أشعل فيلم No other land الجدل في ألمانيا بعد فوزه بجائزتين في الدورة 74 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، لكونه يروي مدى التناقض الذي يحدث على أرض فلسطين من حيث توفر عوامل الأمان ومقومات الحياة للمستوطنات، في مقابل هدم المنازل الفلسطينية بالجرّافات وقطع مواسير المياه وخطوط الكهرباء التي تغذي المساكن الفلسطينية المتواضعة.
فاز الفيلم التسجيلي الفلسطيني - النرويجي «لا أرض أخرى»، الذي عُرض للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان برلين في دورته الـ74 بجائزتي أفضل فيلم وثائقي في المهرجان، بالإضافة إلى جائزة الجمهور في برنامج البانوراما لأفضل فيلم وثائقي.
صناع الفيلم
باسل عدرا، ناشط فلسطيني شاب من منطقة "مسافر يطا" في الضفة الغربية، يكافح منذ طفولته ضد التهجير الجماعي لأهله على يد الاحتلال الإسرائيلي، وهو يوثق عملية الإبادة البطيئة للقرى في منطقته حيث يقوم الجنود الذين نشرتهم الحكومة الإسرائيلية بهدم المنازل تدريجيا وطرد سكانها، وفي مرحلة ما، يلتقي بالصحفي الإسرائيلي يوفال، الذي يدعمه في جهوده، ويتطور تحالف غير متوقع.
لكن العلاقة بين الاثنين متوترة بسبب التفاوت الهائل بينهما: باسل يعيش تحت الاحتلال العسكري بينما يعيش شريكه في الفيلم يوفال أبرهام بحرية ودون قيود، وتم إنتاج هذا الفيلم من قبل مجموعة فلسطينية إسرائيلية مكونة من 4 نشطاء شباب ليكون بمثابة عمل من أعمال المقاومة الإبداعية على الطريق نحو تحقيق قدر أكبر من العدالة، بحسب الوصف المذكور عن الفيلم على المنصة الرسمية لمهرجان برلين، الذي كان الشاشة الأولى التي تعرض الفيلم عالميا.
مسافر يطا، هي مجموعة من القرى التي سعت إسرائيل إلى استخدام أراضيها كمنطقة عسكرية، وفي عام 2022، بعد معركة قانونية استمرت عقدين من الزمن، قضت المحكمة العليا بأن لإسرائيل الحق في الأرض وأن ما يقرب من 2000 فلسطيني يعيشون هناك قد يضطرون إلى المغادرة.
وهاجم يوفال، في خطابه أثناء استلام الجائزة النظام الإسرائيلي، وتحدث عن السيطرة العسكرية على الضفة الغربية، وقال: "ملايين الفلسطينيين محتجزين في الضفة الغربية وهذا الوضع من الفصل العنصري وعدم المساواة، يجب أن ينتهي"، كما ندد بـ"المذبحة" التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين ومبيعات الأسلحة الألمانية لإسرائيل.
هجوم على المخرج الإسرائلي
بثت هيئة الإذاعة العامة "كان" الإسرائيلية مقطعًا مدته 30 ثانية من الخطاب، ووصفت حديث المخرج الإسرائيلي بأنها "معادية للسامية"، وقال الناقد السينمائي الإسرائيلي رون فوجل، إنه غير مرتاح بسبب الانتقادات الموجهة لإسرائيل في مهرجان الفيلم.
غرد يوفال في وقت متأخر من يوم الأحد، بعد حفل الختام، أنه يتعرض لتهديات منذ انتشار خطابه والعديد من الشتائم اللفظية، وقال: "أنا اتلقى تهديدات بالقتل منذ ذلك الحين"، وبينما كان يستعد للصعود إلى منزله في إسرائيل، اتصل به أشخاص وهددوه بلقائه عند وصوله إلى المطار، وقد ألغى رحلته منذ ذلك الحين قائلاً: "لقد فهمت أنني لا أستطيع العودة"، بحسب واشنطن بوست.
كما انتقد السياسيون الألمان التصريحات التي أُلقيت على خشبة المسرح ووصفوها بأنها "منحازة" وألقوا باللوم على منظمي المهرجان لأنهم تركوا هذه التصريحات تمر دون منازع، وغرد عمدة برلين كاي فاغنر قائلاً إن التصريحات "غير مقبولة" وأن "معاداة السامية ليس لها مكان في برلين، على حد وصفه"، مضيفا أنه يتوقع من منظمي المهرجان "ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مرة أخرى".
كواليس فيلم "لا أرض أخرى"
كتب الناقد نيكولاس رابولد في مقدمة حواره مع مخرجي الفيلم: "يستحق التكريم بجدارة لتصويره المؤثر والمثير للغضب للمجتمع الفلسطيني المتماسك الذي يقاوم حملة الطرد الإسرائيلية التي لا هوادة فيها، إن تميز الفيلم والشجاعة المطلوبة لإخراجه أمر يستحق التأكيد عليه"، وفقا لمجلة filmmaker.
وقال يوفال: "كان لدينا تحديان رئيسيان: الأول هو أننا نروي ثلاث قصص مختلفة، لديك قصة باسل الشخصية، إنها فيلمه، من وجهة نظره، وروايته، وطفولته، ثم لديك قصة الصداقة بيننا، ثم قصة مجتمع مسافر يطا وما يحدث هناك، إن دمج هذه القصص الثلاث في فيلم واحد متماسك كان تحديًا كبيرًا للغاية، والثاني هو أحداث العنف التي تحدث في مسافر يطا، كيف يمكنك أخذ كل لحظات العنف والهدم والتشريد والترحيل وتحويلها إلى قصة في خضم الاعتداءات والاشتباكات".
وأضاف عدار، أنه من بين التحديات إيجاد نهاية لهذا الفيلم، لأننا لا نوثق شيئا حدث وانتهى، إنه مستمر، ويزداد سوءًا، كنا على وشك الانتهاء في أكتوبر، ولكن ما حدث أثر على الوضع في مسافر يطا، حيث بدأ الوضع يسوء أكثر فأكثر، ومن ثم أضفنا أمورا أخرى.
وأوضح أن النهاية ارتبطت بمقتل ابن عم عدرا، حيث أطلق مستوطن من البؤرة الاستيطانية القريبة من قرية عدرا النار على ابن عمه في بطنه، وقام عدرا بتصوير هذه اللحظة، وبعد ذلك بدأ القرويون بالمغادرة بأعداد كبيرة نتيجة للإرهاب والرعب بعد هذا الحادث.
وكشف عدرا، في حواره عن تعرضه لتهديلات بالقتل أيضا من قبل مستوطنين في كثير من الأحيان، حيث أخذ مجموعة من المستوطنين صورة له وصنعوا له ملصقًا: "مبروك، نأمل أن تعتني زوجتك الجديدة بهذا المحرض –في إشارة له- وتبقيه في المنزل".