صدر حديثا للكاتب الصحفى خالد منصور نص جديد ينتمى إلى عالم الرواية هذه المرة، بعنوان «القائد زهرة»، من إصدارات دار الشروق بالتزامن مع معرض القاهرة للكتاب فى دورته رقم 56.
تعبر الرواية من خلال مفردات الغلاف بشكل واضح عن الشخصيات الرئيسية وأيضا توحى بالمكان وتشير إلى الأحداث، حيث يحتوى الغلاف على سيدتين ترتديان «البوركا» الزرقاء، وهو الزى الأفغانى الإسلامى الرسمى للنساء فى أفغانستان، وبعض الرموز البصرية الأخرى مثل البندقية والورود والطائرة، وكل هذه المفردات تعبر بوضوح عن أن البطولة فى هذه الرواية بطولة نسائية، والمكان واضح من دلالة الملابس والطائرة والسلاح هما جزء من الأحداث بالفعل.
تدور أحداث رواية «القائد زهرة» داخل طائرة من المفترض أنها متجهة إلى مدينة هرات الأفغانية، ولكن يقع حدث مفاجئ يقلب كل الموازين بشكل غير متوقع، حيث تصبح الطائرة رهينة تحت يد مجموعة من النسوة المُسلحات، بقيادة زهرة، سيدة أفغانية، ووالدتها آسيا، وصديقتها سهيلة، وهن النساء الرئيسيات فى النص، بالإضافة إلى الابنة ياسمين، ابنة زهرة، والتى كانت على متن الطائرة.
وكلمة قائد عادة ما تطلق على شخص يتولى قيادة مجموعة سواء عسكرية أو مدنية، وبالتحديد هذا هو دور زهرة فى هذه العملية الخطرة، التى تغامر فيها من أجل الخلاص والهرب، ويمكن وصف هذه المغامرة أنها رحلة نحو التحرر من القيود والأغلال.
ويوظف الصحفى خالد منصور خبرته، التى تكونت على مدى سنوات من العمل وزيارة أفغانستان بصفته مراسلا وحقوقيا، فى خلق عالم على مستوى الأفكار والأحاديث والمشاعر يشبه الواقع، حيث يتسم المجتمع الأفغانى بسمات بارزة لا يمكن تصور الشخصيات غالبا بعيدة عنها، فقد عمل خالد منصور طوال ٣٠ عاما فى مجالات حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية والتنمية وحفظ السلام والصحافة والإعلام وذلك فى الأمم المتحدة ومؤسسات أكاديمية وإعلامية ومنظمات مجتمع مدنى فى إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأمريكا الشمالية، وقام كصحفى أو مسئول أممى بالعمل فى ظل تحولات ضخمة وأوضاع طارئة معقدة خلال صراعات محلية أو إقليمية، قاد فى بعضها فرق عمل كبيرة، مثلما فعل فى جنوب إفريقيا (١٩٩٤-١٩٩٥) وأفغانستان (٢٠٠٠-٢٠٠٢) والعراق (٢٠٠٣) ولبنان (٢٠٠٦) وغيرها من المناطق.
ويظهر اندماج منصور الواضح مع المجتمع الأفغانى فى قدرته على استنطاق الشخصيات بألفاظ تناسب كل شخصية وتناسب المجتمع الذى تنتمى له، على سبيل المثال الغلظة والتكبر البارزان فى أسلوب حديث شخصية بشير ــ زوج زهرة ــ كونه رجلا يعمل فى التهريب وأيضا احتقاره للمرأة وأسلوبه المُتعالى والمعين فى الحديث معها أو التفكير فيها جزء لا يتجزء من الشخصية الأفغانية الذكورية فى الغالب نتيجة لتقاليد المجتمع وعاداته التى تضع المرأة داخل حصار، وأسلوبه جزء من شخصيته القاسية والغليظة التى تصفها الأحداث، كما أن خبرة منصور الصحفية جعلته يستنطق شخصية الصحفى الموجود على الطائرة بواقعية، حيث يُبرز فى عقله جميع الأفكار التى قد تأتى لصحفى فى مثل هذا الحادث.
ويناقش نص «القائد زهرة» بوضوح شديد عدة قضايا نسوية ترتبط بحياة المرأة الأفغانية التى تقع تحت طائلة الحصار المتمثلة فى التقاليد والعادات التى وضعت لخدمة الرجل فى مقابل استعباد المرأة، ويبرز النص عدة مشاكل كبرى تواجه المرأة الأفغانية مثل زواج القاصرات، والاغتصاب الزوجى، والزواج بالمقايضة، وهو أسلوب متبع لدى بعض الأسر الفقيرة التى لا تستطيع سداد دين لإحدى المهربين أو الأثرياء فيتم الدفع بالابنة الصغيرة كبديل لهذا الدين، والإجبار على ارتداء البوركا، وهى رداء يغطى كامل الجسد والوجه والعيون أيضا، وتنظر المرأة من خلف قطعة شفافة فقط من القماش هى كل ما تملك ونافذتها على العالم.