«الشروق» تستمع لشهادات ضحايا «الإذلال الجنسى» على يد «الدعم السريع» بالسودان - بوابة الشروق
الأحد 5 يناير 2025 3:29 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تستمع لشهادات ضحايا «الإذلال الجنسى» على يد «الدعم السريع» بالسودان

رسالة السودان - سمر إبراهيم تصوير - محمد عيسى
نشر في: الخميس 2 يناير 2025 - 8:25 م | آخر تحديث: الخميس 2 يناير 2025 - 8:58 م

- رحلة شاقة لمقابلة 6 فتيات إحداهن تم اغتصابها وهى مصابة بطلق نارى فى الكتف

- وحدة مكافحة العنف ضد المرأة: وثقنا 313 حادثة عنف جنسى .. والحالات تمثل 2% فقط مما يحدث فى الواقع

- الضحايا: أفراد الميليشيا اغتصبونا.. ونعيش بلا مأوى ونعانى من نبذ المجتمع

- مصدر فى المستشفى السعودى للنساء: الإجهاض يتم فقط من خلال نموذج رسمى صادر عن النيابة العامة

- تقرير أممى أكد تورط «الدعم السريع» فى أعمال عنف جنسى على نطاق واسع بولايات الخرطوم الكبرى ودارفور والجزيرة

 

ملامح مختلفة وأعمار متباينة لـ6 فتيات سودانيات، تجمعهن المأساة التى بدأت بعد اندلاع حرب الخامس عشر من إبريل فى السودان بين ميليشيات الدعم السريع وقوات الجيش السودانى وتعرضهن كما حدث مع أعداد أخرى من النساء للاعتداء الجنسى من جانب عناصر من ميليشيات الدعم السريع.

حزن كثيف تزامن مع فرحة لم تتحقق بقدوم رمضان عام 1444 لتتبدل أغانى هلال الشهر وصيامه والاحتفال وتجهيز لبس العيد وتحضير صوانى البسكويت، وتتحول حياتهن إلى جحيم لا لشىء إلا لكونهن إناثًا دفعن ثمنًا مضاعفًا للحرب، باختصار ضاعت الفرحة مع صوت أول طلقة رصاص وأول طرقة على أبواب منازلهن وصولًا إلى اغتصابهن تحت تهديد السلاح، ليفارقهن المغتصبون تاركين وراءهم ألمًا فى القلب لا يزول وذكريات مريرة محفورة فى أذهانهن وعلى أجسادهن، نتيجة جريمة لا يجب أن تسقط بالتقادم.

يقول تقرير لبعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصى الحقائق بشأن السودان، الصادر نهاية أكتوبر الماضى: إن قوات الدعم السريع، مسئولة عن ارتكاب عنف جنسى على نطاق واسع فى ولايات الخرطوم الكبرى ودارفور والجزيرة، وساق أسبابًا معقولة للاعتقاد أن الأفعال المرتكبة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما فى ذلك التعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسى والاضطهاد.

ولأكثر من ساعتين؛ هما الوقت الفاصل بين القاهرة وبورتسودان، كان التفكير فى كيفية اختراق الأبواب الموصدة بأقفال صدئت بمرور الزمن وتراكم الموروثات المجتمعية، فى ملف شائك مثل «ملف ضحايا العنف الجنسى»؛ ملف الجانى فيه حر يكرر خطيئته والمجنى عليه مكسور يتخفى من الجميع لدرجة أنه يتنازل عن أبسط حقوقه خوفًا من المجتمع الشرقى المحافظ!


• 60 يومًا للبحث عن ضحايا العنف الجنسى

على مدار 60 يومًا؛ استمر بحثى عن ضحايا، كان الوصول إليهن مرهقًا للغاية فى ظل حصار مجتمعى. ورغم ذلك كان هناك بصيص أمل تمثل فى وجود بضعة أشخاص مؤمنين بضرورة فتح هذا الملف وضرورة تحطيم قيود معتقدات وصمة العار، وأهمية أن تتحدث الضحايا بأنفسهن ولا يوكلن الجهات الرسمية للحديث عنهن كأرقام وإحصائيات فقط.

التقرير الصادر عن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية السودانية، عن سبتمبر الماضى وحصلت «الشروق» على نسخة منه، قال إنَّ العنف الجنسى المتصل بالنزاع هو جريمة حرب لا ينبغى أبدًا لمرتكبيها الإفلات من العقاب، والواقع يقول إنَّ 90% من هذه الجرائم تم ارتكابها بواسطة ميليشيا الدعم السريع، وهذا لا يعنى إطلاقًا التغاضى عن أى جرائم عنف جنسى تم ارتكابها بواسطة القوات النظامية.

وما تم توثيقه بحسب التقرير عبر الخدمات المقدمة 313 حادثة عنف جنسى، ولكن هذا الرقم لا يمثل أكثر من 2% مما يحدث على أرض الواقع.

فى مطلع أغسطس الماضى، بدأت من مدينة بورتسودان رحلة البحث عن الضحايا، مرورًا بـ«كسلا والقضارف» فى أقصى شرق البلاد، وصولًا إلى مدينة «أم درمان» شمال السودان؛ وعود كثيرة بدعمى فى الوصول تارة، ونفى من معظم المسئولين عن دور الإيواء ومعسكرات النازحين بمعرفتهم بوجود الحالات التى أبحث عنها.

بدأ الإحباط يتبدد، بالتزامن مع إعداد حقيبتى استعدادًا للسفر إلى ولاية القضارف إذ عثرت بين ملابسى على قصاصة ورقية مدون بها بيانات بلاغ رسمى تقدمت به إحداهن إلى الشرطة تشكو فيه بأنها تعرضت للاغتصاب بولاية الجزيرة، التقطت عينى رقم هاتف من بيانات الحالة، وبحركة أصابع ثقيلة أخذت أكتب الرقم فى هاتفى الصامت الحزين والمحبط ليأتى من بعيد صوت سيدة مكسور يبدو أنها طاعنة فى السن، بسرعة سألتها هل ذلك هاتف «س» فأجابت بنعم وأضافت: «لكن أنا والدتها»، نادتها وتحدثنا وحددنا موعدًا لمقابلة تمت واكتشفت خلالها أن العنف الجنسى، ليس مجرد مصطلح أو رقم يدون فى إحصائية رسمية، بل حال فتيات مكسورات على يد أفراد الميليشيا، وما بين رحلتهن للإجهاض أو الولادة وإثبات النسب تعرضن لنبذ مجتمعى وأسرى من أقرب الأقربين.


• الضحية «أ»

على أطراف الولاية ومع غروب الشمس والوجع، كانت السيارة تسير ببطئ شديد نتيجة الأمطار، حتى وصلنا للمنزل، استقبلتنى صاحبته برفقة بناتها الثلاث ومعهن فتاة صغيرة تحمل طفلاً رضيعًا، بدأت «الشروق» الاستماع لـ «أ»: «أنا معرفش أمى وأبويا الحقيقيين، وعرفت الدنيا مع أمى وأبويا بالتبنى، اللى مكنتش اعرف أنى مش بنتهم إلا وأنا عمرى 14 سنة وبالصدفة من شخص من أهل أمى».

أضافت: «توفى أبى بالتبنى منذ سنوات وأصيبت أمى بالتبنى بمرض الفشل الكلوى، كنت أذهب بها لحضور جلسات الغسيل الكلوى ومع ازدياد وتيرة الحرب توقفت الجلسات فتوفت أمى بعد شهر واحد، وبعد الوفاة بأيام، وخلال تواجدى بالبيت فوجئت بدقات شديدة على الباب فتحت مسرعة فوجدت شخصين مسلحين يرتديان زى الدعم السريع، وسألانى هل هناك رجال فى المنزل؟ فأجبتهم أننى أعيش بمفردى، فغادرا دون الرد علىَّ، وبعد ساعات خلال انقطاع الكهرباء عن الحى، سمعت أصوات أقدام تتحرك بداخل المنزل، اختبأت تحت السرير، ورأيت أقدام شخصين بالغرفة يفتشانها بأضواء الكشافات اليدوية، حتى عثرا علىَّ، أخرجانى بالقوة وعندما نظرت إلى أعينهما اكتشفت أنهما زائرا النهار البغيض وكانا يرتديان وشاحًا على وجههما (الكدمول).

وأكملت: «أمرنى أحدهما بخلع ملابسى فرفضت فوضع فوهه السلاح فى رأسى، وبدأ الآخر فى تعريتى، واغتصبنى وبعد أن انتهى انقض الثانى وتركانى مع الدماء والصمت والخوف، ومع شروق شمس اليوم التالى وخفوت شمسى، جاءا باثنين آخرين إلى منزلى، ليتناوبا نهش جسدى وكرامتى لثلاثة أيام متواصلة، وفى صباح اليوم الرابع تركونى بعد اتصال تلقوه عرفت بعد ذلك أنهم غادروا المنطقة كلها، فهربت من المنزل ولجأت إلى صديقة وعلمت أنها تنوى النزوح إلى كسلا، واصطحبتنى معها، وبعد فترة من الإقامة معها فى منزل أحد أقاربها ذهبت إلى الصيدلية واكتشفت الحمل، أخبرت صديقتى فطردتنى وقاطعتنى، فأصبحت بلا مأوى، حتى استضافتنى أسرة فى منزلهم لأيام والتحقت للسكن بإحدى المدارس الخاصة بالنازحين، وكنت فى كل ليل أتحسس أوجاع جسدى المصاب وألعن بذرة الحياة التى بدأت تتحرك فى بطنى وهى مجهولة الهوية وضائعة».

مرت الأيام حتى تعرفت على السيدة «أ» خلال زيارتها للمدرسة رويت لها قصتى فعرضت علىَّ استضافتى بمنزلها وساعدتنى خلال عملية الولادة، وأنجبت منذ شهور ذكرًا ورفضت أن أودعه دار رعاية حتى لا تتكرر مأساتى.
فى أحد المراكز الطبية الكبرى بولاية كسلا، توجهت «الشروق» إلى الدكتور حاتم عبداللطيف اختصاصى أمراض النساء، الذى تطوع لدعم المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقى «شبكة صيحة» بالسودان، وقال لـ«الشروق»، إنه بعد اندلاع الحرب بشهرين نظمت الشبكة بالتعاون مع جمعية إخصائيين النساء والتوليد السودانيين ورشة لـ 20 طبيبا من الولاية ومدينة خشم القربة للتوعية.

وأكد عبداللطيف، أنه خلال عمله استقبل العديد من الضحايا تعرضن لاغتصاب من الدعم السريع، فهناك فتاتان نازحتان من مدينة ود مدنى أجريت لهما عملية الإجهاض بالمستشفى، الأولى 21 عاما والثانية 18 عاما وجاءت أسرة بابنتهم التى نزحت مع عائلتها إلى مدنى وبعد اجتياح الدعم السريع للمدينة اختطفتها الميليشيا للخرطوم واستطاعت عائلتها تحريرها بعد دفع فدية ثم نزحت العائلة إلى كسلا، وجاءت للمتابعة معى واستطعت أن أجهضها، وهناك سيدة أخرى حامل وتتابع معى حتى الآن.


• الطفلة «ش»

إلى ولاية القضارف، وفى أحد معسكرات النزوح التقينا فتاة لم تكمل الـ13 عاما من سكان الخرطوم، وبعد الحرب نزحت مع أسرتها إلى ولاية الجزيرة، وخلال اجتياح الدعم السريع للولاية وشتات الأهالى فقدت الطفلة أسرتها، وهنا تم اقتيادها من الميليشيا هى و7 فتيات أخريات لمكان مجهول، معصوبى الأعين ومقيدين وتم اغتصابهن.

عبر سيدة مهتمة بمجال العنف ضد المرأة، استطعت لقاء تلك الطفلة بعد انتظار ساعتين إذ كانت فى زيارة للطبيب لمتابعة حملها الذى وصل نهاية الشهر السابع، الطفلة «ش» كانت خائفة من وجودى إذ إنها تعانى من صدمة نفسية شديدة وتصاب على فترات بنوبات شرود تجعلها تهيم فى شوارع المعسكر دون أى حديث، وتخشى النوم فى الظلام بمفردها لخوفها وبكائها من أشباح أشخاص تراهم دومًا، طمأنتها وقالت: «بس أنا خايفة أحكى لأن الدعامة ممكن يقتلونى» وأضافت: «بعد دخول الدعم السريع إلى منطقتنا فقدت أهلى وخلال رحلة البحث عنهم، استقللت سيارة لإيصالى لأقرب مكان بعيدًا عن مناطق الحرب، وخلال سيرنا أوقفها أفراد من الدعم السريع يرتدون زيه العسكرى و(الكدمول) وأجبرونى أنا وسبع فتيات على النزول، ثم قيدونا وعصبوا أعيننا وأودعونا فى غرفة لعدة أيام، كنت أسمع أصوات نحو 7 رجال، شعرت بهم أثناء تعريتى لاغتصابى، كنت أسمع صراخ الفتيات الأخريات من الجلد بالسوط لكن لم أستطع المقاومة، وتابعت «ش»: «ظللت خلال تلك الأيام مقيدة ودون طعام أو مياه، ثم فجأة أخذونا إلى الشارع بمنطقة لا نعرفها وجسدى تغطيه الكدمات والدماء الملابس الممزقة، حتى وجدنا سيارة أخذتنا إلى سنار، وبعد معاناة وجدت أهلى ونزحنا إلى القضارف وبعد الكشف الطبى علمت أننى حامل.

على مقربة من وسط الولاية، تقع المستشفى التأهيلى للنساء والتوليد، التقت «الشروق» المدير العام والطبى، الدكتور عزام الحاج عثمان، الذى أكد أن الحالات التى تعرضت لاعتداء جنسى تأتى عبر إدارة الصحة الإنجابية التابعة لوزارة الصحة بالولاية، وإذا كانت الحالة فى عُمر الإنجاب نمنحها مانعًا للحمل لعرقلة حدوثه خصوصًا إذا كانت فى الأيام الأولى، وفى حال أنها وصلت لنا فى وقت متأخر نعالجها من الأمراض المنقولة جنسيًا، وإذا كانت ترغب فى إجراء عملية الإجهاض يتم ذلك عبر مخاطبة النيابة العامة، وأضاف عثمان، لـ«الشروق»، أن المستشفى استقبل بالفعل العديد من الحالات التى تعرضت لاغتصاب وقمنا بتوليدهن والغالب أنهن من نازحى الخرطوم، ولكن لا أستطيع تحديد الأعداد الفعلية التى تم استقبالها، ولكن معظمهن صغيرات بعمر 18 عامًا، والطب الشرعى والمحامون المهتمون بالعمل فى مجال العنف ضد المرأة لديهم معلومات أكثر حول الأعداد.


• الضحية «م»

عبر نفس السيدة المهتمة بمجال العنف ضد المرأة، استطعت لقاء ضحية أخرى بالقضارف، تقطن أيضًا أحد معسكرات النازحين ولا تعرف أين اختفى زوجها الذى يعمل بالجيش، اضطروا للنزوح من منطقة جبل أولياء إلى مدينة ود مدنى بولاية الجزيرة.

«م» سيدة فى نهاية العقد الثانى من عمرها، ربة منزل، كانت تعيش هادئة ومستقرة قبل الحرب لا تعرف أخبارًا عن زوجها ووالدها، فقررت الرحيل بسرعة لأسرتها فى مدينة ود مدنى، وبعد رحلة مليئة بالمعاناة استطاعت الوصول إلى والدتها، ثم قررت العودة لمنزلها لإحضار بعض المستلزمات، وخلال العودة الثانية إلى مدنى التى خاضتها دون أطفالها وامتدت لأسبوع، وقبل حدود المدينة توقفت السيارة عند ارتكاز أمنى للدعم السريع، لتبدأ مأساة اغتصابها.

تقول «م» لـ«الشروق»: «أوقف أفراد الميليشيا السيارة؛ فتشونا وهددوا السائق بالقتل، ألقوا القبض على مع 6 فتيات و4 رجال واتهمونا بالتجسس، واقتادونا لمكان غير معلوم».

كان يبدو على «م» آثار الإعياء، هى حامل فى الشهر التاسع، ومصابة بالبرد، تضيف: «وصلنا لمكان بعيد، بدأوا فى استجوابنا ونحن مقيدون ومعصوبو الأعين وخلال الاستجواب ضربونا، وبعد ساعات فقدت الوعى، وعندما أفقت وجدت نفسى ملقاة على الأرض عارية، فأصابتنى حالة هسيتريا وأخذت أصرخ حتى حضر اثنان من الدعم السريع وضربانى، قائلين أنت جاسوسة، اسكتى وإلا هنقتلك، وبعد فترة قالوا لى أنت بريئة، وفكوا عُصابة عينى ووثاق يدى، وقادونى للشارع وأوقفوا سيارة للعودة لمنزلى، وخلال العودة اجتاحوا مدينة ود مدنى فمكثت بموقف المواصلات ثلاثة أيام، حتى عدت للمنزل وكنت فى حالة إعياء، وبقيت أنا وأسرتى 10 أيام حتى نزحنا للقضارف، وبعد الوصول بقيت طريحة الفراش 20 يومًا، حتى اكتشفت حملى، فضربتنى أمى وحرمتنى من أطفالى».


• الضحية «س»

منزل «س»، - فتاة من أسرة بسيطة فى العقد الثانى من عمرها - أصولها من ولاية الجزيرة وكانت تقطن مدينة أم درمان قبل الحرب، مع والدتها وشقيقتها وأبنائها أما شقيقتها الأخرى متزوجة وتعيش خارج البلاد وترسل لهم حوالة مالية كل فترة تساعدهم على المعيشة، وبعد ازدياد وتيرة الحرب فى العاصمة، وخلال إحدى الهدن بين الجيش والميليشيا اضطرت الأسرة للهروب إلى الجزيرة قبل أن يجتاحها الدعم السريع فى ديسمبر 2023.

على أريكة صغيرة فى منزلها البسيط، قالت «أحكى لك شنو؟ أنا عايشه وخلاص، ما فى زول شغال بيا»، وتابعت: «مع اجتياح الميليشيا لولاية الجزيرة انقطعت خدمات الاتصالات والإنترنت ومن ثم انقطع التواصل مع شقيقتى المقيمة بالخارج التى كانت ترسل لنا نقودًا لدعم متطلبات المعيشة، واستقررنا هناك لمدة شهر واحد، كل ما كنا نستطيع توفيره هو القمح لعمل الكسرة أو القراصة (وجبات سودانية) فكنت أخرج بصورة شبه يومية لطحن القمح، وكان المكان المخصص لذلك يبعد عن المنزل بحوالى 3 كيلو كنت أذهب وأعود إلى البيت سيرًا على الأقدام، وفى أحد الأيام، خرجت لمشوارى اليومى دونهم، وخلال ذهابى استوقفتنى سيارة تتبع للدعم السريع، أربعة مسلحين، سألونى عن مكان سكنى فأجبت، وفوجئت بأحدهم يحملنى بعنف فوق أكتافه ثم ركض بى مسرعًا، كنت أصرخ وأستغيث لكن لم أستطع الفرار، رفاقه الثلاثة كانوا يركضون وراءنا حتى وصل بى لهيكل منزل مهجور، وألقى بى على الأرض وبدأ فى خلع ملابسه، والشخصان الآخران معنا، والرابع انتظر عند مدخل الباب للحراسة، حاولت الهرب عندما وصلنا إلى هذا الهيكل وشاهدته يخلع ملابسه، ولكن أطلق أحدهما رصاصة طرحتنى على الأرض مجددًا، ثم أمسك أحدههما بقدمى اليمنى واليسرى وبدأ الشخص الأول فى نزع ملابسى واغتصابى، كنت أصرخ وأقاوم نزيف الدماء السائل من كتفى فاستسلمت مضطرة خوفًا من القتل.

جففت دموعها، واستكملت حديثها: بعد أن انتهوا من جريمتهم، فروا وتركونى أنزف لملمت بقايا كرامتى، وعدت إلى منزلى والدموع تأبى السقوط.
تضيف «س» لـ «الشروق» استقبلتنى والدتى بصراخ عندما رأت إصابتى بالرصاص ولم أخبرها واصطحبنى أحد الجيران على موتوسيكل، لأقرب مركز صحى ورفض الطبيب نزع الرصاصة وقال «خطر»، بعد مرور ما يقرب من شهر، عدنا إلى الخرطوم، وهناك زرت مستشفى، أخبرتنى الطبيبة بوجود التهابات وعالجنى طبيب روسى من الإصابة بكتفى، وبعد عدة أشهر، زرت المستشفى مرة أخرى وبعد الفحص الطبى أخبرتنى الطبيبة بأننى حامل فى الشهر الرابع، شعرت بالخوف والذعر من أسرتى كيف سيستقبلون هذا الخبر، وتوسلت إلى الطبيبة لإجهاضى لكنها رفضت، غادرت المستشفى أفتش عن مُولدة (داية) وجميعهن رفضن، ومع فشل كل المحاولات استسلمت لقدرى، وخلال السفر إلى كسلا اشتد علىَّ الألم وظهرت معالم الحمل فعلمت أمى واضطررت أن أحكى لها فأصيبت بصدمة ومرض السكرى وضربتنى، وبعد شهور وضعت طفلاً ذكرًا، ولكن رفضت والدتى وشقيقتى أن أحتفظ به خوفا من وصمة العار وأودعته دار إيواء، وتقدمت ببلاغ رسمى لأستطيع إيداعه.

وخلال وجودى بولاية كسلا تمكنت من مساعدتها للوصول إلى طفلها مرة آخرى عبر جهود رسمية وشعبية.

على مقربة من وسط الولاية، تقع المستشفى السعودى للنساء، وهى المعنية باستقبال الحالات التى تعرضت لانتهاك جنسى وإجراء عمليات الإجهاض أو الولادة، توجهت «الشروق» للقاء إحدى الحالات وتعذر ذلك، أحد المصادر الطبية داخل المستشفى - رفض ذكر اسمه - قال لـ «الشروق» إن الضحية إذا رغبت فى الإجهاض يكون ذلك عبر نموذج رسمى تأتى به من النيابة العامة ونحن كأطباء نعمل على تدوين حالتها الصحية به بعد الكشف ونرسله مرة أخرى للنيابة - فضلاً عن أن الكشف يتضمن التحقق من إصابتها بأحد الأمراض الجنسية أو (الإيدز).

أرشدنى المصدر الطبى لسيدة تعمل فى مجال المجتمع المدنى، وخلال عملها صادفت إحدى ضحايا الانتهاكات الجنسية نازحة من أم درمان، واكتشفت أن الفتاة يتيمة الأبوين وأنجبت طفلاً، فكفلتها فى منزلها مع فتياتها، وبعد تواصل وافقن على لقاء الضحية ذات الـ 18 عامًا.


• الضحيتان «أ» و«هـ»

من أقصى شرق البلاد إلى شمالها، توجهت «الشروق» لمدينة أم درمان، والتقت سيدتين فى العقد الثالث من عمرهما، كانتا تبيعان الشاى بمدينة بحرى الواقعة شمال الخرطوم وهى من أبرز المدن التى سيطرت عليها ميليشيا الدعم السريع.

«أ» و«هـ» التقت بهما «الشروق»، «أ» تبيع الشاى فى بحرى نزحت بعد الحرب إلى ولاية الجزيرة هى وزوجها وأطفالها، ولكن مع صعوبة المعيشة فى معسكر نزوح بمدينة ود مدنى، قررت أن تعود لمنزلها فى بحرى لاستحضار أدوات العمل الخاصة بها لبدء مشروع للعيش منه، وعندما وصلت استوقفها ارتكاز للميليشيا واستجوبها أفراده، وقالوا لها إنها من منطقة الجيش إذن هى جاسوسة ونقلوها لمنزل تابع لهم مكثت معهم فيه لمدة عام وتناوبوا اغتصابها.

أما «هـ» سيدة منفصلة عن زوجها ولديها طفلة 5 سنوات، كانت تبيع الشاى فى بحرى، وعندما اندلعت الحرب تم خطفها من السوق عبر أحد جيرانها ــ متعاون مع الميليشيا ــ ومكثت فى نفس المنزل مع «أ» لمدة عام، وتم اغتصابها ولا تعرف مصير ابنتها وأمها.

السيدتان قالتا لـ«الشروق»: «كانوا يسيئون معاملتنا، والعلاقة الجنسية كانت بأمرهم وأحيانًا كانوا يتناوبون اغتصابنا جماعيًا، أو فرديًا، ووضعوا لنا المخدرات فى المياه».


• وحدة مكافحة العنف ضد المرأة

بعد العودة إلى مدينة بورتسودان، التقت «الشروق»، رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، سليمى إسحاق، والتى أكدت رصد 313 حالة اعتداء جنسى موثقة، وحتى سقوط مدينة ود مدنى تم رصد 80 حالة فى الخرطوم، و42 فى نيالا، و21 فى الجنينة، و34 حالة فى غرب كردفان. وقالت سليمى إسحاق، إن هناك 34 حالة اغتصاب من الميليشيا لفتيات قاصرات تقل أعمارهن عن 18 عامًا، وثقتها منظمة هيومن رايتس ووتش، موضحة أن أعمار المتعرضات للاسترقاق الجنسى - احتجاز الفتاة لفترة زمنية، واغتصابها من عدة أشخاص - تراوحت ما بين 12 لـ54 عاما. وأضافت: «فى بدايات الحرب، كانت الميليشيا تذهب بالضحايا للمستشفيات انتظارًا لتوثيق الحالة، ثم يتركونها ويأخذون التقرير تحت التهديد لإخفاء الاثباتات، وتم ذلك فى مستشفى إبراهيم مالك التعليمى فى الخرطوم»، مؤكدة أن هناك تغافلا عن جرائم الدعم السريع من قبل المنظمات الأممية والتعامل معها كملف سياسى.

 

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك