الإمام جعفر الصادق.. معلم الأئمة - بوابة الشروق
السبت 15 فبراير 2025 9:17 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الإمام جعفر الصادق.. معلم الأئمة

 الطاهر عماد:
نشر في: الأربعاء 6 مايو 2020 - 8:34 م | آخر تحديث: الأربعاء 6 مايو 2020 - 8:34 م

يستكمل الكاتب عبدالرحمن الشرقاوى سرد حكايات أئمة الفقه التسعة ونتوقف فى هذا الفصل مع الإمام جعفر الصادق، حيث يقول الشرقاى عنه: لم يُجمع الناس على حب أحد فى ذلك العصر كما أجمعوا على حب الإمام جعفر بن محمد الإمام جعفر الصادق، هو أبو عبدالله عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالبٍ، أحد أشهر أئمة المسلمين من نسل الحسين بن عليّ بن أبى طالبٍ.
ويقول عنه عبدالرحمن الشرقاوى فى كتابه «أئمة الفقه التسعة» عن صفات الإمام جعفر أنه كان صافى النفس، واسع الأفق، مرهف الحس، متوقّد الذهن، كبير القلب، يلتمس فى غضبه الأعذار للآخرين، حاد البصيرة، ضاحك السن، مضىء القسمات، عذب الحديث حلو المعشر، سباقا إلى الخير.
الإمام جعفر من العترة الطاهرة، عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جده لأمه هو أبو بكر الصديق، وجده لأبيه هو على بن أبى طالب، وهو نسب لم يجتمع لأحد غيره.
ولد فى المدينة سنة 80 هـ ومات فيها سنة 148هـ، وخلال هذا العمر المديد أغنى الحياة والفكر بحسن السيرة، والعلم الغزير، وإشراقاته الروحية، واستنباطه العقلى.
تلقى الإمام جعفر العلم عن أبيه الإمام محمد الباقر وعن جده لأمه القاسم بن محمد بن سيدنا أبى بكر الذى كان أحد فقهاء المدينة السبعة المشهود لهم بالعلم والصلاح، كما تتلمذ الإمام الصادق على يد عدد من التابعين ومن العلماء والشيوخ ومنهم ابن شهاب الزهرى وعبيد الله بن أبى رافع، وعروة بن الزبير وعطاء بن أبى رباح، ومحمد بن المنكدر، كما رحل إلى العراق طلبا للعلم، وكانت له عناية بالفقه وشغف باختلاف الفقهاء، ومعرفة مناهجهم، وتطلب ذلك منه معرفة واسعة بعلوم القرآن والحديث، والناسخ والمنسوخ.
وكان الإمام جعفر الصادق لا ينجرف إلى الصراعات السياسية ولا يبحث عن منازعة الحكام، بل كان جل انشغاله بالعلم والتعليم، وكان يُدافع عن الخلفاء الراشدين السابقين للإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، ويمقت الذين يتعرضون لسيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه ظاهرا وباطنا ويغضب منهم.
حاول أقارب الإمام أن يقحموا عليه السياسة، فدعوه إلى الثورة على الدولة الأموية، واجتمعت عليه الألسنة ليتولى أمر الخلافة، فرفض وصرفهم عما هم طالبين.
كان الإمام مُدركًا لعاقبة تعاطيه السياسة أو التقرب إلى الحكام منذ أن أخذت الدولة الأموية تلفظ أنفاسها الأخيرة، حيث إن أبا مسلم الخراسانى حاول أن يزج بالإمام فى الثورة العباسية نظرًا لكلمته المسموعة بين الشيعة خصوصًا الذين يرونه معصومًا، وبين سائر المسلمين الثائرين، لكنه رفض المشاركة، وتملَّص من الدعوة، وتفرغ لعمله الأهم الذى يعتمد عليه قيام الدين الإسلامى فى مواجهة الأفكار الدخيلة والمذاهب الفكرية المنحرفة عن الطريق الذى يدعو إليه الإسلام.
الصادق من الأئمة القلائل المتفق عليهم من أهل السنة والشيعة، إذ كانت مدرسته أساس لكل طوائف المسلمين.
وروى عنه كثير من كتَّاب الحديث السنة والشيعة على حدٍ سواء، واستطاع أن يؤسس فى عصره مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء.
الإمام الصادق من الرواد فى علم الكيمياء، إذ تتلمذ على يديه أبوالكيمياء جابر بن حيان، كذلك فقد كان عالم فلك، ومتكلمًا، وأديبًا، وفيلسوفًا، وطبيبًا، وفيزيائيًا.
وكان للإمام جعفر الصادق كثير من المناظرات مع العلماء وغيرهم فى الدين والعلوم الإنسانية المختلفة، وقد اتبع منهجًا منطقيًا تسلسليًا فى المناظرة والنقاش وهو أسلوب علمى يُبرز مكانته العلمية وقدرته على استحضار كل جوانب الموضوع وحضور البديهة فى الرد، وكان من الطبيعى أن يتعرض شخص بهذا المستوى الكبير من الفهم والعلم والمكانة لأسئلة المستفسرين وإنكار الملحدين ومكابرة كثير من الفئات المتأثرة بالعلوم المستقدمة.
كان يعتمد الإمام جعفر الصادق فى حواره على الأدلة العلمية، وعلى الاستقراء والاستنباط، لا على المسلمات، ونادى بتحكيم العقل حيث لا يوجد حكم فى الكتاب والسنة، ويقول بما أن هدف الشريعة هو تحقيق المصالحة للبشر وبما أن العقل قادر على معرفة الخير والشر، فإن العقل يهدى إلى ما فيه المنفعة والخير فيؤخد به، وإلى ما فيه الضرر فيرتك.
هكذا عاش الأمام فى المدينة يعلم الناس ويجتهد فى استباط أصول الفقة.
وفى الثامنة والستين مات الإمام جعفر الصادق، مات إمام أهل الشيعة وشيخ أهل السُنة بعد أن ترك ثروة فى الفقة والعلم والتأملات، وأنشأ فى الحياة الفكرية تيارا جديدا خصبا أعلى فيه العقل والنظر والتأمل والعلم، وجمع المعارف كلها وعلوم الدنيا والدين.
خلف الإمام فى كل البلاد مئات الفقهاء السنين يروون ويعلمون الناس فقه وشروحه وآراءه، فضلا عن فقهاء الشيعة.
توفى الإمام جعفر الصادق الذى درس عليه الإمام مالك، وروى عنه أبوحنيفة النعمان وتعلم منه وصحبه سنتين كاملتين قال عنهما أبو حنيفة: «لولا السنتان لهلك النعمان».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك