كيليا نمور: من قاع الأزمات إلى قمة المجد.. كيف خلدت بطلة الجمباز إنجاز الجزائر والعرب في أولمبياد باريس؟‬ - بوابة الشروق
الإثنين 25 نوفمبر 2024 2:39 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيليا نمور: من قاع الأزمات إلى قمة المجد.. كيف خلدت بطلة الجمباز إنجاز الجزائر والعرب في أولمبياد باريس؟‬

أسامة زكريا
نشر في: الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 5:25 م | آخر تحديث: الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 6:03 م

في قلب بيرسي أرينا الباريسية، تتلألأ الأضواء على كيليا نمور، الفتاة الجزائرية التي تقف عند مفترق طرق في مسيرتها الرياضية خلال أولمبياد باريس. وسط صمت مهيب يخيّم على الجماهير المتلهفة، تستعد كيليا لأداء حركاتها على العارضتين غير المتماثلتين، وهي محملة بذكريات رحلة طويلة من التحديات والانتصارات.

منذ نعومة أظافرها، واجهت كيليا تحديات جسيمة، حيث نصحها الأطباء بالتخلي عن الجمباز، بسبب خلل في نمو العظام، لكنها أظهرت عزيمة لا تلين وتجاوزت كل العقبات لتحقيق حلمها. اليوم، وهي ترتدي ألوان الجزائر، تمثل كيليا رمزا للإصرار والشجاعة، وتجسد رحلتها من الظلام إلى الضوء، الأمل الذي ينبعث من عمق المحن.

 

مع كل حركة على العارضة، كانت كيليا تكتب فصول قصة كفاح لا تُنسى، حيث أبهرت الجمهور برشاقتها ودقتها، مختتمة عرضها بحركة مذهلة أطلقت العنان لعاصفة من الهتافات والتصفيق الحار. في تلك اللحظة التاريخية، حققت كيليا حلمها ورفعت علم الجزائر عاليًا.

 

● النشأة: حلم الجمباز ينمو

ولدت كيليا نمور في مدينة سان بينوا لا فوريه بفرنسا في 30 ديسمبر 2006 لأم فرنسية وأب جزائري، ومنذ صغرها، تميزت بحيوية ونشاط لافتين، مما جذب انتباه والديها لقدراتها الرياضية، حيث كانت كيليا تقضي ساعات طويلة في ممارسة الحركات البهلوانية في فناء منزلهم، مظهرة شغفا كبيرا تجاه الرياضة.

عندما كانت في السابعة من عمرها، بدأت كيليا في تطوير مهاراتها في الجمباز تحت إشراف مدربين محترفين، وسرعان ما برزت كموهبة استثنائية، وأظهرت تفانيا وإصرارا على التحسين والتعلم.

● بداية القصة: التحديات الصحية والمعاملة القاسية

عندما بلغت كيليا الرابعة عشرة من عمرها، كانت أسست قاعدة قوية في الجمباز، لكن رحلتها اتخذت منعطفا حاسما وملحميا، وسرعان ما وجدت حلمها يتحول إلى كابوس مفاجئ، عندما شخّص أطباء المنتخب الفرنسي معاناتها من خلل في نمو العظام والغضاريف. كان التشخيص صادما لعائلتها، فقد أوصى الأطباء بتوقفها عن ممارسة الجمباز، مما شكل ضربة قوية لطموحاتها ولعالمها الرياضي الصغير.

في خضم هذه الصدمة، وجدت كيليا نفسها في قلب عاصفة من الخلافات بين ناديها "أفوان بومون" والاتحاد الفرنسي للجمباز. كان ناديها يؤمن بقدراتها الكبيرة ويشعر أنها يمكن أن تتجاوز هذه الأزمة، لكنه اصطدم بجدار صلب من المقاومة من جانب الاتحاد الفرنسي، حيث رفض الأخير السماح لها بالعودة إلى التدريبات، مبررا ذلك بأسباب طبية.

في تلك الأثناء، لم يكن الدعم الذي تلقته كيليا كافيا لمواجهة الضغوط التي كانت تحيط بها، حيث وجد ناديها نفسه محاصرا بممارسات غير عادلة من الاتحاد الفرنسي، الذي حاول بكل الوسائل إعاقة مسيرتها الرياضية. وفي الوقت نفسه، كانت كيليا وعائلتها يتعاملون مع شعور متزايد بالإحباط، معززين بإيمانهم بقدراتها وبحقها في متابعة حلمها.

● قرار مصيري: تغيير الجنسية الرياضية

وسط كل هذه الضغوط والصراعات، اتخذت كيليا وعائلتها قرارا شجاعا ومصيريا، بتغيير جنسيتها الرياضية لتمثيل الجزائر. كان هذا القرار بمثابة تحدٍ هائل، ليس فقط للاتحاد الفرنسي ولكن للعالم بأسره. لقد كان بمثابة إعلان حرب على كل من حاول تحطيم طموحاتها، وإصرار على تحقيق النجاح رغم كل العقبات.

ومع ذلك، لم يكن الانتقال إلى تمثيل الجزائر سلسا كما كان يأملون. فقد حاول الاتحاد الفرنسي عرقلة هذا الانتقال بكل السبل الممكنة، بما في ذلك تأخير إصدار الوثائق اللازمة لانتقال الجنسية الرياضية. هذه المحاولات لم تكن مجرد عوائق بيروقراطية، بل كانت محاولة للضغط على كيليا لإحباطها وإجبارها على التخلي عن حلمها.

ورغم كل هذه العوائق، كانت عزيمة كيليا وتصميمها أقوى من أي عرقلة، تمكنت في النهاية من تجاوز جميع العقبات وتمثيل الجزائر في المحافل الدولية، لتبدأ فصول جديدة من نجاحاتها المتتالية، محققةً أرقاما قياسية وإنجازات غير مسبوقة، وبذلك أثبتت أنها يمكن أن تتجاوز كل العقبات التي وضعت في طريقها.

● من الظلام إلى الضوء: إنجازات مبهرة

بعد انتقالها إلى المنتخب الجزائري، بدأت كيليا نمور في تحقيق نجاحات باهرة في عالم الجمباز. فقد حصلت على الميدالية الفضية في بطولة العالم أنفيرس، حيث أظهرت أداء مميزًا في مسابقتي العارضة والحركات الأرضية.

ثم تألقت في بطولة "وورلد تشالنج كب"، وحققت الميدالية الذهبية في بطولة أفريقيا بجنوب أفريقيا. وفي حديثها عن هذه التجارب، قالت كيليا إنها رغم التحديات، كانت مصممة على تحقيق حلمها وإثبات قدراتها، مما يعكس روحها القوية وإصرارها على النجاح.

الأسطورة التي لا تموت

تُعد كيليا نمور تجسيدا للأمل والشجاعة، حيث برهنت للعالم أن الإرادة القوية قادرة على التغلب على أكبر الصعوبات. بعد تتويجها بالميدالية الذهبية في باريس، حازت كيليا على إشادة واسعة من اللجنة الأولمبية الجزائرية، التي وصفها رئيسها مصطفى براف بـ"الأسطورة" الرياضية، فقد قال براف: "لقد أثبتت كيليا قوة وعزيمة الجزائر للعالم. ميدالية ذهبية تزين رقبتك، وبطلتنا نتمنى لك المزيد من التألق والإلهام".

قصتها تتجاوز حدود الرياضة، فهي ملحمة شجاعة وتحدٍ. فتاة لم تتخلى عن حلمها رغم العقبات والرفض، وصمدت في وجه الإحباط لتثبت أن الأحلام تستحق كل جهد وتضحية. بفوزها، كتبت اسمها في تاريخ الجمباز كأول بطلة أفريقية وعربية تتوج بميدالية أولمبية، لتذكر الأجيال القادمة بأن التحديات ليست نهاية الطريق، بل بداية لمجد مستقبلي.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك