ما هي الرواية الأكثر حظا بين أعمال الكاتب خالد خليفة.. الرواية التي تجاهلتها الجوائز العربية - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:23 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما هي الرواية الأكثر حظا بين أعمال الكاتب خالد خليفة.. الرواية التي تجاهلتها الجوائز العربية

إيمان صبري خفاجة
نشر في: الأحد 1 أكتوبر 2023 - 9:21 م | آخر تحديث: الأحد 1 أكتوبر 2023 - 9:21 م
6 أعمال روائية هي نتاج مشوار الكاتب خالد خليفة الذي رحل عن عالمنا مساء السبت 30 سبتمبر 2023.

ستة أعمال روائية هي نتاج مشوار الكاتب خالد خليفة الذي رحل عن عالمنا مساء السبت الموافق 30 سبتمبر 2023.

في هذه الأعمال الستة رصد خالد خليفة الواقع السوري حيث ربط بين التاريخ والسياسة، بين ما حدث في الماضي ونتج عنه الحاضر الغامض الذي حل على سوريا في أعقاب الثورة السورية.
كما تميزت هذه الأعمال بالآنية، بمعنى أنها تحدثت عن الوضع الحالي في السواد الأعظم من أجزاء هذه الروايات، بالإضافة إلى حرصه على أن تكون الرمزية التاريخية للمكان للقرية السورية التي ينتمي لها خليفة.

بالرغم من هذه العوامل المشتركة بين أعماله، كانت رواية الموت عمل شاق الصادرة عام 2016 هي الأوفر حظا عالميا وذلك وفقا لرأي خليفة الشخصي في هذا الصدد، حيث صرح قبل عام من الآن لقناة ناشر الإخبارية بذلك قائلا: «أعتقد أن الموت عمل شاق كانت عمل محظوظ، ترجمت إلى 17 لغة، وصلت إلى القائمة النهائية لجائزة الكتاب الوطني الأمريكي للأدب المترجم عام 2019، جائزة بانيبال لأفضل ترجمة، بالتالي هذا العمل كان محظوظا في استقباله باللغات الأخرى.

أعتقد بأن 17 لغة تعني17 حياة أخرى للكتاب، كل لغة كل ثقافة تتلقى الكتاب بطريقتها، وبالتالي هذا الكتاب يعيش مع هذه الثقافة أو ترفضه.

هذه الترجمات بالنسبة لي كانت طريقة وباب لإعادة التفكير بالكتابة بأنها قادرة أن تصل إلى كل هذا العالم، قادرة فعلا أن تكون مؤثرة، وهذا الكتاب كان لديه كل هذا الحظ، ما عدا الجوائز العربية تجاهلته تماما».

هذه الكلمات تعني أن الجوائز والترجمات المتعددة كانت السبب في ذلك وفقا لموضوع الرواية الرئيسي وهو الوضع في سوريا، لكن بين صفحات الرواية والموضوعات التي ألقي بالضوء عليها بأسلوب غير مباشر بين السطور هناك أسباب أخرى.

تنطلق أحداث رواية الموت عمل شاق من مشهد معتاد، أب يحتضر ويوصي أبنائه في لحظاته الأخيرة بأن يدفن في قريته، قرية العنابية التي خرج منها منذ سنوات ليعيش في مدينة دمشق.
يرحل الأب ويترك وصيته بين أيديهم، ويتركهم في حيرة من أمرهم، كيف ينفذون وصيته؟ فالأمر يتطلب منهم السفر بجثمانه لأكثر من ست ساعات هي زمن المسافة بين مدينة دمشق وقرية العنابية.

في ظروف أخرى لا تعد تلك الساعات زمن يحسب له حساب، لكن في زمن الحروب الأهلية والتقاتل بين التنظيمات الإرهابية، والجيش النظامي السوري ونقاط التفتيش التي أغرقت الحدود بين القرى والمدن في وطن واحد، والتي كانت تعبر عن الشتات الذي مزق الوطن السوري الواحد إلى أكثر من توجه كل منهم يؤدي إلى الموت بطريقة أو بأخرى، يصبح الأمر بمثابة عملية انتحارية.

يقرر الأبناء الثلاثة خوض التجربة والسفر بجسد الأب دون التفكير في العواقب، مغامرة أجبرتهم أن يعيشوا معا لساعات مرة أخرى بعد أن افترق كل منهم عن الآخر في طريقه لأسباب مختلفة، لم يجمعهم سوى الموت، وكأنهم صورة مصغرة من الوضع السوري في تلك الفترة، لكن هل جمعهم الموت حقا؟ أم مزقهم وكان دافعم إلى رحيل أكبر عن الوطن والتنصل من مسؤولياتهم تجاهه؟!

تكمن الإجابة في الرحلة التي يبدأ معها تغيير السرد الروائي إلى تقنية الفلاش باك بلغة أهل السينما ليعرض الكاتب حكاية كل من الأبناء الثلاثة وتاريخ هذا الأب الذي رحل في هذا الوقت العصيب وكأنه رمز للقلوب والعقول التي لم تعد تحتمل المزيد من الدمار لهذا الوطن، ومن تلك النقطة من ذروة الحدث نتعرف على أبطال الرواية.

الأب عبداللطيف السالم، الذي عرف في المدينة بالعنابي نسبة إلى قريته، فالماضي أي التاريخ يظل لصيق بأصحابه يذكرهم باغترابهم عنه بين لحظة وأخرى ولو من خلال كنية تطلق عليهم.

آمن العنابي بمباديء حزب البعث حتى اكتشف بمرور الوقت أن نوايا بعض الرفاق غير صادقة، وظل طيلة حياته ينتظر الثورة، حتى تم إدراج اسمه ضمن المناهضين للنظام، للحد الذي منع أحد نقاط التفتيش السماح لجثمانه بالعبور فهو معادي للنظام الذي ينتظر عقابه حتى بعد أن فاضت روحه! تماما كما يحدث في سوريا، المزيد من الجرائم في حق شعب لم يعد لديه ما يسلب منه ويعذب من أجله.

حسين الابن الأكبر الذي منى نفسه بالوصول إلى سلطات كبيرة في حياته وتحقيق أحلام الشباب، هو واحد ممن يؤمنون بالكلمات الرنانة الموروثة التي تمثل سلطة على عقول الناس، وللأسف لم يجني من ذلك سوى الخسارة والعمل كسائق بسيط بلا طموح، فعاد عليه الأمر بأن أصبح أكثر عجرفه وكراهية لكل ما يدور حوله حتى أهله.

نبيل، بلبل كما أطلق عليه خلال الأحداث، هو الابن الأوسط الذي ولد ونشأ وسط أجواء الحرب والنزاعات بين الأحزاب السياسية والشتات بين التوجهات الدينية أيضا، الأمر الذي أورثه ضيق الأفق وضعف الشخصية، والخوف الذي لازمه طيلة حياته إلا في لحظة احتضار والده، فهو من قرر تنفيذ وصيته حتى النهاية، وكأنها صحوة تماما كأحداث الثورة التي لا شك في صدقها ولكنها بالرغم من ذلك أورثتهم المتاعب، كتلك المتاعب التي جلبتها لهم الرحلة.

فاطمة، هي الابنة الصغرى والوحيدة، نشأت في مجتمع يعاني، وبالتبعية حين يعاني الرجال في وطن ضعيف ينعكس ذلك على المرأة بالعنف تارة، وبالتجاهل تارة أخرى، وهذا ما عانته ابنة وزوجة أيضا، لكنها تؤمن أن عليها مسؤولية تجاه عائلتها وأنها مطالبة بلم شملهم حتى وإن دفعت ثمن ذلك، هي تعبير عن حال المرأة السورية خلال حقبة تاريخية كاملة.

بالنظر إلى ظروف الأب التي انعكست بالتبعية على أبنائه ولكن بأثر مختلف وفق شخصية كل منهم، نكتشف أنهم صورة مصغرة تعبر عن العائلات السورية التي عاشت تحت ضغط الصمت لسنوات طويلة، أنظمة عائلية استخدم النظام صمتهم كدليل على أنه الأفضل!

تبدأ الرحلة التي تأخذ أيام طويلة بين نقاط التفتيش، يحتجزون تارة لساعات، وتارة أخرى يحتجز جثمان الأب ويسمح لهم بالبحث عن مكان يقضون فيه هذا الوقت، تلك الساعات تتحول إلى فرصة للبحث عن أصدقاء قدامى في الأماكن التي يحتجزون فيها، وكأنهم يبحثون عن جزورهم، عن ما كانوا عليه في الماضي، وكأنها فرصتهم لمراجعة مواقفهم، وبوابة عبور الكاتب بنا إلى حياوات أخرى، لشخصيات متعددة، يعبر من خلالهم كيف تمزق المجتمع، كيف تحول الموت إلى عبء لا يكمن في ألم الفراق فقط، بل يكمن في أن تتحول جثامين الموتى إلى مجرد أرقام وحيرة أين يدفنون وبأي ذنب قتلوا، ويصبح الموت صورة معتادة، فيفقد الفراق جلاله وهيبته، ويتمنى الأحياء لو تبادلوا الأدوار مع موتاهم!

تمر الأيام وتشتد وطأة الرحلة وتزداد نقاط التفتيش عنفا حتى بعد أن بدأت جثة الأب في التحلل وفكر أحد أبنائه في التخلص منه على قارعة الطريق، وكأن رائحة الموت لم تمنع هؤلاء من الكف عن جرائمهم ولم توقظ ضمائرهم.

يرفض نبيل التخلي عن جثة والده ويصر على أن يكمل الطريق، وحين يتم القبض عليه في أحد نقاط التفتيش، ينعكس ذلك على إخوته وكأن صحوتهم في غياب صاحب الإرادة الأقوى فيهم، تماما كما حدث مع الثورة حين حاول البعض اغتيالها!

وبالفعل يصل حسين وفاطمة إلى قرية العنابية ويلحق بهم نبيل بعد أن استطاع أن يفلت من قبضة من يدعون أنهم المسئولون عن الأمن، ويحتضن تراب العنابية جثمان الأب بجانب أفراد عائلته، في مشهد يعبر عن التاريخ المحمل بالمتاعب، والمدن القديمة الشاهدة على الأحداث وظلت صامدة تحتضن أجساد أبنائها الذين هجروها في صمت.

يعود الأبناء الثلاثة نفس الرحلة من القرية إلى المدينة في ساعات هذه المرة، فلم يعد بحوزتهم جثمان، في إشارة من الكاتب إلى أن الصمت والرضا بالأمر والواقع هو تأشيرة الحياة الوحيدة بين هذه الأوضاع لكنه ليس ضمانه فهو موت بالبطيء يكمن في التغيرات التي أصابتهم فلم يعد أي منهم على اختلاف وجهته كما كان تماما، وفي صمتهم ندرك كيف يصبح الموت عمل، أي شيء مادي، عمل شاق.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك