هوامش المقريزى.. حكايات عن وطن عظيم عانى كثيرًا - بوابة الشروق
الجمعة 18 أكتوبر 2024 9:27 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوامش المقريزى.. حكايات عن وطن عظيم عانى كثيرًا

شيماء شناوى
نشر في: الجمعة 5 أبريل 2019 - 7:44 م | آخر تحديث: الجمعة 5 أبريل 2019 - 11:05 م

180 حكاية ممتعة ومذهلة من تاريخ مصر، يضمها كتاب «هوامش المقريزى» للكاتب الصحفى الراحل صلاح عيسى، والصادر عن دار الكرمة، يلقى فيها الضوء على صفحات من تاريخ مصر، من خلال ومضات تاريخية، قصيرة، مركزة، مكثفة، تبرق بسرعة فلا تنطفئ قبل أن تضىء عقل من يقرؤها، وتفتح قابليته لفهم تاريخه، ومن ثم حاضره ومستقبله.
يقسم «عيسى» كتابه الذى جاء فى 327 صفحة من القطع المتوسط، إلى أربعة فصول تضم عناوين «قبل الفجر الأول، قبل الفجر الثانى، قبل الفجر الثالث»، و«الفجر»، يليها جزء تحت عنوان «هامش على هذه الهوامش».
ويضم الفصل الأول 38 قصة، عن مصر فى العصر المملوكى، فيروى المؤلف كيف نُكبت مصر المملوكية بحكام كان منهم «المجنون والسفيه والطاغية»، حيث أضحكها البعض وأبكاها الآخرون، ولكن فى النهاية عذبها هؤلاء وأولئك، ليؤكد أنه عندما تكون السلطة شخصية، فلا قيمة للإنسان.
ففى إحدى القصص بعنوان «ضحك كالبكا» يسرد ظاهرة انتشار جنون السلاطين، ودموية سلوكهم وحكمهم، فعندما مرض الملك «الأشرف برسباى»، وأصيب عقله «مالاخوليا»، أمر بنفى الكلاب إلى الجيزة، فانشغلت مصر كلها بالقبض على الكلاب، وذلك لأن مقابل نفى كل كلب يتقاضى الرجل قروشا تعينه على الحياة، قبل أن يتصاعد جنون السلطان، فيأمر بقتل الأطباء وتخليص مصر من شرهم، ليبدأ بنفسه فيأمر السياف بقتل أطبائه، وليدور السيف بعدها فى رءوس أهل الطب.
لينتقل منها إلى قصة أخرى تحكى كيف حكم مصر «العيال»، ما يزيد على نصف قرن، وهذا حينما كان السلطان العثمانى يستخلف ابنه على عرشه، فعلى امتداد الحكم المملوكى، حكم مصر 17 طفلا، منهم 6 حكام تقل أعمارهم عن الـ10 سنوات، والباقى تحت الـ16، بينما كان بعضهم صغيرا إلى درجة الضحك، ومنهم الملك المظفر أحمد، الذى تولى الحكم وعمره 20 شهرا، وقد تم له مناصب تنصيب السلطان، وهو جالس على «سرير» العرش، ليبدأ فى الصراخ والبكاء، أثناء تقديم الأمراء له فروض الولاء، وقد استدعوا له مرضعته، لتأخذه فى حجرها، فينحنون الأمراء بين يديها يبايعون الملك الطفل بالسلطنة وهو نائم كالملائكة.
ليسرد فى نهاية الفصل، كيف بدأت دولة المماليك بلعبة، وكيف انتهت بمأساة؛ لعبة تولت خلالها شجرة الدر السلطنة المصرية، ثم ماتت ضربا بالقباقيب، أما المأساة، فهو ما حصل فى معركة «مرج دابق» من خيانة المماليك للسلطان المملوكى قنصوه الغورى، حينما خرج ليواجه الغزو العثمانى، بقيادة سليم الأول، فيفاجآ بجُبن العسكر وتراجعهم، وانسحابهم فارين، وأنهم كانوا موالسين مع ابن عثمان»، كما ذكر المؤرخ «ابن إياس»، ليجد «الغورى» نفسه وحيدا فى الصحراء، فيحاول أن يسترجع عسكره: «يا أمراء هذا وقت المروءة، هذا وقت النجدة»، فلم يسمع له أحدا قولا، ليتحقق السلطان من الهزيمة، ويصاب بشلل فى وجهه، قبل أن ينقلب من على فرسه، ميتا من شدة القهر، وهو يرى كيف أضاعت الخيانة سلطنته، بعدما ذهب بها جُبن الأمراء وترددهم وخوفهم على ما يملكون من متع ونساء وثروات، وبموت «الغورى» انتهت دولة المماليك، وليذيقوا الذل والهوان على يد الحكم العثمانى.
وفى الفصل الثانى والذى يضم 46 حكاية، يتناول عيسى، فترة حكم محمد على، وأسرته التى حكمت مصر 148 عاما، ليروى البدايات وكيف ساندت القيادة الشعبية بقيادة عمر مكرم، محمد على ليتولى حكم مصر، قبل أن يتخلص الوالى من تلك الزعامة التى منحته العرش، وينفرد بالحكم بلا رقيب أو حسيب، مستغلا فى ذلك الخلاف الشخصى بينهم على مكاسب دنيوية.
وفى قصة بعنوان «الحصان العطشان» يروى كيف كان إبراهيم باشا، ابن محمد على، قائدا حربيا لا يشق له غبار، استطاع بجيش من الفلاحين المصريين أن يرهب العالم كله، وكيف كان هذا القائد، يؤدب من يتوقح على مصر، واحد من هؤلاء كان القائد العثمانى حسين باشا، الذى أمره الباب العالى، بمحاربة محمد على وعزله عن ولاية مصر، وفى زحفه على مصر، أنقطع حصانه عن شرب الماء، فيقول لعسكره: «لقد آلى حصانى على نفسه ألا يشرب إلا مياه النيل»، فوصلت الكلمة إلى إبراهيم باشا، وبعد أسابيع كان حسين باشا أسيرا، ومات حصانه ظمآن من دون أن يشرب من ماء النيل.
كما يتضمن الفصل عددا من القصص والمآسى التى تعرض لها المصريون فى عهد أسرة محمد على، ومنها ما فعله الخديوى عباس الأول أثناء حكمه، ففى عهده أغلقت المدارس، ونُفى المفكرون وتدمرت المصانع، وحكم الوشاة والجواسيس مصر، حتى قتله حراسه فى قصره، وليحكى أيضا أحد الفصول عن فترة حكم الخديوى إسماعيل، وكيف تدهور حال مصر اقتصاديا بسبب الديون التى اقتراضها الخديوى حتى يحقق حلمه فى أن يرى مصر جزء من أوروبا، وهو ما انتهى إلى احتلال مصر.
وأما فى جزئى الكتاب الثالث والرابع، فيدون «عيسى» 95 قصة، يروى من خلالهم نضال الشعب المصرى فى 1919، ومقاومته للاحتلال، حيث كان صباح القاهرة يبدأ بالمظاهرات الهاتفة بسقوط الاحتلال وتطالب بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، وكيف كان الرصاص الاستعمارى يختار للمصريين الموت الزؤام «السريع»!، فإذا كان الظهر، خرجت المظاهرات نفسها تشيع جنازات الشهداء، الذين ماتوا فى مظاهرات الصباح، لتهتف الهتاف نفسه وتموت الميتة نفسها!، ليسرد فى باقى القصص، دور القيادات الوطنية والبطولات الشعبية وكيفية مقومتها للاحتلال بشتى الطرق، وكيف جمعت الثورة بين قلوب المصريين ووحدتهم ضد العدوَ، وكيف اتخذت جماهير الشعب المصرى، من المسجد والكنيسة مقارا للاجتماع والحوار، حتى أصبح «بيت الله» هو المكان الذى يسع الجميع ويضمهم.
يكشف صلاح عيسى، أو «المقريزى»، كما كان يوقع هذه المقالات، عند نشرها فى الصحف، قصته مع هذه الهوامش التى ظلت جبيسة درج مكتبه، حتى شجعه صديقه رجاء النقاش على نشرها معه فى مجلة «الإذاعة والتلفزيون» التى كان يرأس تحريرها، وهى مدة النشر التى لم تستمر لأكثر من أسبوعين، بسبب الهجوم الذى واجهه اليمين المصرى على المجلة، ليغادرها «النقاش» وتغادر معه «الهوامش».
قبل أن تلُح فكرة نشرها مرة أخرى على صاحبها فتخرج للنور مرة أخرى، على صفحات «الجمهورية»، برئاسة مصطفى بهجت بدوى، فتنشر على شكل أقصوصة لا تزيد على الـ500 كلمة، وقد نشرت بشكل مستمر بين 19 يونيو 1972 وحتى مارس 1975، لتعود ثير الضجيج والضجة من اليمين المصرى حول مضمونها وتتسبب فى مشاكل لرئيس التحرير، وربما كانت أحد أسباب فقدانه منصبه، قبل أن يتوقف نشرها لمدة 6 أسابيع، هذه المرة بسبب اتهام يوسف السباعى، وزير الثقافة حينها، أنها تهاجمه شخصيا بالاسقطات التاريخية على شخصيات تحمل اسم يوسف!، لتعود للنشر مرة أخرى قبل أن تتوقف مجددا بعد سجن صاحبها لأربعة أشهر فى تهمة «قضية التنظيمات السرية»، ليتبع ذلك مرات أخرى من النشر والمنع.
وفى النهاية يقول عيسى عن ذلك: «كانت الهوامش قميص عثمان، الذى يرتديه كل فاشستى يطنطن بالديمقراطية، وكل فاشل يحاول أن يخفى فشله المهنى بأدرية سياسية، وهدف الجميع هوأن تتوقف النافذة التى تطل كل صباح على الناس، تحمل فصولا من تاريخ وطن عظيم عانى كثيرا وتعب كثيرا، وأمام هذا كله فكرت فى إصدارها فى كتاب، مضيفا، اخترت أن تتوقف تلك المجموعة عند ثورة 1919، وأرجوا أن تتاح لى الفرصة لكتابة «حكايات من مصر»، متضمنة هوامش المرحلة من 1919 إلى 1952، ولست فى حاجة فى النهاية أن أقول إن هذه المجموعة الثانية، كما كانت الأولى هى صلاة صوفية فى معبد الأم الشجاعة التى تعلمنا على يديها الحب والصبر والكبرياء.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك