهم من المدرسة، كان سببها احتكاك الحافلة بالتوكتوك خلال الزحام، ليتحول الأمر إلى شحار بينهما ويصعد سائق التوكتوك الى قائد الحافلة ويسدد له طعنات نافذه في البطن كادت أن تودي بحياته.

أما عن حالات القتل الأسرية، فشهد منتصف أكتوبر جريمتان مروعتان، أولاهما إقبال شاب على قتل أبيه السبعيني، في منطقة بولاق الدكرور، ودفنه تحت سريره، في غياب أمه التي كانت في زيارة أخته، وذلك بسبب معاناة القاتل من ضيق الأحوال المادية ومرض ابنته بالسرطان، وعقب ملاحقة أجهزة الأمن له انتحر تحت عجلات قطار إمبابة، حيث تقطن إحدى شقيقاته، أما الجريمة الثانية كانت عثور الأجهزة الأمنية في الإسكندرية على أشلاء جثة فتاة تخلص منها والدها بخنقها ثم تقطيعها والقائها في الطريق العام؛ بسبب الشك في سلوكها.

في هذا التقرير نستعرض الدوافع وراء جرائم القتل السهل، وجرائم القتل الأسري بدم بارد، في تصريحات خاصة لـ "الشروق".

* أسباب عامة

يقول الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس، في تصريات خاصة لـ "الشروق" إن انتشار المخدرات بصورها المختلفة وبالتحديد التخليقية، تعد ضمن أسباب انتشار القتل، لأن العلم لم يكتشف تأثيرها على المخ حتى الآن، وتكمن خطورتها في اختلاف مكوناتها من تاجر لآخر، لذلك فهي يطلع عليها اسم التخليقية، مشيرًا إلى أنها تتسب في تغيب عقل المتعاطي لتجعله يقوم بأي شيء حتى ولو كان القتل.

وأضاف مجدي أنه من ضن أسباب الجريمة، غياب الخطاب الديني الذي يعتمد على تغيير السلوك وليس كثرة المواعظ، كما لفت إلى أن انتشار العشوائيات تلعب دورًا هامًا في ارتكاب الجريمة.

* ما سبب سهولة الإقبال على القتل؟

يفسر مجدي سهولة الإقبال على القتل، بأنها تحدث نتيجة كسر الحاجز النفسي واستسهال القتل من جانب الجاني، لافتا الى أن السبب في ذلك في المقام الاول هو انتشار مشاهد العنف في الأعمال الدرامية في التليفزيون والسنيما والسوشيال ميديا، موضحًا أنها تنقل للمجتمع خناقات حية، تجعل من السهل على الأشخاص ارتكاب مثلها في المستقبل.

وأشار الى أن اعتياد مشاهدة أخبارالقتل وتفاصيلها، يدعم بشكل كبير من ارتكاب الجريمة، معبرًا: "أعرف أنه في العالم يتم حجب تفاصيل الجريمة حتى لا تشجع الناس على ارتكاب مثلها.. لكن وسائل الإعلام أصبحت تنقل كل الجرائم بالتفصيل حتى أن الكثيرين اعتقدوا مصر كلها قاتلة!" .

* لماذا يحدث القتل لأسباب تافهة؟

لفت مجدي إلى أنه هناك عواملًا عديدة جعلت بيئة المجتمع غير مؤهلة للعيش فيها، منها بشكل أساسي التلوث، والاذحام، والضوضاء التي تزيد من الغضب والعنف، وكلها عوامل تؤثر على الجهاز العصبي للفرد بشكل متراكم، فلو قارنا بين الجريمة والعنف في الأماكن الخضراء والأماكن الملوثة، سنجد انها قليلة الإنتشار في الأولى عن الثانية، حيث تسبب عوادم السيارات والأصوات العالية، غياب ثقافة التحكم في الغضب، ومن ثم تتمخض الجريمة.

* ما الظروف التي تدفع الآباء والأمهات لقتل أبنائهم؟

أوضح مجدي أنه في هناك نوعين من الظروف التي تدفع الآباء والأمهات لقتل أبنائهم، النوع الأول يسمي "بالقتل نتيجة حب التملك"، وهو أن يضرب الأب او الأم الطفل بعنف كبير لأنه يظن أنه ملكه وأصبح مسؤولًا منه، ولكن عندما يرى أن الابن قد توفي، يصاب بالصدمة ويقتل نفسه فيما يسمى بـ "الانتحار الممتد"، وهو ما حدث في إحدى الجرائم عندما قتل الأب أسرته لكي يدخلوا الجنة وانتحر بعد الجريمة، وغالبا ما لا يرتبط بالحالة المادية أو الأسباب الاجتماعية.

أما النوع الثاني فسببه اليأس وضعف الإيمان، ويرجع لأسباب متعددة منها الحالة المادية والتربية والنشأة، وغالبا ما يكون مرتكبوه "سيكوباتييون"، أي يعانون من اضطرابات شخصية عنيفة، وليست اضطرابات نفسية_المريض النفسي لا يقع عليه عقوبة جنائية أما المريض بالاضطرابات الشخصية يقع تحت طائلة القانون، لافتًا إلى أن حالات القتل التي نسمع عنها غير منتشرة، لكن يتم تضخيمها من جانب وسائل الإعلام، موضحًا أن المركز القومي للجريمة والبحوث عندما يبحث في تاريخ المجرمين يجده خاليا من القيم وملييء بالاضطرابات الشديدة في الشخصية، لأشخاص ليسوا عاديين او اسوياء.

* ما الدافع وراء الانتقام بعد القتل؟

يقول الدكتور مجدي إن أفعال الإنتقام التي يرتكبها المجرم بعد الجريمة، مثل التشويه ومحو ملامح الجثة، تعني أن الجاني وصل الى مرحلة متقدمة من إضطرابات الشخصية، وهنا يفسر مجدي الفارق بين الإضطرابات النفسية والشخصية فيقول: "الاضطرابات الشخصية جزءا من الاضطرابات النفسية، لكنها تختلف عنها، لأن الشخصية تخضع للمساءلة الجنائية بسبب ارتكاب صاحبها أفعالا انتقامية شديدة الشر، لكن المريض النفسي فلا تقع عليها عقوبة جنائية إذا ارتكب جريمة متوقفة على عوامل مرضية".

* إحصائيات

في يناير الماضي، أصدرت وزارة الداخلية تقريرًا يكشف معدلات الجريمة خلال العام 2018، التي تزايدت خلال الـ 3 سنوات الماضية، وأوضح ترتيب محافظات الجمهورية بحسب معدلات الجريمة.

حيث تصدرت القاهرة والجيزة والقليوبية والغربية والدقهلية التقرير كأكثر المحافظات التي ترتفع فيها الجريمة، وجاءت مدن الرحاب والشيخ زايد و6 أكتوبر والسلام والبساتين والمعادى والمرج على رأس القائمة، ذلك بسبب انتشار الأسلحة النارية، الإفراج عن الكثير من العناصر الإجرامية، والتأثيرات الناجمة عن الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات، والظروف الاقتصادية، وتكوين تشكيلات عصابية جديدة من الشباب العاطلين.

وفي أحدث إحصائيات للجريمة وهو "مؤشر الجريمة العالمي نامبيو" لعام 2018، احتلت مصر المركز الرابع عربيا، والـ26 عالميًا، والـ 8 أفريقيًا، في تزايد مستويات الجريمة.

وأشارت إحصائية إلى تطور أنواع الجريمة وطرق تنفيذها، بزيادة القتل العمد بنسبة 130%، والسرقة بالإكراه 350%، حسب إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية في عام 2017.

كما أشارت أحدث دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الى أن الغالبية العظمى من الجرائم جرى ارتكابها ليلًا بنسبة 69.1% مقابل 39% نهارا، بينما كان استخدام السلاح الأبيض الأداة الأولى في القتل، فيما كشفت احصائية صادرة عن نفس المركز، ان 92% من الجرائم الأسرية هي جرائم الشرف، بنسبة 70% من الأزواج ضد زوجاتهم، و20% بين الاشقاء.

* هل يمكن تأهيل القاتل ليعود كما كان؟

يجيب الدكتور مجدي على هذا السؤال فيقول: "يمكن تأهيل القاتل المريض نفسيًا، لأنه يرتكب الجريمة نتيجة أوهام تصيبه، مثل الشكوك حول الخيانة الزوجية او ايهامات التعرض للإذاء من جانب أحد الأشخاص"، لافتا الى أن نسبة القاتلين من المرضى النفسيين لا تزيد عن 1% على مستوى العالم.

* ما الحل؟

في الختام شدد مجدي على ضرورة التوعية ضد المخدرات التخليقية، وتجديد الخطاب الديني بما ينعكس على السلوكيات، بالإضافة تجنب تضخيم الحوادث في الدراما أو الإعلام أو السوشيال ميديا، ولو على الأقل حجب النشر التفصيلي في الجرائم الأسرية، على حد قوله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved