الجراح المتمرد.. كتاب يحكي أسطورة مجدي يعقوب (2): ثورة في هارفيلد - بوابة الشروق
السبت 21 سبتمبر 2024 12:27 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجراح المتمرد.. كتاب يحكي أسطورة مجدي يعقوب (2): ثورة في هارفيلد

مجدي يعقوب
مجدي يعقوب
ترجمة وعرض: أشرف البربري
نشر في: الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 7:31 م | آخر تحديث: الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 7:32 م

مجدى يعقوب رفض عرضا مغريا للعمل فى أمريكا التزاما بكلمته مع المستشفى البريطانى

أجرى أول عملية زراعة قلب له رغم قرار وزارة الصحة البريطانية «الوقف الطوعى» لهذه العمليات

الدكتورة مارى شيفرد: يعقوب كانت لديه الأفكار النظرية المبتكرة والمهارة غير المحدودة لتنفيذ هذه الأفكار فى غرفة العمليات 

يعقوب تعرض لعاصفة انتقادات حادة بعد استعانته بقرد البابون لإنقاذ رضيع من الموت 

السياسى البريطانى كينث كلارك قال إن يعقوب «مجنون ويجب وقفه بكل السبل» ثم قدم دعما ماليا كبيرا له بعد سنوات

يعقوب: بدون مرة أولى فى أى شىء لن تكون هناك مرات ثانية وثالثة وهذا هو السبيل لفتح آفاق جديدة فى الطب والجراحة

عندما عاد الدكتور مجدى يعقوب من «رحلة أمريكا» عقد العزم على القيام بثورة فى وحدة جراحة القلب بمستشفى هارفيلد الصغير، وتحويله إلى مركز عالمى فى هذا المجال، حتى لو لم يكن هناك الكثيرون الذين يؤمنون بواقعية هدفه الطموح.

ويقول يعقوب «عندما عدت إلى هارفيلد للعمل كاستشارى لجراحة القلب كانوا يجرون عملية جراحة قلب مفتوح أو عمليتين أسبوعيا وأحيانا كل أسبوعين، فقلت لهم إنه لا يجب أن ينتظر المرضى وقتا طويلا لإجراء الجراحة لذلك يجب إجراء 10 جراحات قلب مفتوح أسبوعيا. فقالوا لى إننى مجنون، لكننى قلت لهم إننى لست كذلك».

وأضاف «كانت هناك حالة قوية من العصبية وربما العداء لى، بسبب وجود تصور بأن هذا الجراح الجديد يريد أن يسيطر على كل شىء. وأوضحت لهم أننى لا أريد السيطرة على كل شىء، بل بالعكس أريد أن أساعد زملائى بقدر طاقتى. وفى النهاية سارت الأمور بهدوء. ومع زيادة عدد جراحات القلب المفتوح، كنت أركز على تشكيل فريق طبى وجعل الجراحات عملية روتينية. وهذا يجعل الجميع فى أمان أكثر. لأنه لن يظل هناك يوم واحد فى الأسبوع يشهد إجراء العمليات الجراحية فى ظل أجواء من الإثارة والانفعال. فالانفعال أثناء الجراحة يزيد احتمالات حدوث أخطأء».

وفى 8 سبتمبر 1973 أجرى مجدى يعقوب أول عملية زراعة قلب له، والأولى فى بريطانيا منذ 1969، رغم أن وزارة الصحة والتأمين الاجتماعى البريطانية كانت قد دعت فى وقت سابق من العام نفسه إلى وقف «طوعى» لهذه العمليات من أجل إجراء المزيد من البحوث. 

لكن عملية يعقوب فشلت ومات المريض، فى الوقت الذى حظيت فيه العملية بتغطية إعلامية واسعة فى بريطانيا. ومما زاد الأمر سوءا اعتراف يعقوب بأن الاستعدادات للعملية لم تكن جيدة بالقدر الكافى.

ورغم الهجوم الإعلامى القوى على الطبيب المصرى بسبب «العملية الفاشلة» فإنه أصر على ضرورة المضى قدما فى عمليات زراعة القلب والتعلم من الأخطاء وتجنبها فى كل مرة تالية، خاصة وأن مثل هذه العملية تكون الملاذ الأخير لإنقاذ المريض من الموت بالفعل. وقال إنه فى مثل هذه الحالات نجد أن المريض أو أسرته يوافقون على الفور على إجراء الجراحة رغم خطورتها باعتبارها الأمل الأخير المتاح.

وفى مواجهة الهجوم والانتقادات، قال يعقوب فى ذلك الوقت إن عملية زراعة القلب لا تنطوى على كل هذا القدر من الدراما، ويجب توعية الرأى العام بأن هذه العملية، مجرد عملية جراحية مثلها مثل زراعة الكلى. ولا يجب وقف عجلة التقدم العلمى التى ستنقذ أرواح الكثيرين على الأقل فى المستقبل. فقد كان يؤمن أن العلم والطب تحديدا لن يتقدم، بدون مخاطرة، وكانت لديه الشجاعة لكى يتحمل المخاطرة ويتحدى الأصوات المحافظة فى عالم الجراحة.

وتقول عنه زميلته مارى شيفرد «مستشفى هارفليد لديه طبيب لا يتمتع فقط بقدرة إعجازية على العمل، وإنما لديه شغف وخبرة فى إصلاح العيوب الخلقية للقلب فى المرضى الصغار». وتضيف أن «أى جراح قلب جيد هو جيد فى الناحية الفنية، لكن يعقوب كانت لديه الأفكار النظرية المبتكرة والمهارة غير المحدودة فى تنفيذ هذه الأفكار فى غرفة العمليات».

وفى عام 1975 أجرى يعقوب أول عملية تغيير شرايين فى بريطانيا، فى حين كان طبيبا آخر وهو الدكتور أديب جينت البرازيلى من أصل لبنانى يجرى نفس العملية فى البرازيل دون أن يعرف أى من الفريقين شيئا عن عمل الفريق الآخر فى ذلك الوقت.

وبالطبع كانت معدلات الوفاة فى مثل هذه العملية عالية للغاية. ويقول يعقوب «يأتى عليك وقت لا يكون أمامك أى خيار لإنقاذ المريض سوى القيام بعمل جديد وغير مسبوق، أى أنه بتعبير دقيق عمل تجربى» لكنه بالتأكيد أفضل من الجلوس وانتظار وفاة المريض. فحتى لو مات المريض أثناء الجراحة ستستفيد البشرية من اكتشاف آفاق جديدة لإنقاذ المزيد من المرضى بعد تحليل العملية الفاشلة واكتشاف الأخطاء فيها لتجنبها فيما بعد.

فى منتصف ليلة 22 أبريل 1975 وخلال فترة استراحة بين عمليتين جراحيتين، فحص مجدى يعقوب طفلا كانت حالته الصحية شديدة الخطورة. وكان الطفل سكوت مولى قد احتفل قبل أسابيع قيلة بعيد ميلاده الأول. 

وتروى والدة الطفل باتريشيا مولى هذه القصة وتقول إنها فوجئت فى البداية بتحديد موعد الكشف على ابنها فى منتصف الليل، لكن مسئولى المستشفى قالوا لها إن الطبيب يكاد يعمل على مدار الساعة ويحدد مواعيده فى الأوقات المتاحة من الليل أو النهار. 

ولما ذهبت إلى المستشفى وجلست فى قاعة الانتظار، جاءها يعقوب وهو يرتدى ملابس الجراحة، واستأذنها فى فحص الطفل، وتضيف أن أكثر ما لفت نظرها هو أن «يعقوب أخذ يفرك السماعة الطبية بين يديه لكى يدفئها قبل أن يضعها على جسم سكوت، وهى حركة لم يفعلها أى طبيب من بين الأطباء الكثر الذين ترددت عليهم مع ابنى فى ذلك الوقت، لذلك أدركت أنه سيفعل كل ما فى وسعه لإنقاذ حياته».

وتقول باتريشيا مولى إنها لاحظت أن طفلها يعنى من مشكلة صحية بعد مولده بأسابيع، وبدأت هى وزوجها التردد على المستشفيات حتى وصلت إلى مركز جون رادكليف لطب الأطفال فى جامعة أوكسفورد. واشترك أكثر من 40 طبيبا فى فحص قلب الطفل على مدى أسابيع. وفى النهاية قالوا لها إنه لا يوجد حل طبى لحالة الطفل والأفضل لهما أن تعود به إلى المنزل وتعتنى به حتى يحين أجله. وفى أوئل أبريل 1975 اقترح أحد أصدقاء الأسرة على الوالدين الذهاب بالطفل إلى الدكتور مجدى يعقوب فى مستشفى هارفيلد وهو ما حدث بالفعل.

وتضيف مولى أن الدكتور مجدى قال لها بعد الانتهاء من فحص حالة الرضيع، إن الرضيع مولود ببطين واحد فى القلب، ولا توجد فى هذه اللحظة عملية جراحية معروفة قادرة على علاج ابنها لكنه يمكن أن يفكر فى عملية جديدة، فسألته مثل أى أم «ما هى نسبة نجاح هذه العملية؟ ليرد على بوضوح إما 100% أو لا شىء». ورغم هذا الرد تقول إنها شعرت بارتياح كبير للتعامل مع يعقوب لأنها لأول مرة وجدت طبيبا يتحدث عن محاولة للعلاج بدلا من انتظار الموت للطفل.

وفى هذه العملية كان الفريق يحاول غلق الصمام الثلاثى فى الأذين الأيمن للقلب لكى يقوم بعمل البطين الأيمن غير الموجود فيقوم بضخ الدم إلى الرئتين ليتشبع بالأوكسجين ثم يعود إلى الأذين الأيسر ومنه يمر عبر الصمام الميترالى إلى البطين الوحيد الموجود والذى يضخ الدم المؤكسد إلى الجسم عبر الشريان الأورطى. وتمت العملية وانتظمت الدورة الدموية بالفعل. 

وبقيت الأم مع طفلها بعد العملية فى وحدة جراحة قلب الأطفال طوال الليل وأغلب اليوم التالى. وتقول كان يعقوب يتردد على الغرفة باستمرار وفى لحظة ما قال لى «أنظرى إنه ليس غائبا عن الوعى تماما إنه يصدر رد فعل عندما تتحدثين إليه، فقد لاحظت أن سكوت يحرك عينيه عندما أتحدث إليه، وطلب منى الحديث مع الرضيع باستمرار لأنه يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة».

ولكن فى الأيام التالية الأمور تدهورت وعانى الرضيع سكوت من فشل كبدى وكلوى. كما أنه لم يعد فى المقدور توصيل جسم الرضيع بجهاز التنفس الاصطناعى وجهاز الغسيل الكلوى لأن جسمه صغير جدا. وقرر يعقوب توصيل الجهاز الدورى للرضيع بالجهاز الدورى لقرد عمره 5 سنوات من فصيلة البابون لكى يقوم بتنقية الدم فى الدورة الدموية للطفل، نظرا لأن حجم الأعضاء الحيوية لقرد البابون تماثل أعضاء الطفل.

وكان الأطباء الأمريكيون قد استخدموا هذا الأسلوب لمساعدة مرضى يعانون من الفشل الكبدى، لكنها كانت أول مرة يتم فيها استخدام قرد البابون لإنقاذ مريض يعانى من قصور فى القلب وفشل كلوى. وبالفعل تحسن شكل الرضيع لكن التعافى لم يستمر طويلا. وبعد ذلك بساعات مات القرد، كما مات سكوت بعد 16 ساعة من محاولة إنقاذه باستخدام قرد البابون.

وفجرت هذه العملية جدلا واسعا فى بريطانيا المعروفة بتقاليدها الطبية المحافظة، حتى أطلقت بعض الصحف على مستشفى هارفيلد اسم «مستشفى بابون». كما تعرض يعقوب لانتقادات واسعة من جانب العديد من السياسيين وجماعات حقوق الحيوان ومناهضى علم التشريح.

فى المقابل، خرجت السيدة مولى والدة الطفل سكوت لكى تدافع بضراوة عن مجدى يعقوب وكل محاولاته لإنقاذ طفلها فى الوقت الذى رفض فيه عشرات الأطباء بذل أى جهد لإنقاذه بدعوى أنه لا سبيل إلى ذلك.

فى الوقت نفسه خرج يعقوب إلى الإعلام ليدافع عن قراره فى محاولة إنقاذ الطفل اعتمادا على القرد وقال «الطفل كان يحتضر ولم تكن هناك أى فرصة لإنقاذه باستخدام جهاز الرئة الاصطناعية. وكان الطفل قد أجرى جراحة قلب ناجحة، وفرص حياته كانت تستحق المحاولة. ونحن نتعلم. وهذا الأسلوب سيستخدم مرة أخرى إذا تكررت الظروف».

ومرت أزمة الرضيع سكوت، وواصل مجدى يعقوب وفريق مساعديه العمل فى مستشفى هارفيلد الذى أصبح قبلة الباحثين عن علاج لمشكلات القلب المستعصية وبدأ يتردد عليها الكثير من الشخصيات الشهيرة التى تعانى من أمراض القلب، وهو النجاح الذى تحول إلى عبء على المستشفى والعاملين فيه نظرا للزيادة الكبيرة فى أعداد المترددين عليها، من مختلف أنحاء بريطانيا، فى حين لم تكن ميزانية المستشفى ولا أعداد العاملين فيه كافية لمواجهة هذه الأعداد الكبيرة من طالبى العلاج.

وخلق نجاح قسم جراحة القلب فى هارفيلد والأساليب الثورية التى يستخدمها مجدى يعقوب فى الجراحة، حالة من العداء للمستشفى وله شخصيا فى العديد من الدوائر السياسية والطبية البريطانية، وهو ما جسده خطاب كتبه السياسى البريطانى المحافظ ووزير الصحة فيما بعد كينيث كلارك إلى القيادى فى حزب المحافظين الحاكم جون باتن وقال فيه «هذا الجراح المجنون فى هارفيلد يحاول إجراء عمليات الزراعة. فما هى أفضل وسيلة لوقفه؟ ربما كانت أفضل وسيلة هى غلق مستشفى هارفيلد ونقله إلى نورثويك بارك. لكن بحق الله لا تجعلوهم يعرفون ما نحاول القيام به». وتم الكشف عن هذا الخطاب لأول مرة يوم 10 يونيو 1997 خلال حلقة نقاشية لمعهد ويلكوم لتاريخ الطب فى لندن تحت عنوان «جراحات زراعة القلب الأولى فى بريطانيا». 

وكان هذا الخطاب جزءا من حملة واسعة استهدفت إغلاق قسم جراحة القلب فى مستشفى هارفيلد ونقل فريق العاملين فيه إلى مستشفى آخر بدعوى خفض النفقات الحكومية وتركيزها. وفى إحدى جلسات مجلس العموم البريطانى لمناقشة مصير مستشفى هارفيلد قال عضو المجلس مايكل شيرسبى إن المستشفى حقق شهرة عالمية بفضل وجود جراح القلب الممتاز مجدى يعقوب فيه، وبالنسبة لأهل بلدة هارفيلد والعاملين فى المستشفى والكثيرين من الناس فى بريطانيا وخارجها يعتبر قرار غلق القسم غير معقول على الإطلاق.

وفى هذه الأجواء عانى قسم جراحة القلب فى هارفيلد من ضعف التمويل الحكومى فاعتمد على التبرعات وهو ما ساهم بدرجة كبيرة فى استمراره وتطوره.

وخلال عام 1980 أجرى مجدى يعقوب 14 عملية زراعة قلب وفى 1981 أجرى 11 عملية أخرى وكانت النتائج متباينة. وبحلول مايو 1981 مات 12 من بين أول 18 شخصا أجريت لهم زراعة قلب. وكان رقم الناجين رغم ذلك مشجعا للغاية على مواصلة التقدم فى هذا الاتجاه. وفى أكتوبر 1981 شارك ستة أشخاص ممن أجريت لهم زراعة القلب مع مجدى يعقوب ومئات آخرين فى سباق للجرى لمسافة ميلين ونصف الميل فى هارفيلد.

وفى هذه الأثناء كلفت الحكومة البريطانية البروفيسور مارتن بوكستون من جامعة بورنيل فى لندن والبروفيسور روى أشيسون من جامعة كمبريدج لدراسة التكلفة والعائد لعمليات زراعة القلب فى كل من مستشفى هارفيلد وبرومبتون لكى تحدد الحكومة على أساسها أيا من المستشفيين يستحق الدعم الحكومى لمواصل العمل فى هذا المجال.

ورغم ذلك وقبل انتهاء هذه الدراسة قدمت وزارة الصحة البريطانية دعما مؤقتا لمستشفى هارفيلد بقيمة 150 ألف جنيه إسترلينى. وجاء الإعلان عن هذه المنحة من جانب آخر شخص يمكن توقعه وهو وزير الصحة فى ذلك الوقت كينيث كلارك الذى كان قد قال إن مجدى يعقوب «مجنون ويجب وقفه بكل السبل».

وفى عام 1983 كسر مجدى يعقوب حاجزا طبيا آخر وفتح أفقا جديدة فى جراحة القلب والصدر، عندما أجرى أول زراعة قلب ورئة معا لنفس المريض فى أوروبا بعد عامين فقط من إجرائها لأول مرة على مستوى العالم فى مستشفى جامعة ستانفورد الأمريكية عام 1981. ففى ذلك الوقت وصل إلى مستشفى هارفيلد المريض السويدى لارس ليونجبيرج وهو يعانى من قصور شديد فى القلب والرئتين إلى الدرجة التى جعلت الأطباء فى جامعة ستانفورد يعتبرونه حالة ميئوس منها.

كان لارس يعانى مما يعرف باسم ارتفاع ضغط الشريان الرئوى، وهذا النوع من ضغط الدم يؤدى إلى تدمير الرئتين وإضعاف القلب. وكانت حالة المريض السويدى تتدهور بسرعة شديدة. قبل ثلاث سنوات فقط من ذلك الوقت كان الرجل البالغ من العمر 33 عاما يعيش حياة طبيعية تماما ويمارس رياضة الجرى.

ورأى يعقوب أن الحل الوحيد لإنقاذ حياة الرجل هى القيام بزراعة قلب ورئة له. ويقول يعقوب إن لارس كان ذكيا ويتحدث بهدوء، وفى الوقت نفسه كان يدرك أنها المرة الأولى فى أوروبا التى ستجرى فيها عملية زراعة قلب ورئة، لذلك عندما سأله يعقوب عما إذا كان يدرك أن هناك احتمالا كبيرا لوفاته أثناء العملية، أكد أنه يدرك ذلك ويوافق عليه.

وأجريت العملية بنجاح واسترد لارس وعيه بعد ساعات من إجرائها وكانت زوجته إلى جواره كما قال المتحدث باسم مستشفى هارفيلد للصحفيين وممثلى وسائل لإعلام المختلفة الذين احتشدوا أمام المستشفى فى ذلك الوقت.

لم يشهد مجدى يعقوب ولا مستشفى هارفيلد حالة أثارت كل هذا القدر من التوتر والمشاعر مثل حالة الرضيعة هولى روفى، التى كانت تبلغ من العمر 10 أيام وتحتاج إلى التدخل الجراحى لعلاج عيب خلقى فى القلب. وكانت هولى مصابة بما يعرف باسم «أعراض البطين الأيسر»؛ حيث لم يكن هذا الجزء من القلب والمسئول عن ضخ الدم إلى الجسم عبارة عن نسيج مصمت ولا يقوم بدوره، وبالتالى فالأمل الوحيد لإنقاذها هو إجراء عملية زراعة قلب لها من وجهة نظر مجدى يعقوب.

لكن هذا الرأى وجد معارضة قوية حتى من داخل مستشفى هارفيلد حيث سعت رئيسة التمريض فى المستشفى إلى منع نقل هولى من المستشفى الوطنى للقلب فى لندن حيث كانت موجودة، إلى هارفيلد بدعوى أن المستشفى مثقل بالأعمال ولا يستطيع تحمل عبء إضافى بإجراء هذه العملية الأولى من نوعها. لكن يعقوب أصر على إجراء الجراحة وهو ما حدث فى 30 يوليو 1984. ومن بين كل عمليات زراعة القلب التى أجراها يعقوب أو غيره من الأطباء كانت عملية هولى الأشد إثارة للجدل والانتقاد خاصة بعد وفاتها فى أغسطس 1984. وكان من بين المنتقدين الدكتور كريستيان برنارد الذى أجرى أول عملية زراعة قلب فى العالم.

وقال إن «محاولة نقل قلب إلى هولى كان خطأ كبيرا، فلا أحد يمكن أن يعرف كيف سينمو القلب الجديد الذى كان صغيرا ليناسب جسم الرضيعة مع نمو المريضة فى حال نجاح الجراحة».

وانقسم السياسيون والأطباء والإعلاميون فى بريطانيا ما بين مؤيد للعملية ومعارض لها. وبالطبع دافع يعقوب عن العملية وأكد أنه لم تكن هناك أى فرصة لمحاولة إنقاذ الرضيعة من الموت المحتم سوى إجراء الجراحة. 

وقال عضو مجلس العموم البريطانى عن حزب المحافظين الحاكم نيكولاس وينترتون تعليقا على العملية «إن التقدم العلمى فى الطب يحظى بالأولوية على حساب الأخلاقيات والقيم وهو أمر مرفوض». ولكن عضو المجلس عن حزب العمال المعارض تيم دالييل قال «سأدعم الجراح مجدى يعقوب فيما يقوم به، فإن كنا أمام حالة ميئوس منها، وهناك فرصة للمحاولة، فيجب استغلالها بغض النظر عن النتيجة النهائية».

 ورغم وفاة الرضيعة والهجوم الضارى الذى تعرض له، يقول يعقوب إنه لم يفكر لحظة فى التراجع عن زراعة القلب للرضع، وأنه سيكرر العملية إذا تكررت الظروف مع الاستفادة من الدروس الكثيرة التى خرج بها من العملية الأولى.

ويضيف «أثناء التخطيط لعملية هولى كان همى الأول والأخير هو إنقاذ حياتها. وكنت أعرف كيف أفعل ذلك من الناحية الفنية. كنت واثقا من قدرتى على إجراء العملية بنجاح، فقد أجريت العديد من عمليات زراعة القلب للكبار. كما أجريت العديد من عمليات تغيير الشرايين والأوردة حيث تعاملت مع أوعية دموية دقيقة، ولذلك لن تكون مشكلة عندما أتعامل مع أوعية دموية أكبر عند إجراء زراعة القلب لهولى. كذلك كنت واثقا من أن القلب الصغير الذى سأزرعه فى الرضيعة سينمو معها بمرور الوقت لأن حجم وعدد الخلايا فى القلب المزروع ما زال قليلا، وذلك على عكس ما قاله الدكتور برنارد فى انتقاده لعملية هولى. كنت أعرف أن برنارد على خطأ».

واختتم يعقوب كلامه عن هذه العملية الأشد إثارة للجدل فى ذلك الوقت بأن لديه إيمانا راسخا بوجود المرة الأولى فى كل شىء، وبدون هذه المرة الأولى لن تكون هناك مرات ثانية وثالثة حتى تصبح أى عملية جديدة، عملية روتينية يقوم بها مئات الجراحين فى العالم وتنقذ أرواح الآلاف بعد ذلك.

 

اقرأ أيضا

الجراح المتمرد.. كتاب يحكي أسطورة مجدي يعقوب



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك