يعتبر رمضان هو شهر الانتصارات والفتوحات في تاريخ الإسلام. عدد كبير من الأحداث الهامة والانتصارات التي غيّرت مسار العالم الإسلامي وقعت خلال هذا الشهر مما جعله شهرًا ذو أهمية كبرى في العالم الإٍسلامي.
في هذه السلسة تستعرض الشروق انتصارات المسلمين في رمضان ومنها معركة الزلاقة.
بعد سقوط الدولة العامرية في الأندلس في سنة 399 هـ (1009 م)، تفككت الدولة الأندلسية الكبرى إلى عشرين دويلة صغيرة تحكمها ملوك الطوائف، ومن أبرزهم بنو عباد في أشبيلية، وبنو ذي النون في طليطلة، وبنو هود في سرقسطة. كل طائفة زعمت الاستقلال والسيادة لنفسها، وكانت المنافسة والصراعات والحروب المستمرة هي السمة البارزة، مما أضعفها وأفسح المجال لمسيحي إسبانيا في الشمال للتوسع.
في ذلك الوقت، قام المسيحيون في إسبانيا، بتشكيل اتحاد بين مملكتي ليون وقشتالة بقيادة فرديناد الأول، الذي بدأ حرب الاسترداد لاستعادة الأندلس من المسلمين.
استمرت هذه الحرب بقيادة ابنه ألفونس السادس، حيث وصلت ذروتها بسيطرته على مدينة طليطلة في سنة 478 هـ (1085 م)، وكان ذلك مفتاحاً للسيطرة على باقي الأندلس.
كان أسوأ ما في هذه الحروب أن ملوك الطوائف المسلمين لم يقدموا المساعدة لطليطلة، بل على العكس، قام بعضهم بالتآمر مع ألفونس، وبعضهم قدم بناته للزواج منه. رأى ألفونس فرصة لضعف ملوك الطوائف وقرر تصفية أموالهم وتخريب أراضيهم واقتطاع حصونهم.
خطته نجحت وأصبح ملوك الطوائف ضعفاء، فاستهان بهم وعاملهم كالأتباع.
نزاع الفونس والمعتمد
بدأ النزاع بين ألفونس والمعتمد بن عباد صاحب مملكة إشبيلية، عندما طلب الأول الجزية السنوية، وعندما رفض المعتمد، هاجم ألفونس بقوته طليطلة المجارة لإشبيلية، في مواجهة هذه الهجمات، طلب المعتمد المساعدة من المرابطين في المغرب بقيادة يوسف بن تاشفين.
بعدما أدرك المعتمد خطورة الوضع ونوايا ألفونس في القضاء عليهم جميعًا، قرر أن يستنجد بالمرابطين في المغرب لمساندتهم في مواجهة ألفونس.
وعلى الرغم ذلك عارض بعض الأمراء في الأندلس هذا القرار، ورؤوا في المفاوضات والصلح والمهادنة والسلام وسيلة للأمن والاستقرار، وتخوفوا من الخطر الذي قد يحدثه وصول المرابطين.
وفي هذا السياق، قال الرشيد لأبيه المعتمد: "أي أبت، أتتدخل في أندلسنا ليسلبنا ملكنا ويفرق شملنا"، لكن رد المعتمد كان قاطعًا، مؤكدًا أنه لن يسمح بسقوط الأندلس لصالح ألفونس.
وبالفعل، ناشد المعتمد ومعه ملوك الطوائف المرابطين وأميرهم يوسف بن تاشفين للمساعدة. فعبر المعتمد إلى المغرب والتقى بابن تاشفين الذي وعده بالمساعدة، ووافق على ذلك بشرط تسليم ثغر الجزيرة الخضراء ليكون قاعدة للمرابطين في التنقل بين الأندلس والمغرب.
الاستعداد للمعركة
بعد ذلك، جمع يوسف بن تاشفين جنوده وعتاده وبعث بقوة من فرسانه بقيادة داود بن عائشة للعبور إلى الأندلس. وفي شهر ربيع الآخر من العام 479 هـ، بدأت جيوش المرابطين تعبر البحر من سبتة إلى الأندلس، ورافقت هذه المحاولة ظواهر طبيعية غريبة، إذ اضطرب البحر وارتفعت الأمواج. فاستغاث ابن تاشفين بالله وطلب منه تسهيل العبور، وبعد الدعاء هدأت الأمواج وسارت السفن بسلام.
وصلت القوات إلى الشاطئ، وهبطت يوسف بن تاشفين من السفينة وخرَّ لله ساجدًا. واستقبله المسلمون بحفاوة ووافقوا على إرسال قواتهم لمساعدته في مواجهة قوات الفونس.
بينما وصلت قوات المرابطين وتجمعت بمساعدة المسلمين في الأندلس، استغل ألفونس السادس هذا الوقت لجمع قواته وتحضيرها للمواجهة. وعندما وصلت أخبار تقدم المسلمين إلى ألفونس، قرر أن يواجههم ويحاصر مدينة سرقسطة.
ولأهمية المعركة فقد بالغت الروايات الأوربية في عدد الجند المسلمين ، فقالت إن المسلمين كانوا بضع مئات من الألوف «كان لا يحصى عديده، كجيش من الجراد المنتشر»، والحقيقة أن المسلمين كانوا ثمانية وأربعين ألفا، نصفهم من الأندلسيين، ونصفهم من المرابطين، بحسب كتاب "معركة الزلاقة" للدكتور شوقي أبو خليل، الصادر عن دار الفكر السورية.
وأعد ابن تاشفين خطة الحرب، فجعل المعتمد بن عباد في قلب المقدمة، والمتوكل بن الأفطس في الميمنة، وأهل شرق الأندلس في الميسرة وباقي الأندلسيين في الساقة. بينما يتوزع المرابطون كمائن ستفاجأ العدو بعد اصطدامه بجيش الأندلس، وستمنع
الأندلسيين من التراجع أو الفرار.
ودارت رحى الحرب في 9 رمضان 469 هجريا، وكتب النصر للمسلمين على جيوش ألفونس، وكانت أبرز نتيجة لهذه المعركة هي استمرار دولة الإسلام في الأندلس لمدة قرنين من الزمان.
أقرأ أيضاً: