أقيمت أمس بآخر أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة لمناقشة كتاب "سرديات الحروب والنزاعات.. تحولات الرؤية والتقنية" للدكتورة أماني فؤاد، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية، وذلك ببلازا 1.
حضر المناقشة الدكتور حسين حمودة، والدكتور سيد ضيف الله، وأدار الندوة الدكتور محمد عبدالباسط عيد، بحضور الكاتب محمد الفخراني، والكاتبة منى العساسي، والكاتبة هناء متولي.
الكتاب صدر في 279 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي على خمسة فصول أساسية هي: "أدب الحرب، مفهومه وخصائصه، اللابطل في روايات أدب الحرب، الراوي وبنية النص، سرديات الحروب وواقعية الفن، سرديات الحروب والتقنيات الفنية".
يعتبر الكتاب حاوية حقيقية لكل ما يتعلق بأدب الحرب من ناحية الخصائص والأسلوب، ومن ناحية البنية المعرفية لما طُرح في هذا الصدد من قبل. توضح الدكتورة أماني فؤاد أن أدب الحرب يعد من أقدم الأنواع الأدبية التي لفت إليها الأدباء حتى في مهد الأدب، مثل "إلياذة هوميروس" و"إلياذة فيرجيل"، مرورًا بكل ما كتب في الرواية مثل "روايات تحت النار" لهنري باربوس، "عاصفة الصلب" لإرنست جونجر، "عودة الجندي" لريبيكا ويست، "الجنود الثلاثة" لجون دوس باسوس، "الحرب الأهلية" لمايكل شارا، "دكتور زيفاجو" لبوريس باسترناك، و"رواتب الجنود" لويليم فوكنر.
بدأ الدكتور حسين حمودة الندوة قائلًا: "تتقصى الدكتورة أماني فؤاد في كتابها تجربة الثورات والحروب والنزاعات، وكيفية تعبيرها في لحظة السرد الراهنة.
وقد قامت بذلك من خلال تناول متعدد الأبعاد لعدد كبير من الروايات، ربما يصل إلى خمسين رواية أو يزيد. ورغم ذلك، لم تقع في فخ اندياح النصوص وتداخلها، بل حافظت على تماسك الكتاب".
وأضاف: "يتناول الكتاب ملامح الظاهرة، ورغم اتساع نطاق الموضوع وكثرة الروايات التي تم تحليلها، نجد أن هناك بناء محكمًا. تناولت المؤلفة في فصول الكتاب الخمسة مفهوم أدب الحرب وخصائصه، بالإضافة إلى دراسة البطل في رواية الحرب والراوي".
وتابع: "تقدم الدكتورة أماني فؤاد في كتابها دراسة شاملة لأثر الصراعات والحروب على الأدب، وخاصة على شخصية البطل الروائي. تتتبع المؤلفة تحولات البطل من شخصية قوية وواثقة إلى شخصية ضائعة ومحبطة، وكيف يعكس هذا التحول التغيرات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم العربي، وتعتبر هذه الدراسة مرجعًا قيّمًا للباحثين والمهتمين بالأدب العربي المعاصر، حيث تقدم قراءة نقدية عميقة لأعمال أدبية عديدة وتساهم في فهم أعمق لطبيعة الأدب الناتج عن الحروب والنزاعات".
وأشار إلى أن الكتاب يتميز بتنظيمه الجيد لهذه الظاهرة الواسعة، مما يجنب الكتاب الاندياح والتبعثر. أحد الملامح المهمة التي يتسم بها الكتاب هو أن بعض الفصول، وليس كلها، تحتوي على خلاصات لما تم التوقف عنده في تلك الفصول، مما يعزز التماسك البنائي للكتاب.
كما يحافظ الكتاب على الطابع الأكاديمي من خلال تدقيق المصطلحات وتوثيق المراجع التي تتجاوز 70 مرجعًا، مما يعكس الاهتمام المنهجي.
رغم ذلك، فقد كُتب بلغة سلسة وبسيطة تسهّل على القارئ العادي الوصول إليه، مما يجعله ينتمي أكثر إلى النقد الأدبي منه إلى النقد الأكاديمي البارد.
وأشار إلى أن الكتاب لا يتقيد بالحياد المصطنع الذي نجده في الكثير من الكتابات النقدية الأخرى، بل يتسم بكثير من الأحكام القيمية التي ترتبط برؤى خاصة للدكتورة أماني فؤاد.
وأضاف: "هذه الرؤى تتسم بفهم خاص لظاهرة الحروب والنصوص الروائية التي تحمل قيمًا جمالية مميزة. الكتاب يتخذ الشكل الموسوعي، ولذلك يمكن في الطبعات القادمة أن تقوم دار المصرية اللبنانية، بتحديثه ليشمل روايات أخرى من نفس السياق، كما هو الحال مع الموسوعات".
قال الدكتور سيد ضيف الله إن اختيار موضوع النقد الأدبي لسرديات الحروب يمثل انعطافة نوعية في عالم النقد الأدبي، حيث يتجاوز تحليل النصوص إلى استكشاف عمق التجربة الإنسانية في مواجهة الصراع. وفي قلب هذه السرديات، يتجرد الإنسان من جميع الأقنعة ليكشف عن أعمق أعماق روحه، فتظهر معاناته وصموده وعزيمته في مواجهة الظروف القاسية.
وأوضح أن الدكتورة أماني فؤاد، برؤيتها النقدية الثاقبة، تضيء هذا الجانب الإنساني العميق، مؤكدة أن هذه الروايات ليست مجرد نصوص أدبية، بل هي شهادة حية على صمود الإنسان ورغبته الأكيدة في العيش والاستمرار وسط الدمار والخراب.
وتابع: "إن دراسة هذه السرديات ليست مجرد تمرين نقدي، بل هي رحلة استكشافية إلى أعماق النفس البشرية وكشف عن قيم إنسانية جوهرية".
وأكد ضيف الله: "رغم أن هذه السرديات تحمل قيمة سردية عالية، فإنها تمثل أيضًا انشغالًا نقديًا وأكاديميًا يستحق الاهتمام، حيث يتجاوز التركيز على النصوص إلى الاهتمام بالإنسان أولاً وقبل كل شيء".
وأردف: "قد انطلقت الدكتورة أماني فؤاد في كتابها من هذا المنطلق، مؤكدة أن الاهتمام بسرديات الحروب ليس مجرد اهتمام نقدي عادي، بل هو انشغال بالواقع المعيش، حيث تدفع هذه الروايات القارئ إلى إدراك قيمة الحياة واستكشاف رغبة أكيدة في الاستمرار. كما أن الإنسان في الحروب الحديثة، الذي يختلف عن إنسان الحروب التقليدية، هو عنصر جاذب للإبداع الأدبي، مما يجعل الكتابة عنه تعبيرًا عن التحديات والتغيرات التي تطرأ على شخصيته".