تعد واحة باريس، جنوب محافظة الوادي الجديد، واحدة من أقدم الواحات المصرية، حيث تضم العديد من المناطق الأثرية والتراثية. ومن بين هذه المعالم التاريخية الهامة، تقع قرية المكس القبلي التي كانت تعد في الماضي نقطة عبور رئيسية لمصر عبر درب الأربعين، حيث كان يتم تحصيل الضرائب من القوافل التجارية. وتحتضن القرية طابية الدراويش، وهي حصن دفاعي قديم شُيد في فترة الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1893.
تم بناء هذا الحصن من طابقين بهدف صد هجمات جيش المهدي (الدراويش) الذي كان قادمًا من السودان عبر درب الأربعين إلى واحات مصر الجنوبية. يقول محمود عبد ربه، الباحث في تراث الوادي الجديد، إن منطقة المكس القبلي تعد واحدة من أقدم القرى في الجزء الجنوبي من الوادي الجديد، حيث كانت مأهولة بالسكان منذ منتصف القرن السادس عشر. كما أشار إلى أن طابية الدراويش كانت تستخدم لمواجهة الهجمات العسكرية، خاصة خلال الثورة المهدية بين عامي 1881 و1899.
وأضاف عبد ربه أن طابية الدراويش شُيدت في عام 1893 على يد اليوزباشي خليل حمدي أفندي، حكمدار واحة باريس، بعد أن أرسل "الدراويش" قوات لاستكشاف الطريق بين مصر والسودان عن طريق واحة باريس، حيث تعد الطابية واحدة من المعالم التاريخية الهامة للواحة، استخدمتها الحكومة المصرية في مقاومة الغزو البريطاني والثورات التي نشبت ضد الاحتلال.
وأشار عبد ربه إلى أن طابية الدراويش تم تسجيلها كمنطقة أثرية بموجب القرار رقم 573 لسنة 2000، مؤكدا ضرورة إدراجها ضمن برامج الوفود السياحية والرحلات المدرسية ورحلات الشباب والرياضة لتعريف الأجيال القادمة بأهميتها التاريخية.
وتعد الطابية واحدة من الطوابي الخمس التي شُيدت في واحة باريس، لكن معظمها تعرض للتصدع، وبقيت طابية واحدة فقط في قرية المكس القبلي بشكل متكامل. تم بناء الطابية من الطوب اللبن على مسقط مربع يتضيق تدريجيًا كلما ارتفعنا للأعلى، ويبلغ ارتفاعها حوالي 10 أمتار. سقفها مصنوع من الأخشاب مثل الجريد وجذوع النخيل وأفلاق شجر الدوم. وقد تم لأول مرة تقديم وصف للطابية من قبل الباحث جان جاسكو في عام 1978، حيث تم العثور بالقرب منها على شظايا فخار روماني وبقايا فرن قديم.
وفي ضوء ذلك، يُطالب الباحثون والمختصون بضرورة الاهتمام بالموقع الأثري، وترميمه، ورفع كفاءته لاستقبال الزوار، ليكون بمثابة نقطة جذب سياحي تسهم في تعزيز مكانة واحة باريس تاريخيا وتراثيا.