تشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، حضورًا قويًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث بات متدخلًا في أدوار عديدة من بينها إحصاءات استطلاعات الرأي وتحديد توجهات الناخبين بدقة أكبر، كما يعزز التواصل بين الحملات الانتخابية والمواطنين.
لكن من جهة أخرى، حذرت جهات رسمية أمريكية من خطر استغلال الذكاء الاصطناعي في خداع الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، متهمةً خصوم الولايات المتحدة بمحاولة التأثير على النتائج.
وأصدر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، تحذيرًا من محاولات التدخل، معبرًا عن قلقه من أن الولايات المتحدة أقل استعدادًا لمواجهة التضليل مقارنةً بعام 2020؛ بسبب التطورات السريعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتزييف العميق، وروبوتات المحادثة، وفقًا لموقع "سكاي نيوز".
وفي سياق الحديث عن علاقة التكنولوجيا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، نعود إلى ما يزيد عن 70 عامًا؛ لمعايشة تجربة الأمريكيين في متابعة الانتخابات عبر شاشات التلفزيون للمرة الأولى.
ويصف موقع "ذي هيستوري" الأمريكي أجواء تلك التجربة، ففي ليلة الثلاثاء 4 نوفمبر 1952، اجتمع الأمريكيون أمام شاشات التلفاز لمتابعة نتائج الانتخابات الرئاسية بين الجمهوري دوايت أيزنهاور والديمقراطي أدلاي ستيفنسون، كانت هذه الليلة مميزة لأن أجهزة التلفاز بدأت تنتشر في المنازل الأمريكية بشكل متزايد، حيث وصلت إلى ثلث المنازل تقريبًا مقارنةً بأقل من 1% في عام 1948، وأصبح السياسيون يكتشفون التلفاز كأداة اتصال جديدة.
للمرة الأولى، اختبرت شبكات الأخبار الأمريكية طريقة جديدة لتغطية الانتخابات باستخدام الكمبيوتر للتنبؤ بالنتائج بناءً على أولى المؤشرات التي تصل؛ إذ خططت شبكات NBC وCBS لاستخدام تقنيات التنبؤ الجديدة لتقديم توقعات مبكرة عن النتائج.
وقال البروفيسور ريتشارد كريج أستاذ الصحافة بجامعة سان خوسيه ومؤلف كتاب "الاستطلاعات، التوقعات والانتخابات: تأثير الأخبار التلفزيونية في الحملات الرئاسية الأمريكية": "كانت هذه أول حملة وطنية حقيقية على التلفاز، مع إعلانات تلفزيونية وتغطية شاملة لليلة الانتخابات؛ مما جعل الحدث أكثر تميزًا على الشاشة".
وفي الخمسينيات، خلال عصر الابتكار التكنولوجي السريع بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح التلفاز منتشرًا في المنازل الأمريكية، حيث امتلك 90% من المنازل أجهزة تلفاز بحلول عام 1960.
- انتخابات 1948.. بداية التكنولوجيا والنتائج الخادعة
وعندما حاولت الشبكات التلفزيونية تغطية نتائج الانتخابات في عام 1948، لم تكن التجربة ناجحة بشكل كبير.
فقد عُرضت النتائج بطريقة تقليدية للغاية، حيث كان المذيعون يقرؤون الأرقام ويكتبون النتائج على ألواح سوداء، بالإضافة إلى ذلك، توقعت استطلاعات الرأي فوز الجمهوري توماس ديوي على الرئيس الديمقراطي الحالي هاري ترومان؛ مما تسبب في إحراج كبير للمؤسسات الإعلامية، بما في ذلك عنوان صحيفة شيكاغو تريبيون الشهير الذي كتب بشكل خاطئ "ديوي يهزم ترومان".
- أيزنهاور وسلاح الإعلانات
وفي عام 1952، أدرك أيزنهاور، أكثر من ستيفنسون، إمكانيات التلفاز كأداة للحملة الانتخابية، واستخدم أيزنهاور إعلانات قصيرة وفعالة تضمنت شعارًا جذابًا "I Like Ike" (أحب أيزنهاور)؛ مما زاد من تأثيره.
وفي هذه الليلة التاريخية، جلس مراسل CBSتشارلز كولينغوود، أمام نموذج لجهاز يونيفاك في نيويورك، على بُعد حوالي 160 كيلومترًا عن الجهاز الفعلي في فيلادلفيا.
وقال للجمهور: "هذا هو وجه يونيفاك.. إنه جهاز إلكتروني مذهل، استعرناه لمساعدتنا في التنبؤ بهذه الانتخابات بناءً على أولى النتائج".
- ما هو يونيفاك؟
يونيفاك (UNIVAC) هو اختصار لـ Universal Automatic Computer، ويعد من أوائل أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية التي صممت للاستخدام التجاري، وتم تطويره بواسطة المهندسين جون بريسبر إيكيرت وجون موكلي في أوائل الخمسينيات، وكان أول جهاز كمبيوتر أمريكي يُستخدم لتحليل البيانات بشكل سريع وكبير.
- أول اختبارات يونيفاك
ورغم ذلك، لم تسر الأمور بشكل سلس تمامًا لأي من الشبكتين، فحوالي الساعة 9 مساءً قدم جهاز يونيفاك توقعًا بفوز كاسح لأيزنهاور، حيث كان التوقع 438 صوتًا انتخابيًا مقابل 93 لستيفنسون، وهو ما كان مخالفًا للاستطلاعات الأخيرة، وتردد فريق يونيفاك في نقل التوقع بسبب هذه المفارقة.
وفي النهاية، أعلنت NBC توقعاتها بفوز أيزنهاور بعد الساعة 10 مساءً، تلاها إعلان CBS عن توقع جهاز يونيفاك بفوز أيزنهاور أيضًا.
وعلى الرغم من التحديات التقنية، كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام أجهزة الكمبيوتر في الانتخابات؛ مما ساهم في جذب المشاهدين.