نساء من عصر التابعين (10).. سودة بنت عمارة: الفصيحة الشاعرة التي ناصرت علي بن أبي طالب - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 5:47 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نساء من عصر التابعين (10).. سودة بنت عمارة: الفصيحة الشاعرة التي ناصرت علي بن أبي طالب

منال الوراقي
نشر في: الخميس 4 أبريل 2024 - 9:03 م | آخر تحديث: الخميس 4 أبريل 2024 - 9:05 م
تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر التابعين برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة، كتاب "نساء في عصر التابعين" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

- سودة بنت عمارة
جمعت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية جمال الشعر وبيانه، إلى جانب الفصاحة والخطابة والبلاغة، واشتهرت - في عصر التابعين - بثبات الجنان، والشجاعة في ميدان القتال، ومنازلة الفرسان.

وكانت في خطابتها تنبى عن حضور البديهة، وقوة العارضة؛ أما شعرها فكان يفور فوران المرجل، ويحفل بكل عاطفة وقادة تحمل كل الحب لبني هاشم؛ أولئك الذين هم مهبط الوحي، وشعبة الهدى، وأئمة البيان، وهم الذين وصفهم مسلم بن بلال العبدي بقوله: أولئك قوم بنور الخلافة يشرقون، وبلسان النبوة ينطقون.

وكانت سودة بنت عمارة من نساء عصر التابعين، ممن كن ينظرن إلى سيدنا علي - رضي الله عنه - نظرة إكبار وإجلال، فقد كانت من أنصاره قولاً وعملاً، ومن جنوده البواسل في صفين، مع أخيها الذي كان من الأبطال الأشداء في ذلك اليوم، وكان لأخيها مقام لا ينسى إذ عُرف بالشجاعة والإقدام، كما عرف بالفصاحة والبيان أيضاً.

ولعل سودة بنت عمارة - رحمها الله - قد أخذت عن بني هاشم نصاعة بياتهم، ومضاء حجتهم، وسمو أدبهم، فقد جمعوا مع كرم الأرومة والأصل إمرة البيان، وزمام العلم، وقد ورثه الأبناء عن الآباء.

- بين يدي معاوية

ترسم أخبار هذه التابعية صورة صادقة عن دور المرأة في عصر التابعين، كما تعطي ملامح واضحة للحياة الاجتماعية والسياسة عصر ذاك.

وفي أخبار سودة، نجد جرأتها في الدفاع عن حقها، ومشاركتها في التعبير عن رأيها وتصريف شئونها، كما تجد علو همتها ومضاء عزيمتها، إذ أنها تجشمت عناء السفر، وأتت من بلادها البعيدة - اليمن - إلى مقر الخلافة، فقدمت على معاوية ودخلت عليه بدمشق في شأن من شؤونها الخاصة وشئون قومها جميعهم.

فقد قابلت معاوية - رضي الله عنه - متظلمة من واليه على اليمن، وأسمعته من بليغ قولها ونصاعة الشعر ما جعله يرفع عنها الجور الذي لحقها، ولما ذكرها سيدنا علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - لم تجدها مضطرة إلى كلمة تفاقي واحدة، أو تلجلج لسانها، بل أظهرت رأيها ومكنون نفسها بكل جرأة وصراحة تدلان على نظرتها السليمة لما تقول، وبعد هذا أكرمها وأعادها بكتاب عزل فيه واليه عن اليمن.

فقد حدث الإمام الشعبي فقال: استأذنت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان، فأذن لها، فسلمت فرد عليها السلام، ثم قال لها: هيه، يابنت الأسك، كيف أنت؟ قالت: بخير - والحمد لله - يا أمير المؤمنين. فقال لها: ألست القائلة لأخيك يوم صفين: شمر كفعل أبيك يا بن عمارة.. يوم الطعان وملتقى الأقران.. وانصر علياً والحسين ورهطه.. واقصد لهند وابنها بهوان.. إن الإمام أخو النبي محمد.. علم الهدى ومنارة الإيمان.. فقد الجيوش وسر أمام لوائه.. قدماً بأبيض صارم وسنان.

فأجابت دون تردد أو وجل: أنا القائلة هذا يا أمير المؤمنين، وما مثلي من رغب عن الحق، ولا أعتذر إليك بالكذب. قال: فما حملك على ذلك؟. قالت: حب على - رضي الله عنه -، واتباع الحق. قال: والله - يا ابنة الأسك ما أرى عليك من أثر علي شيئاً. فقالت سودة: أنشدك الله يا أمير المؤمنين وإعادة ما مضى، وتذكار ما قد نسي.

فقال معاوية: هيهات هيهات! ما مثل مقام أخيك يُنسى، ولا لقيتُ من أحدٍ ما لقيت من قومك وقوم أخيك. قالت: صدق فوك يا أمير المؤمنين، والله لم يكن أخي دميم المقام، ولا خفي المكان، كان والله كقول الخنساء: وإن صخراً لتأتم الهداة به.. كأنه علم في رأسه نار. ثم قالت : بالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه. قال: قد فعلت، وحباً وكرامة.

- شكوى وتوجع

بعد أن توقفت المحاورة بين معاوية وسودة، وكان قد أعجب ببلاغتها وشجاعتها - توجه إليها وسألها، فقال: ما حاجتك يا ابنة الأسك؟ قولي ما تريدين.

عندئذ بدأت سودة تشكو عامله والحزن باد على وجهها، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنك أصبحت للناس سيداً، ولأمورهم متقلداً، والله عز وجل سائلك عن أمرنا، وعما افترض عليك من حقنا، ولا يزال يقدم علينا من ينهض يعزك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصاد السنبل، ويدوسنا دياس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسألنا الجليلة، هذا بسر بن أرطاة، قدم بلادي فقتل رجالي، وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإما عزلته عنا فشكرناك وإما لا تعرفناك.

فقال معاوية: يا هذه، أتهددينني بقومك؟! والله لقد هممت أن أردك إلى يُسر على قلب أشرس، وأحملك إليه فينقد فيك حكمه، عندئذ أطرقت سودة، وهجمت الدموع من عينيها، وتدحرجت على وجهها، ثم رفعت رأسها، وأنشأت تقول: صلى الإله على روح تضمنها.. قبر فأصبح فيه العدل مدفونا.. قد خالف الحق لا يبغي به بدلاً.. فصار بالحق والإيمان مقرونا.

فقال لها معاوية: ومن ذلك؟. قالت: علي بن أبي طالب - رحمه الله ورضي عنه -. قال: ما أرى عليك منه أثراً، فما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟. قالت: أتيته يوماً في رجل قد ولاه على صدقاتنا، لم يكن بيننا وبينه إلا كما بين الغث والسمين، فوجدته قائماً يصلي، فلما نظر إلى انفتل من مصلاه، ثم قال لي برأفة وتعطف: ألك حاجة؟

فأخبرته خبر الرجل؛ فبكي - رضي الله عنه - ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم أنت الشاهد على وعليهم، إني لم أمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك. ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب.

فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. قد جاءتكم بيئة من ربكم (فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) [ هود : ٨٤ و ٨٥ ]، إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يأتي من يقبضه منك والسلام. فأخذته منه، والله ما ختمه بطين، ولا خزمه بخرام، فعزلته به.

- معاوية ينصف سودة

بعد أن سمع معاوية - رضي الله عنه ـ، التفت إلى كتابه وقال لهم: اكتبوا لها بإنصافها، ورد ما لها، والعدل عليها. فقالت سودة: يا أمير المؤمنين، ألي هذا خاصة، أم لقومي عامة؟. قال: ما أنت وغيرك؟. قالت: هي والله إذا الفحشاء واللوم، إن لم يكن عدلاً شاملاً، وإلا فأنا والله كسائر قومي يسعني ما يسعهم!.

فقال معاوية متعجباً: هيهات هيهات! لقد لمظكم - ذوقكم وعودكم - ابن أبي طالب رضي الله عنه - الجرأة على السلطان، فبطيئاً ما تفطمون بغيره، وغركم قوله: فلو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام. اكتبوا لها بحاجتها وحاجات قومها. ثم ردها إلى اليمن معززة مكرمة تلهج بالثناء عليه.
أقرأ أيضا:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك