دعم عسكري وتمويل طائل.. كيف ساعدت أمريكا وألمانيا الاحتلال الإسرائيلي في خفض نزيف خسائره بحرب غزة؟
آخر تحديث: الخميس 31 أكتوبر 2024 - 1:08 م بتوقيت القاهرة
الشيماء أحمد فاروق ومحمد حسين
تكبّد الاحتلال الإسرائيلي منذ إطلاق المقاومة الفلسطينية لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 خسائر فادحة على كافة الأصعدة والمستويات؛ حيث وثقت فصائل المقاومة الفلسطينية تدمير عشرات الآليات إسرائيلية، وتنوعت بين دبابات وناقلات جند، وتواصل المقاومة استهداف المعدات الثقيلة وتدميرها جزئيًا أو كليًا في معارك برية شرسة داخل القطاع.
كما بلغ عدد قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي حوالي 491، من بينهم نحو 133 ضابطًا، أي ما يقارب 27% من إجمالي القتلى وتضمنت القائمة قادة ألوية هامة بصفوف جيش الاحتلال، وذلك وفقًا لتقرير نقلته شبكة سكاي نيوز.
وتصاعدت الضغوط الداخلية على حكومة الاحتلال والقيادات العسكرية، حيث يُطالب بإجراء تحقيقات حول الخلل في الأداء الأمني، وإعادة النظر في الخطط الدفاعية والاستراتيجية التي اعتمدت عليها إسرائيل خلال السنوات الماضية.
* أزمة اقتصادية
وشهدت العملة الإسرائيلية (الشيكل) انخفاضًا حادًا، ما دفع بنك إسرائيل لضخ 45 مليار دولار لتحقيق استقرار العملة، وقد تأثرت القطاعات الحيوية، كالإنتاج الزراعي في "غلاف غزة" الذي يشكل جزءًا كبيرًا من الإمدادات الغذائية المحلية، وفقا لموقع تايمز أوف إسرائيل.
وأضاف الموقع، أنه ومن جانب آخر، زادت تكاليف التأمين على الشحنات المستوردة والمصدرة نتيجة التهديدات الأمنية، مما يرفع من أسعار السلع الأساسية، ويزيد من الأعباء المالية على اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي بشكل عام.
* إخفاقات تضرب سمعة الاحتلال
من جهة أخرى، شهدت الشركات العاملة في الصناعات الدفاعية والأمنية خسائر على مستوى سمعتها التجارية، حيث كانت إسرائيل تعتمد في الحروب السابقة على عرض قدراتها العسكرية للترويج لصادراتها الأمنية، إلا أن بعض الإخفاقات في الأمن الداخلي أضعفت صورة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي.
كذلك، تأثرت الشركات التي تعتمد على العمالة بسبب استدعاء جزء كبير من القوى العاملة للخدمة العسكرية، مما أثر على الإنتاج في القطاعات الصناعية والخدمية داخل إسرائيل.
* الهجرة العكسية..طوفان الأقصى يهدد مجتمع الاحتلال الإسرائيلي
منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، ازداد عدد الإسرائيليين المغادرين للبلاد بشكل ملحوظ، إذ فضّل الآلاف منهم البقاء في الخارج للبحث عن الأمان، خصوصاً من المناطق المتاخمة لغزة والشمال التي تتعرض لمخاطر أمنية متزايدة على إثر الضربات الصاروخية المتواصلة من قبل حزب الله اللبناني.
ووفقًا لتقديرات دائرة السكان والهجرة الإسرائيلية فأظهرت الإحصاءات أن حوالي 370 ألف شخص قد غادروا إسرائيل منذ بدء الصراع، إلى جانب توجه البعض نحو دول أوروبية، مثل البرتغال، التي تتيح منح تأشيرات خاصة لليهود.
ويأتي ذلك بالتزامن مع انخفاض نسب المهاجرين الجدد إلى إسرائيل بنسبة 21% منذ أكتوبر مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو الأمر الذي يمثل ضربة موجعة لبناء وديموغرافية المجتمع الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث أنه قائم بالأساس على فكرة توافد المهاجرين إليه من شتات العالم، ورغم الكم الهائل من الخسائر التي مُنيت بها إسرائيل فإنها لا تزال تواصل عدوانها وانتهاكاتها، وتقف حكومتها عقبة ضد مسارات التهدئة ووقف إطلاق النار.
ومن بين أسباب استمرار إسرائيل في خططها ومنهجها ما تتلاقاه من دعم ومساعدات طائلة، لاسيما في الجانب العسكري.
ووفقا الإحصاءات والأرقام الرسمية، فإن الدعم الخارجي الأكبر للاحتلال الإسرائيلي مصدره الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، والذي نستعرضه بشكل تفصيلي في التقرير التالي :
ومنذ اليوم الأول للحرب ويقف جو الرئيس الأمريكي جو بايدن خلف الاحتلال الإسرائيلي وداعما له بصورة مطلقة، حيث أشار إلى أن أمن إسرائيل يمثل أولوية في السياسة الأمريكية.
وتقدم بايدن بطلب إلى الكونجرس الأمريكي لتمويل غير مسبوق لدعم إسرائيل عسكريا، تزويد منظومة "القبة الحديدية" بالذخائر، ووجود قطع عسكرية أمريكية في المنطقة لتعزيز الردع ضد هجمات المقاومة من كافة جبهات القتال.
ولجانب ذلك ومع تزامن الحرب مع الانتخابات الرئاسية الأميركية، فقد تسابق المرشحون للإعلان عن موقفهم المساند لإسرائيل، وقد شدد دونالد ترامب، الرئيس السابق والمرشح للرئاسة، على دعمه الكامل لإسرائيل واتهم الإدارة الحالية بعدم تقديم الدعم اللازم، وقال إنه يعتقد أن الحرب لم تكن لتقع لو كان في السلطة، مشيرًا إلى رفضه لأي انتقادات لسياسات إسرائيل في غزة.
بينما أكد المستشار الألماني أولاف شولتس أن موقف ألمانيا جنبا إلى جنب مع إسرائيل مستندًا إلى مسؤولية ألمانيا التاريخية بعد المحرقة واعتبار أمن إسرائيل جزءًا من سياستها الثابتة.
وتصاعد الدعم الألماني للاحتلال مع تصريحات وزيرة خارجية ألمانيا، أن لإسرائيل الحق في قتل المدنيين بقصف المناطق التي يعيشون فيها، إذا كان هناك إرهابيون يسيئون استخدامها.
* أمريكا.. الراعي الأكبر للاحتلال
تعتبر إسرائيل ـ التي تحظى برعاية الولايات المتحدة منذ إعلان تأسيسها عام 1948 ـ أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية في التاريخ، حيث حصلت على 251.2 مليار دولار بالدولار المعدل حسب التضخم منذ عام 1959، حسب تقرير لمشروع تكاليف الحرب بجامعة براون، والذي صدر في 7 أكتوبر 2024، في الذكرى الأولى لبداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة حماس.
وتشمل المساعدات الأميركية منذ بدء الحرب على غزة التمويل العسكري، ومبيعات الأسلحة، وما لا يقل عن 4.4 مليار دولار من السحب من المخزونات الأميركية، ومعدات مستعملة.
وما يدفعنا للسؤال والبحث ورصد أبرز التقارير حول الإنفاق العسكري الإسرائيلي، هو الحجم الضخم لهذا الإنفاق، حيث أن الإنفاق العسكري الإسرائيلي كبير عند مقارنته بالناتج المحلي الإجمالي، ففي عام 2022، أنفقت إسرائيل 4.5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على جيشها، وفقًا للبنك الدولي، وهو ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي، وهي في المرتبة الثامنة لأعلى إنفاق عسكري عند مقارنته كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتعتمد إسرائيل بشكل كبير على الولايات المتحدة في تغطية هذا الإنفاق، وإليكم أحدث ما نشر في هذا الصدد..
وأنفقت الولايات المتحدة مبلغا قياسيا بلغ 17.9 مليار دولار على الأقل على المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة والتي أدت إلى تصعيد الصراع في الشرق الأوسط.
*أكبر مساعدات في عام واحد
ومبلغ 17.9 مليار دولار الذي تم إنفاقه منذ 7 أكتوبر 2023، بالدولار المعدل حسب التضخم، هو أكبر مساعدات عسكرية تُرسل إلى إسرائيل في عام واحد، فقد التزمت الولايات المتحدة بتقديم مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لإسرائيل عندما وقعت معاهدة السلام مع مصر التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 1979، ومنذ أيضاً تحديد إدارة أوباما المبلغ السنوي لإسرائيل عند 3.8 مليار دولار حتى عام 2028.
*تدعيم القبة الحديدية والقنابل الموجهة
كانت أغلب الأسلحة الأمريكية التي تم تسليمها خلال العام عبارة عن ذخائر، من قذائف المدفعية إلى القنابل الخارقة للتحصينات التي يصل وزنها إلى 2000 رطل والقنابل الموجهة بدقة.
وتتراوح النفقات ما بين 4 مليارات دولار لتجديد أنظمة الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية" و"مقلاع داود" في إسرائيل إلى توفير المال اللازم لشراء البنادق ووقود الطائرات، بحسب تقرير جامعة براون.
وعلى النقيض من المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا والتي تم توثيقها علناً، كان من المستحيل الحصول على التفاصيل الكاملة لما أرسلته الولايات المتحدة إلى إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، وبالتالي فإن مبلغ 17.9 مليار دولار لهذا العام هو رقم تقديري، حسبما قال الباحثون، ويعد هذا التقرير - الذي اكتمل قبل أن تفتح إسرائيل جبهة ثانية ضد حزب الله - أحد أول الإحصاءات للتكاليف المقدرة للولايات المتحدة، وينقسم المبلغ في عدة قنوات للإنفاق، نوضحها في الرسم التالي:
أيضاً تشير تقديرات مركز أبحاث الكونجرس إلى أن المساعدات العسكرية الأميركية تمثل 16% من إجمالي ميزانية الدفاع الإسرائيلية، ويشير مركز البيانات "يو أس أي أفاكتس" إلى أن هذه المبالغ الإجمالية لا تشمل الأموال المخصصة لأنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية.
وفي أبريل 2024، وافق الكونجرس، ووقع الرئيس جو بايدن على قانون" المخصصات التكميلية للأمن الإسرائيلي" بقيمة 14.3 مليار دولار كمساعدات أمنية طارئة لإسرائيل، وهو القانون الذي قدمه بايدن في نهاية عام 2023 وتعطلت الموافقة عليه بسبب خلافات أمريكية داخلية، ولكنه أصبح واقعاً حالياً.
وتنقسم بنود القانون إلى:
* ألمانيا.. خزينة لتمويل آلة الاحتلال في غزة
في أكتوبر 2023، قدمت ألمانيا دعمًا عسكريًا لإسرائيل بلغت قيمته حوالي 100 مليون يورو، تضمن هذا الدعم معدات عسكرية متنوعة، منها حوالي 10 ملايين يورو خصصت لأسلحة الحرب، في حين تم توجيه الجزء الأكبر 90 مليون يورو، لمعدات عسكرية أخرى مثل العربات المدرعة وتقنيات الرادار، وفقا لما ذكرته تايمز أوف إسرائيل.
في نوفمبر 2024، ارتفع الدعم العسكري الألماني لإسرائيل بشكل كبير، حيث وصلت قيمة الموافقات على الصادرات العسكرية إلى حوالي 303 مليون يورو، بزيادة كبيرة مقارنة بـ32 مليون يورو من الصادرات في العام السابق.
وشمل الدعم بشكل رئيسي معدات عسكرية غير قتالية مثل العربات المدرعة وأنظمة الرادار، حيث تم تخصيص حوالي 19 مليون يورو لفئة “أسلحة الحرب” و284 مليون يورو لفئات أخرى من المعدات العسكرية.
وفقًا لمصادر مختلفة، فإن جزءًا من هذه الصادرات يتضمن مكونات لأنظمة الدفاع الجوي وتجهيزات أخرى لتعزيز قدرة إسرائيل الدفاعية، وفقا لما نشره موقع" ذي ديفينس" المختص بالشأن العسكري.
في يناير 2024، واصلت ألمانيا تزويد إسرائيل بدعم عسكري، بما في ذلك الموافقة على عدة شحنات جديدة، وفقًا للتقارير، أُصدرت تراخيص تصدير معدات عسكرية بقيمة تفوق 9 ملايين يورو بين يناير وفبراير 2024.
وشكلت الصادرات بشكل رئيسي معدات دفاعية غير قتالية تشمل أنظمة الاتصالات والمكونات المستخدمة في الدفاع الجوي، حسب تقرير لمؤسسة" أكشن أون أرمد فايلونس.. العمل ضد العنف المسلح" البريطانية.
في الفترة من مارس إلى يونيو 2024، دعمت ألمانيا إسرائيل عسكرياً بتصدير معدات غير قتالية، مع التركيز على الدعم اللوجستي والأمني.
بلغت قيمة صادرات ألمانيا العسكرية لإسرائيل في هذا الإطار ما يقدّر بنحو 200 مليون يورو، وشملت معدات مثل الخوذات، الدروع الواقية، وأجهزة الاتصالات العسكرية، حسب مؤسسة" ستمسون" للأبحاث.
تعرّضت ألمانيا لضغوط قانونية ودولية لتقليص هذا الدعم، حيث طالبت عدة دول، مثل نيكاراجوا، محكمة العدل الدولية بوقف المساعدات الألمانية.
بين يونيو وسبتمبر 2024، واجه الدعم الألماني لإسرائيل تحديات وتغيرات ملحوظة، على الرغم من التزامات ألمانيا تجاه أمن إسرائيل، كانت هناك قلة في الموافقات على صادرات الأسلحة الثقيلة لإسرائيل مقارنة بالسنوات السابقة.
تشير التقارير إلى أن الحكومة الألمانية وافقت على شحنات متواضعة فقط من المعدات العسكرية، شملت أسلحة محدودة للاستخدام الدفاعي مثل الذخائر ومعدات الاتصالات، مما رفع إجمالي قيمة الصادرات إلى نحو 14.5 مليون يورو، مقارنةً بـ326 مليون يورو في 2023، ما يُظهر انخفاضاً حاداً في الدعم المباشر، وفقا لـ جيورزاليم بوست.
ولكن تشير التقارير أيضاً إلى أنه في الأسابيع الثمانية التي سبقت منتصف أكتوبر 2024، وافقت ألمانيا على صادرات أسلحة إضافية بقيمة 31 مليون يورو (حوالي 34 مليون دولار) إلى إسرائيل، وهو أكثر من ضعف المبلغ مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.